مُـختاراتٌ عقــديةٌ: (70) سبعون مسألةً من مهمَّات مسائل الاعتقاد

جمع وإعداد: هلال بن علي بن هلال الحوسني
بسم الله الرحمن الرحيم
ربِّ يسَّر وأعن بحولك وقوتك يا معين
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين، وخاتم النبيين والمرسلين، r وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أما بعد:
فهذا كتابٌ بعنوان: (مختاراتٌ عقديةٌ)؛ جمعتُ فيه (70) سبعين مسألةً من مهمات مسائل الاعتقاد، وذلك من كتاب (شرح غاية المراد في نظم الاعتقاد)، لسماحة شيخنا العلَّامة أحمد بن حمد بن سليمان الخليلي متَّعَنَا الله بحياته؛ بحيث أذكر المسألة العقدية، وأُتْبِعُها بالجواب من كلام سماحته، كما أردف غالبًا ذلكم الجواب بأبيات نظم غاية المراد.
والسبب في اختيار الجواب من كلام سماحته هو كونه عالم العصر والمصر، ولمحبَّة الناس له، وقبول كلامه لدى القاصي والداني، كما أنَّ الدافع لهذا العمل هو تسهيل المسائل العقدية للمبتدئين من طلبة العلم، وإتمامًا للفائدة وضعت فهرسًا بالمسائل التي وردت بالكتاب في آخره.
فإنْ وُفِّقتُ فمِنَ الله، وإنْ أخطأتُ فمِنْ نفسي والشيطان، واللهَ أسأل التوفيق والسداد، وهو حسبي ونعم الوكيل.
وكتبه بيده الداثرة: هلال بن علي بن هلال الحوسني
الخابورة – خور رسل، غرة المحرم 1444ه / 30 يوليو 2022م
- ما معنى الدين؟
(«الدين» مِنْ دان يدين، بمعنى خضع وانقاد، ويُطْلَقُ عرفًا على: كل ما يكون من قبل الإنسان في حق معبوده تقربًا به إليه: من اعتقاد، أو قول، أو عمل.
وهو في العرف الشرعي: ما شرعه الله لعباده ممَّا يقربهم إليه ممَّا أنزله في كتابه، أو جاء على لسان رسوله: من اعتقاد، أو عبادة، أو شريعة.
وهو بهذا المعنى ليس له مصدرٌ إلَّا وحـي الله تبارك وتعالى، فلا يخضع للتجربة ولا لغيرها، ولذلك كان الدِّين عند الله واحدًا، وهو الإسلام الذي جاءت به كُتُبُهُ، وبلَّغَتْه رسله، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ۱۹]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: 85])اهـ([1]).
- ما معنى التكليف؟ وما شروطه؟
(التَّكليف لغة: إلزام ما فيه مشقة.
واصطلاحًا: توجيه الأوامر والنواهي إلى المخلوق من قبل خالقه تعالى، فيترتب على امتثاله نيل الثواب وعلى ترکه استحقاق العقاب.
وهو مشروط بثلاثة أمور هي:
(أ) العقل. (ب) البلوغ. (ج) قيام الحجة على المكلَّف.
والحجة هي الدليل، وهو ما ثبت به المعنى في الذهن سواء كان عقليًا أو شرعيًا، فالعقل حجة في معرفة الله تعالى واتصافه بالكمالات واستحالة النقائص عليه، والشَّرع حجة في ذلك وفيما عداه.
وقيام الحجة هو ظهورها؛ لأنَّ للقائم مِيزَةً على غيره في الظهور.
ويُضَمُّ إلى الشروط المذكورة: عدم المانع، أي: إمكان الإتيان بما كُلِّفَ به؛ فإنَّ من فضل الله على عباده أنَّه لم يكلفهم بما لا يطيقون، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق:7])اهـ([2]).
- ما أول ما يُكَلَّفُ به الإنسان؟
(أول ما افترضه الله على عباده ثلاث جمل، وقد يُعبَّر عنها جميعـًا بـ«الجملة»)اهـ([3]).
(وتقسيمها إلى ثلاث؛ لاشتمالها على ثلاثة أركان، وجَعْلِ كل ركن منها جملة مستقلة مع مراعاة الاصطلاح النحوي في الجملة. والأركان الثلاثة هي الإيمان بالله، وبرسوله محمد ﷺ، وأنَّ ما أَنْزَلَ الله عليه هو الحق المبين، فالأول تتضمنه جملة «أشهدُ أن لا إله إلا الله»، والثاني جملة «وأشهدُ أنَّ محمدًا رسول الله»، والثالث جملة «وأشهدُ أنَّ ما جاء به محمد هو الحق من عنـد الله»، فاعتبارها ثلاث جمل لما ذكرناه من استقلال مفهوم كل واحدة منها وضعًا، واعتبارها جملة واحدة؛ لأنَّها جميعًا تؤدي إلى غاية واحدة)اهـ([4]).
وأول الفرض من تأصيله جملٌ | ثلاثة فزت إن تستحضر الجملا |
- ما تفسيرات الجملة؟ وما دليل هذين التفسيرين؟
(لهذه الجملة عند أصحابنا تفسيران:
(أ) اعتقادي: وهو ما أشرنا إليه من الإيمان تفصيلًا بصفات الله وأفعاله والنبيين والملائكة والكتب واليوم الآخر وبقضائه وقدره، ولا يجب شـيء من ذلك إلَّا على مَنْ قامت عليه حجته – كما ذكرنا -ـ
(ب) عملي: وهو الوفاء بالتكاليف الشرعية التطبيقيـة فعلًا وتركًا في حين وجوبها)اهـ([5]).
(والدليل على كون ذلك تفسيرًا للجملة: أنَّ الإتيان بهذه الجملة إنَّما هو عهد وميثاق بيـن العبد وربه بالالتزام التام بفعل أوامره وترك نواهيه؛ فإنَّ العبد إذا شهد أن لا إله إلَّا الله كانت شهادته ميثاقًا بينه وبين ربه سبحانه لأنْ يلتزم طاعته؛ لأنَّ معنى ذلك أنَّه لا معبود بحقٍّ إلَّا الله، والعبادة هي منتهى الطاعة وغايـة الخضوع والانقياد، فإنْ أصرَّ بعد ذلك على معصيته وتجرأ على انتهاك حرماته كان ذلك نقضًا لهذا الميثاق)اهـ([6]).
- هل يُشْبِهُ الله U شيئًا من مخلوقاته أو يُشْبِهُهُ شيء منها؟ وما الدليل على ذلك؟
(نعتقد اعتقادًا جازمًا أنَّ إله العرش([7]) I ليس له شبه ولا ند ولا مثل)اهـ([8]).
(وخلاصة ذلك: أنَّ الله U لا يُشْبِهُ شيئًا ولا يُشْبِهُهُ شـيء، فهو مباين لمخلوقاته في كلِّ أوصافه، فلا يُوصَفُ بشيءٍ من صفات خلقه قط؛ لأنَّه خالق الخلق، ويستحيل عقلًا وشرعًا أن تُشْبِهَ الصنعة صانعها)اهـ([9]). قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشوى: 11] ([10])..
ندين أنَّ إله العرش ليس له | شبه وليس له ندٌّ ولا مثلا |
- ما الفرق بين الشِّبْهِ والنِّدِّ والمثل؟
(الفرق بين هذه الثلاثة أنَّ الشبْهَ – بكسر فسكون، ويقال: شَبَهٌ بالتحريك وَشَبِيهٌ كعظيم -: هو المساوي في أغلب الصفات.
وأنَّ النِّدَّ هُوَ الْمُسَاوِي المضاد.
وأن المَثَلَ – بالتحريك، ويقال: مِثْلٌ بكسر فسكون وَمَثِيلٌ -: هو المساوي في جميع الصفات)اهـ([11]).
- هل لله U جسم أو عَرَضٌ؟ وما الدليل؟
(ندين كذلـك بأنَّه تعالى ليس جسمًا ولا عَرَضًا؛ لأنَّ الأجسـام والأعراض لا تكون إلَّا حادثة مخلوقة، وكل منها مفتقر إلى غيره، فالجسـم لا يخلو من الأعراض، لأنَّه لا بد له من حركة أو سكون، وهما عرضان، ولا بد له من لون يظهرُ به، وهو أيضًا من الأعراض، والعَرَضُ لا بد له من جسم فهو مفتقر إليه.
والجسـم هو أيضًا بحاجة إلى مكان يحل به وزمـان يجري عليه، والزمان والمكان حادثان، وما افتقر إلى الحادث فهو حادث، على أنه لو قيل بعدم حدوث المكان لزم منه تعدد القدماء، وهو مسوغ لتعدد الآلهة)اهـ([12]).
وأنَّه ليس جسمًا لا ولا عرضًا | لكنه واحد في ذاته كَمَلا |
- هل يمكن أن يُرَى الله U بالأبصار؟
(الله سبحانه مُنـزَّهُ عن رؤية الأبصار له؛ لأنَّه لا يُشْبِهُ شيئًا ولا يُشْبِهُهُ شـيء، فوجوده ليس كوجود ما سـواه، فهو منزَّهٌ عن التحيز في مكان، وعن وصفه بالألوان، والرؤية لا تقع إلا على متحيِّزٍ ذي جِرْمٍ كثيف، متصف بأحد الألوان، مشع بنفسه أو واقع عليه شعاع غيره، غير دقيق جدًّا، ولا متصل بالباصرة ولا بعيد جدًّا)اهـ([13]). قال تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:103]([14]). وقال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشوى: 11].
ولا يحيط به سبحانه بصرٌ | دنيا وأخرى فدع أقوال مَنْ نصلا |
- هل يمكن للعقل تصور ذات الله تعالى؟ ولماذا؟
(ندينُ – فيما ندينُ بـه – أنَّ الله تعالى لا تُكيِّفه الأوهام والأفكار، ولا تُحيط به الأقطار([15])؛ لأنه ليس كمثله شيء، وما تصوَّرَه الوهم أو كيَّفـه الفكر لا بد من أن يكون له مثال يرتسـم في الذهـن، فلذلك وجب تنزيهه U عن كل ما يرد إلى الأذهان من الخيالات والصور)اهـ([16]).
ولا يكيفه وهم ولا فكر | ولا تحيط به الأقطار مدَّخلا |
- ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]، ما معنى الاستواء على العرش؟
(أخبر الله في كتابه في العديد من الآيات أنَّه استوى على العرش، ويجب أن ندركَ أنَّ هذا الاستواء لا يعني القعود والاستقرار؛ لأنَّه تعالى مُنزَّهٌ عن الافتقار إلى الغير، ولو كان بمعنى القعود والاستقرار لكان هو بحاجة إلى العرش، ولأنه سبحانه سابق على كل شيء في الوجود، لا أوَّل لأوليته، وكل ما سواه حادث عن العدم، وهو الذي أخرجه من العدم إلى الوجود)اهـ([17]).
(وعليه فإنَّ استواءه على العرش إنَّما هو بمعنى هيمنته على خلقه، وتدبيره لأمورهم، وتصريفه لكل شيء في الكائنات)اهـ([18]).
وإنما الاستوا ملك ومقدرة | له على كلها استيلا وقد عدلا |
- هل سيحاسب الإنسان على أعماله التي عملها في الدنيا؟ وما الدليل؟
(دلَّتِ النصوص القاطعة أنَّ الإنسان يومئذ محاسب على ما قدَّم وأخَّر؛ قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ [الحاقة: 18]، وقال: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ [القيامة: 13]، وقال: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية: ٢٥-٢٦])اهـ([19]).
- ما معنى الميزان؟
(الميزان كنايةٌ عن فرز الأعمال، وتمييز خيرها وشـرها، وبيان مقبولها ومردودها؛ فإنَّ الله تعالى هو العليم بكل شيء، ولم يكن في حاجة إلى ميزان حقيقي؛ لبيان الصالحات والسيئات، وإنما يَعْرِضُ على عباده يوم القيامة ما قدَّموا وما أخَّرُوا، وما أخلصوا فيه لله وما أرادوا به غير وجهه، فتقوم الحجة على المسيء بإساءته، ويَنْعَمُ المحسن بنعمة القبول من الله، وهو قول أصحابنا والمعتزلة.
وحجة هؤلاء: أنَّ الله سبحانه أخبر عن الوزن بأنَّه الحق، وبَيَّنَ أنَّهُ القسط في قوله: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 8])اهـ([20])، وقوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: 47]([21]).
وما هنالك ميزانٌ يقام كما | قالوا عمود وكِفَّات لما عُمِلا | |
وإنَّما الوزن حقٌّ منه عزَّ ألم | تسمع إلى آية الأعراف محتفلا |
- ما معنى الصراط؟
(الصراط ليس هو جسرًا على متن جهنم يعبره السالكون – كما هو رأي كثيرٍ من العلمـاء – وإنَّما الصراط هو ديـن الله الحق الذي تتوقَّفُ نجاةُ كل أحدٍ على سلوكه بحذق وحذر.
والدليل على ذلك: أنَّ الله سـمَّاه صراطًا مستقيمًا في قوله تعليمًا لعباده: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، وفي قوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153]، وقوله: ﴿إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام:161])اهـ([22]).
وما الصراط بجسرٍ مثل ما زعموا | وما الحساب بِعَدٍ مثل مَنْ ذَهَلا |
- ما معنى الحساب؟
(الحساب هو عرض أعمال الإنسان عليه من خير وشـر، وبيان المنجي من المهلك منها، وليس هو بِعَدٍ كعد المخلوق الذاهل)اهـ([23]).
وما الصراط بجسر مثل ما زعموا | وما الحساب بِعَدٍ مثل مَنْ ذَهَلا |
- مَنْ دخل الجنة هل سيخرج منها؟ ومَنْ دخل النار هل سيخرج منها؟ وما الدليل على ذلك؟
(مَنْ وافاه الموت وهو على صلاح واستقامة، تائبًا من سيئاته، حريصًا على طاعة ربه فهو رضيٌّ عند الله، يفوز منه بحسن الجزاء، وهو جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، ينعم فيهـا ولا يبؤس، ويخلد فيها ولا يموت، ويبقى فيها ولا يخرج.
ومَنْ وافاه أجله وهـو منهمك في هواه، مُصِرٌّ على معصية ربه فإنَّ منقلبه
– والعياذ بالله – إلى نار حامية، شديد عذابها، حميم شرابها، لا يفتر عنهم نكالها، مَنْ دخلها خُلِّدَ فيها ولم يمت، وشقي بها ولم يسعد، وأقام بها ولم يخرج)اهـ([24]).
قال تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾ [الانفطار: 13-16]([25]).
وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ [البينة: 6-8].
وأنَّه مَنْ أطاع الله يدخله | جناته أبدًا لا يبغي مُنْتَقَلا | |
ومَنْ عصاه ففي النيران مسكنه | ولم يجد مفزعًا عنها فينتقلا |
- ما معنى الشفاعة؟ ومَنْ يستحقها؟ وما الدليل على ذلك؟
(الشفاعة لغةً: سعي ذي جاهٍ إلى مَنْ يرعاه ويُقَدِّرُه؛ من أجل دفع ضرر عن أحد، أو تحقيق مصلحة له. مأخوذة من: شفع الفرد؛ إذا جعل له ثانيًا؛ لأن الشافع بتأييده للمشفوع له كأنه يضم نفسه إليه فيكون ثانيًا له.
واصطلاحًا: درجة يمنحها الله لمن يشاء من عباده يوم القيامة، فيأذن له أن يطلب لغيره غفران ذنب، أو رفع درجة، أو تعجيل دخول الجنة.
وهي للنبيين، وقد تكون لغيرهم كالشهداء، ولكنَّ الشفاعة العامة هي لرسـول الله ﷺ وحده، فإنَّه يشفع إلى الله في الموقف العظيـم بأن يُعَجِّلَ لعباده الفرج فيدخل المؤمنين الجنة. وليسـت الشفاعة لمن أصر على فجوره ومات على ضلاله، وإنَّما للتائب من ذنبه، وهـو المراد بالتقي في كلام المصنف)اهـ([26]). قال تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: 28]([27]).
وما الشفاعة إلَّا للتقي كما | قد قال رب العلا فيها وقد فصلا |
- لمن يكون ورود النار؟
(أمَّا الورود في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: 71]؛ فهو لأهلها، لا للذين زُحْزِحُوا عنها؛ لأنَّ هذا الخطاب إنما هو للذين وُصِفُوا مِنْ قَبْل بقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا * فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا﴾ [مريـــم: 66 -70])اهـ([28]).
والمؤمنون عن النيران قد بعدوا | وما الورود لهم بل للذي انخذلا |
- ما حكم الإيمان بالملائكة &؟ وما صفاتهم؟
(ممَّا يجب الإيمان به ملائكة الله، وهم من عالم الغيب، نؤمن بوجودهم وإن لم نشاهدهم، وهم خلقٌ من خلق الله، سَخَّرَهُم الله لطاعته وحسن عبادته)اهـ([29]).
(وهـم مُمَيَّزُون عن سائر الخلـق بطبائع خاصـة، لا يشاركهم فيهـا غيرهم، فهـم لا يأكلون ولا يشربون، ولا يتعبون ولا ينامون، ولا يفرزون الفضـلات الطبيعية التي تفرزها الأجسام الأخرى)اهـ([30]).
(إلَّا أنَّهم مخلوقون كما خُلِقْنَا، ومُتعبَّدُون بطاعة الله وعبادته كما تُعُبِّدْنَا)اهـ([31]).
وأنَّ لله أملاكًا وقد عصموا | وأنَّ جنسهم عن جنسنا فُصِلا | |
فلا تصفهم بشيءٍ من صفاتك مطـ | ـلقًا سوى أنهم خلق قد امتثلا |
- هل يجب الإيمان بالأنبياء إجمالًا؟ ومَنْ هم الأنبياء الذي يجب أن نخصهم بالإيمان؟
(من الإيمان الواجب: الإيمان بجميع النبيين من غير تفرقة بينهم في أصل الإيمان)اهـ([32]).
(وهذا لا ينافي وجوب تعيين نبينا محمد ﷺ من بينهم في الإيمان، مع الاكتفاء بالإيمان الإجمالي بسائرهم إلَّا مَنْ قامت الحجة بمعرفته بعينه؛ مِمَّنْ نَصَّ عليهم الكتاب، أو عُرِفَتْ نبوته ورسالته بالتواتر القطعي عن المعصوم عليه أفضل الصلاة والسلام)اهـ([33]).
وقال سماحته في موضع آخر: (… ممَّا يجب الإيمان به أنَّ أحمد – أي نبينا محمدًا ﷺ – هو واحد من رسـل الله المصطفين الأخيار، والإيمان به أنَّه واحد من الرسل يقتضي الإيمان بجميع هؤلاء الرسل وبرسالاتهم جميعًا، ولكنَّ الواجب من إيماننا بهم هو الإيمان بجملتهم، إلَّا مَنْ قامت علينا حجته فعرفناه من بينهم معرفة خاصة فعلينا أنْ نخصه بالإيمان.
ويتميز إيماننا بنبينا محمد – عليه أفضل الصلاة والسّلام – أنَّه إيمان بعينه، فلا يكفي أنْ نؤمن به إيمانًا مجملًا مع سائر المرسلين؛ لأنَّه النبي الخاتَم، ورسالته هي الرسالة الخاتِمة، وقد تُعُبِّدْنَا بها وفُرِضَ علينا اتباعه، وذلك مستحيل إلَّا إذا ما خصصناه بالإيمان)اهـ([34]).
والأنبيا بهم الإيمان يلزمنا | وما على كلهم من كتبه نزلا |
- هل يجب الإيمان بالكتب إجمالًا؟ وما الكتب التي يجب أنْ نَخُصَّهَا بالإيمان؟
(وكذلك ما أُنْزِلَ عليهم من كتبٍ يجب الإيمان به بطريق الإجمال، ما عدا القرآن الكريم، المنزل على نبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم؛ فإنَّه يجب تعيينه في الإيمان كالإيمان بمَنْ نُزِّل عليه، وكذا إن قامت حجةٌ على أحد بمعرفة كتاب آخر من كتب الله فإنَّه يتعين في هذه الحالة أن يُعَيِّنَه في إيمانه، كما سلف في الإيمان بالأنبياء)اهـ([35]).
و(تقدَّم وجـوب تمييز القرآن بتعيينه في الإيمان من بين سائر الكتب؛ ذلك لأنَّنَا مُتَعَبَّدُون باتباع ما احتواه أمرًا ونهيًا، إذ هو الناسخ لما تقدَّمه، فكان هذا التعيين أمرًا ضروريًا؛ لانتظام حياتنا الإيمانية والعملية حسبما تُعُبِّدْنَا، فلا يسـع أحدًا جهل القرآن، وهـو: الكتاب المنـزل على نبينا ﷺ للتحدي والإعجاز، المنقول عنه بالتواتر القطعي)اهـ([36]).
والأنبيا بهم الإيمان يلزمنا | وما على كلهم من كتبه نزلا | |
وبالقران خصوصًا بعد جملتها | وليس منها قديما يحتوي الأزلا |
- هل جميع الكتب السماوية مخلوقة؟ وما الدليل؟
(ممَّا يتجلَّى للأذهان بداهة أنَّ هذه الكتب كلها كائنةٌ بعد أن لم تكن، فهي حادثة، وحدوثها يؤذن بمخلوقيتها؛ إذ كل حادث لا بد له من مُحْدِثٍ أحدثه، وإلَّا لجاز حدوث الحوادث بنفسها، وذلك عين المحال؛ لأنَّه يقضي ببطلان الألوهية)اهـ([37]).
(إذ كل ما سواه فقد خلقه، بمعنى أخرجه من العدم إلى الوجود، قال تعالى: ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٠٢]، وقال: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان: ٢]. ولا ريب أنَّ تلكم الكتب من جملة الأشياء، وإلَّا لما كان معنى للإيمان بها)اهـ([38]).
وبالقران خصوصًا بعد جملتها | وليس منها قديمًا يحتوي الأزلا | |
بل كلها خلق الباري وكونه | في ما يشاء فلا تُصْغِي لمن عذلا |
- ما حكم الإيمان بالقضاء والقدر؟ وما الفرق بينهما؟
(ممَّا يجب الإيمان به: قضـاء الله وقدره، والفرق بينهمـا أنَّ: القضاء هو إثبات الأشياء في اللوح إجمالًا، والقدر هو إيجادها في المواد تفصيلًا)اهـ([39]).
- هل الثواب والعقاب مترتبٌ على الخَلْقِ أم على الكسب؟
(للإنسان من فعله خيرًا كان أو شرًا جانب الكسب دون الخلق، وأنَّه على كسبه يترتب ثوابه أو عقابه، أمَّا الخلق فالله تعالى وحده هو خالق كل شيء، وتندرج في ذلك أفعال العباد؛ فإنَّها من بين الأشياء الداخلة في عموم ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾)اهـ([40]).
(أما الذين أثبتوا لله تعالى الخلق وللعبد المخلوق الكسب فإنَّهم تعلقـوا بالنَّظر في هذه الآيات جميعًا، ففهموا أنَّ ما كان مُسْـنَدًا إلى الله فإسناده إليه؛ لأنَّه خالقه ومُقَدِّرُه، وما كان مسندًا إلى العباد فإسناده إليهم؛ من أجل اكتسابهم إياه، ولم يكن هذا الكسـب بإكراهٍ منه تعالى، وإنما اختار مَنْ شاء منهم الخير ومَنْ شاء الشر، وكلٌّ مُيسَّرٌ لما خلق له)اهـ([41]).
وإنَّما الفعل مخلوق ومكتسب | فالخلق لله والكسب لمن فعلا |
- ما معنى الإيمان لغًة واصطلاحًا؟ وما أركان الإيمان الستة؟
(الإيمان لغةً: هو التصديق)اهـ([42]).
(وهو شرعًا: تصديقٌ بالغيب الذي جاءت به رسالات الله)اهـ([43]).
(وقد جمع أصول ذلك حديث جبريل u؛ إذ جاء تفسير الإيمان فيه: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله»)اهـ([44]).
- ما معنى قولهم: (الإيمانُ قولٌ باللسان، وتصديقٌ بالجَنان، وعملٌ بالأركان)؟
(المراد بـ«القول الإيماني» – في قول المصنف -: الشهادتان، كما دلَّ عليه حديث «أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله».
والمراد بـ«التصديق»: هو التصديق بمضمونها جملةً وتفسيرًا، وقد سبق أنَّ الإنسان إنما يُتَعَبَّدُ بالجملة أولًا، وعندما تقوم عليه الحجة بتفسيرها الاعتقادي أو شـيء منه يجب عليه الإتيان بما قامت به الحجة عليه، ولا اعتبار للقول وحده؛ فإنَّ مَنْ جاء بالقول من غيـر تصديق كان منافقًا نفاقًا اعتقـاديًـا، ومعنى ذلك أنَّه في باطنه حكمه حكم المشركين، وإن أُجْرِيَتْ عليه أحكام الإسلام بحسب ما أتى به في الظاهر من القول والعمل.
ومراده بـ«العمل»: الإتيان بالفرائض مع اجتناب المحارم، مع الترغيب في الإتيان بالمقدور عليه من المندوبات)اهـ([45]).
إيماننا القول والتصديق مع عملٍ | فالقول مرَّ فصدقه وكُنْ عَمِلا |
- ما قواعد الدين الأربعة؟
(القواعد هي الأسس والأصول، فقاعدة البناء أساسـه الذي يُشَادُ عليه، وقاعدة الشجرة جذرها الذي تبسق منه)اهـ([46]).
(والدِّين: هو ما يُدَانُ لله به، أي: يُنْقَادُ له، والمراد به هنا: دين الإسلام)اهـ([47]). وقواعد الدِّين أربعة هي:
- (أولها: العلم: والمراد به هنا: العلـم المتعلِّق بالدِّين، سـواءً ما تعلَّق بالاعتقاد أو العمل أو الأخلاق، وسـواء ما يتعلق بالتحلِّي أو التخلِّي، إذ الدِّين لا بد لممارسه من إتقانه، ولا يمكنه إتقانه إلَّا بالعلـم)اهـ([48]).
(وإنَّما كان العلم من قواعـد الدين وقدَّمه المصنف ~ على سـائر قواعده؛ لأنَّ كل ما يليه مُنْبَنٍ عليه، فالمسلم لا يدري ما يأتي وما يذر من الأعمال إلَّا بالعلم، ولا يُتْقِنُ النِّيَّة الصالحة إلَّا به)اهـ([49]).
- (ثانيها: العمل: والمراد به: العمل الصالح الموافق لحكم الله تعالى، وإنَّما كان العمل من قواعد الدِّين؛ لأنَّ الدِّين ليس أمرًا نظريًا، وإنما هو منهج تطبيقي عملي)اهـ([50]).
- (ثالثها: النِّيَّة: وهي إخلاص العمل لله وحده، وهي روح العمل، إذ لا قيمة له بدونها، قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5]، وقال: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110])اهـ([51]).
(وكون الأعمال بالنِّيَّات إنما هو دليل على أنَّ العمل لا قيمة له بدونها، فقد يأتي الإنســان العمل مستقيمًا تامًّا ليس به اعوجاج ولا خلل، ولكن يكون وباءً عليه ووبالًا؛ لأنَّـه ممَّا يتقرب به إلى الله وهو لم يقصد به وجهه تعالى)اهـ([52]).
- (رابعها: الورع: وأقله اجتناب محارم الله جميعًا)اهـ([53]). وله ثلاث مراتب:
- (فالمرتبة الأولى: هي مرتبة العدول: وهي ترك المحارم بأسرها مع فعل الفرائض كلها.
- والمرتبة الثانية: مرتبة الصالحين، وهي ترك ما لا حرج فيه؛ مخافة الوقوع فيما فيه الحرج، هذا مع فعل الفرائض والحرص على النوافل.
- والمرتبة الثالثة: مرتبة الصديقين، ولا تتحقق إلَّا بترك كثيرٍ مما لا حرج فيه، ولو مع عدم الخوف من الوقوع فيما فيه الحرج، مع المسارعة إلى كل مقدور عليه من أعمال البر، وهي أرفع المراتب)اهـ([54]).
قواعد الدين علمٌ بعده عملٌ | ونيَّةٌ ورعٌ عن كل ما حُظِلا |
- ما أركان الدين الأربعة؟
(الأركان جمع ركن، وهو الدِّعامة، وهي أقوى ما في البناء. وفي هذا تشبيهٌ للدِّين ببناء له دعائم متينة، وإنما عُدَّتْ هذه أركان الدين؛ لأنَّها الجانب القوي منه، فمَنِ استجمعها فقد حاز الديـن بحذافيره)اهـ([55]).
(وأركان الدين هي: الرضا بقضاء الله، وتسليم الأمر إليه، وتفويض كل شيء له، والتوكل عليه)اهـ([56]).
- (فالرضا بقضائه: هو قبول كل ما يأتي من لدنه من أمر أو نهي، أو سراء أو ضراء، بحيث لا تجد النفس حرجًا قط وهي تستجيب لداعي الله بفعل ما أَمَرَ وترك ما نَهَى)اهـ([57]).
- (والتسليم: هو الانقياد والإذعان له تعالى، مع الخضوع وعدم الاعتراض عليه في شيء)اهـ([58])ـ
- (والتفويض: هو الرضا بخيرة الله تعالى له؛ لأنَّه العالم بمصالح خلقه)اهـ([59]).
- (والتَّوكل على الله: هو الثقة به U وبما عنده، وعدم الاعتماد على ما عند الناس)اهـ([60]).
ارض وفوِّض وسلِّم واتكل فبذا | تحوز أركانه اللاتي بها كَمَلا |
- ما الفرق بين القواعد والأركان؟
(القواعد هي الأسس التي يقوم عليها البناء، والأركان هي العُمُدُ التي يَشْتَدُّ بها، وبهذا يتضح أنَّ الأركان نفسها هي بحاجة إلى القواعد؛ إذ لا تقوم إلَّا عليها)اهـ([61])..
- ما المقصود بمسالك الدين؟
(المسالك جمع مسلك؛ وهو الطريـق، وإنما عبَّر عـن هذه الحالات بالمسالك؛ لأنَّها طرقٌ يسلكها المسلمون – حسـب ملاءمة الظروف وتهيؤ الأسباب – إلى ما يبغونه من الحق والرشد وإقامة نظام الدِّين.
وهذا لأنَّ المسلم لا يُكتَفى منه بإصلاح نفسه، وإنَّما هو مسؤول عن إصلاح مجتمعه وأُمَّتِه، وبهذا ينتظم شمل المسلمين، وتمتد بينهم أواصر الولايـة، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: 71])اهـ([62]).
وهي أربعة مسالك:
(أولها: الظهور: وهو كاسمه ينبئ عن القوة واجتماع شمل الأمة وانتظام أمرها وعلو كلمة الحق، وتمكن عصبته من قيادة سفينة الأمة وفق نظام دينها.
وهذا الذي كان من بعده عليه الصلاة والسلام عندما بايـع المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان الخلفاء الراشدين؛ فإنَّ بيعة كل واحد منهم كانت وفق هذا النظام، وإنما دأب أصحابنا – رحمهم الله – على التمثيل لهذا المسلك بما كان عليه حال الأمة في عهد الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ لأنَّ الأمة في عصرهما كانت في عافية من الفتنة، ومأمن من الشقاق والخلاف)اهـ([63]).
(ثانيها: الشراء: وهو مأخوذ من قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ [التوبة:111]،… والشراء إنما يكون في حال عدم ظهور كلمة أهل الـحـق)اهـ([64]).
وذلك كبيعة أبي بلال المرداس بن حدير ~([65])..
(ثالثها: الدفاع: وهو أن يجتمع المسلمون عندما يفاجئهم عدوهم بالانقضاض عليهم على مبايعـة أحد منهم؛ ليقودهـم دفاعًا عن دينهم وعـن حرماتهم، إلى أنْ تنجلي الغمة وينكشف العدو، وتنتهي بذلك بيعته.
وهذا كما وقع لإخواننا أهل المغرب؛ عندما كشَّـر أبـو تميم الفاطمي الملقب بالمعز عن أنيابه العُصْلِ فقتل عالمهم أبا القاسـم يزيد بن مخلد الوسياني ~، فاجتمع مَنْ كان حوله على مبايعة أبي خزر الوسياني ~ إمام دفـاع لهم، يقود مجاهديهم في سبيل الله حمايـة لدينهم ولحقوقهم ولكن الحملة التي قادها أبو خزر مُنِيَتْ بالهزيمة والفشل؛ لأنَّها لم يخطط لها من قبل)اهـ([66])..
(رابعها: الكتمان: وهو خلاف الظهور معنًى وحكمًا؛ وذلك بأن يكون المسلمون في ضعف وتشتت، بحيث لا يمكنهم أن يسلكوا أي مسلك من المسالك الثلاثة المذكورة من قبل، ولا بد لهم من مرجع يرجعون إليه؛ يدلهم على الرشـد، ويذكرهم بالله وباليوم الآخر، ويصلح ذات بينهم، ويقوم بما أمكنه من مصالحهم.
وهذه الحالة التي مرت بها الدعوة إبان نشوئها في المجتمع المكي؛ فإنَّ أصحاب النبي ﷺ كانوا يلتفون حوله في كتمانٍ من أمرهـم، ويتلقون عنه ما يصلح دينهم ودنياهم، وينير لهم الطريق ويبين لهم الحقيقة.
وقد كان هذا هو مسلك الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد رضي الله تعالى عنه عندما أبصر ببصيرته الثاقبة تعذر انتظام أمر المسلمين في وقته واجتماع شملهم على القيام بإنشاء نظام إسلامي يتحدَّى النظام القائم آنذاك.
وعليـه درج تلميذه وخليفته العملاق القائد المحنك والرائد المسـدد أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي – رضوان الله عليه -، الذي نضج في عهده الجهد، فآتت الدعوة على يديه ثمارها الطيبة)اهـ([67]).
ثم الظهور ودفع والشرا مع الـ | كتمان طرقٌ له أكرم بها سبلا |
- ما المراد بفرز الدين؟
(الفرز هو التمييز والفصل، والمراد به هنا هو: تمييز الناس بعضهم من بعض، والفصل بين أحكامهم بحسب معتقداتهم وأحوالهم الدينية.
وهم بهذا الاعتبار ينقسمون إلى ثلاث طوائف:
أولها: المؤمنون:
وقد سبق بيان حقيقة الإيمان ومعناه لغة واصطلاحًا، وتبيان صفات المؤمنين حسب ما تدل عليه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة.
وتقرَّرَ ممَّا ذكرناه أنَّ الإيمان المطلوب هو عقيدة راسخة في النفس، تنشأ عنها الأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، والأقوال الصادقة، وهو روح الحياة ومِلاكها، تتحول به النفوس وتنقلب به الطباع إلى أضداد ما كانت عليه، كما حدث ذلك لسحرة فرعون عندما كانوا لا يعرفون قيمة للحياة إلَّا بقدر ما يكسبونه مـن منافعها المادية، فلذلك قالوا لفرعـون عندما أتوا لتحدي موسى ÷ ودعوته: ﴿إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾ [الشعراء: 41])اهـ([68]).
(ثانيهما: المنافقون: وهم قومٌ أظهروا الإيمان بألسنتهم، وباينوه في سريرتهم أو بأعمالهم.
ووصفهم بالنفاق يوحي بمـا عندهم من التناقض فـي أحوالهم، وهو مصطلح إسلامي محض؛ إذ لم تكن التسمية بذلك معهودة عند العرب قبل نزول القرآن، وإنَّما مأخذها لغةً مِنْ: نَفَّقَ اليربوع ونَفِق ونافق؛ إنْ خرج مـن نافقائه هروبًا من الصائـد، وذلك أنَّ للـيـربـوع بابين: ظاهرًا ويسمى القاصعاء، وخفيا ويسمى النافقاء، فإذا أراد الصائد استخراجه من قاصعائه ضرب برأسـه النافقاء وخـرج عنه، وهكـذا المنافق يدخل في الإسلام من وجه ويدعه من آخر)اهـ([69]).
(وهو على ضربين: نفاق عقـدي: وهو أن يتبايـن القول والمعتقد، وذلـك بأنْ يدَّعِيَ الإيمان وهو يبطن الإشراك، ومن هذا الصنف المنافقـون الذين بَكَّتَهُم القـرآن في عهده – عليـه أفضل الصلاة والسلام -، فقد ادَّعـوا الإيمان برسالته – صلوات الله وسلامه عليه – مع انطوائهم على معتقدات أهل الكفر والضلال، وإنما جعلوا ما يظهرونه من الإيمان والإسـلام جُنَّةً؛ لئلا يحكم عليهم بأحكام أهل الشرك والضلال، مع ما كانـوا يضمرونه من محاربة الإسلام)اهـ([70]).
(ونفاق عملي: وهو عدم التزام المرء بواجبات الإسلام فعلًا أو تركًا، وهو وإنْ كان أهون من سابقه إلا أنَّه أمر عظيم)اهـ([71]).
(ثالثها: المشركون: وهم كل مَنْ رفض قبول الإسلام ظاهرًا وباطنًا، سـواء كان من عبدة الأوثان، أو من الملاحدة، أو من أهل الكتاب.
ويتحقق الشـرك بإنكار كل ما عُلِمَ من الدين بالضرورة من غير تأويل، كإنكار وحدانية الله، أو إنكار قدسيته عـن اتخاذ الصاحبـة أو الولد، أو الاتصـاف بصفات النقص كالعجـز والجهل والحـدوث والموت والصمم والعمى، أو إنكار رسول من رسل الله الذين ثبتت رسالتهم بالقطع، أو إنكار كتاب ممَّا أنزل الله، أو حُكْمٍ قطعي شَرَعَه، أو إنكار اليوم الآخر، أو شيء من أوصافه الثابتة بالقطع.
وبهذا يتبين دخول كفار أهل الكتاب في المشركين؛ بإنكارهم وحدانية الله سبحانه؛ بنسـبة الولد والشريك إليه، وإنكار نبوة نبينا ﷺ ونزول القرآن عليه)اهـ([72]).
وَفَرْزُهُ في ثلاث مؤمنٍ ومنا | فقٍ وصاحبِ شرك جاحد عُزِلا |
- ما أحكام المشركين المشتركة بينهم في الإسلام؟
(يتفق المشركون جميعًا في بعض أحكامهم، ومنها أنَّه لا توارث بينهم وبين المسلمين، ولا يُدفنـون في مقابرهـم، ولا يُصلَّى عليهـم إذا ماتوا، ولا يُحَيَّون بتحية الإسلام، ولا يُشـمت عاطسـهم، ومَنْ مـات منهم بين المسلمين ولم يكن هنالك أحد من أهل ملته فإن على المسلمين دفنه فقط بمنأى عـن مقابرهم من غير غسـل ولا صلاة، وإنما تُسْتَرُ عورته؛ لأجل حرمات الإنسانية)اهـ([73]).
- ما المراد بحرز الدين؟
(الحرز كالحفظ وزْنًا ومعْنًى)اهـ([74]).
و(صون الدِّين من الضياع إنَّما هو بوَلاية الصالحين والبراءة من المفسدين، والوقوف عمَّن جُهِلَ أمره.
وإنَّما كان حزر الدِّين بذلك؛ لما فيه من شـدِّ الروابط بين المتقين، والتناصح بينهم، والتعاون على البر والتقوى، وتجنب جميع أسباب الفساد والانفصال التام عن أهله، فإنَّ الوَلاية رباط روحي يشد المؤمن إلى المؤمن، حتى لا يُحِبَّ له إلَّا ما يُحِبُّه لنفسه، ويحرص على إصلاحه كحرصه على إصلاح نفسه)اهـ([75]).
وحرزه أن توالي من أطاع وتبـ | ـرا من مصر وقف عن كل مَنْ جُهِلا |
- ما أثر البراءة من المفسدين على المجتمع؟
(… والفاجر يشعر أنَّه منبوذ لا تربطـه بهذه البيئة الصالحة رابطـة، فتضيق به الأرض بما رحبت، فإمَّا أنْ يضطر إلى محاسبة النفـس والعودة إلى حظيرة الحق، والالتفاف حول الصالحين، وإمَّا أن يبحـث عن بيئة أخرى تلائم هواه وطباعه، فيَنْقَى المجتمع من أعماله، ويَسْلَم من شره)اهـ([76]).
- ما أقسام الولاية والبراءة؟
(الوَلاية والبراءة على أقسـام؛ لأنَّهما إمَّا أن تكونا ولاية جملة وبراءة جملة، أو ولاية أشخاص وبراءة أشخاص، وولاية الأشخاص وبراءة الأشخاص إما أن تكونـا بحـكـم الظاهـر أو بالحقيقة)اهـ([77]).
- ما معنى ولاية الجملة وبراءة الجملة؟
(وَلاية الجملة هي أول ما يجب من صنوف الوَلاية على الإنسان؛ فإنَّها تجب على كل مسلم عالمًا كان أو جاهلًا، إذ يجب على كل أحد أن يعتقد أنَّه يتولَّى جميع أولياء الله من الأولين والآخرين إلى يوم الدين، ويبرأ من جميع أعداء الله مِنَ الأولين والآخرين إلى يوم الدين)اهـ([78]).
ووال في جملة مَن قد أطاع وعا | د من عصى جملة لله ممتثلا |
- ما أقسام وَلاية الأشخاص وبراءة الأشخاص؟ وما معنى وَلاية الظاهر وبراءة الظاهر؟
(أمَّا ولاية الأشخاص وبراءة الأشخاص فهما إمَّا أنْ تكونا ظاهرتين أو حقيقيتين؛ فوَلاية الظاهر تترتب على ما يظهر من صلاح الإنسـان واستقامته في أقواله وأفعاله، وكذلك البراءة منه بحكم الظاهـر إنَّما هي مَبْنِيَّة على وقوعـه في مخالفة الحق قولًا أو عملًا، وإصراره عليها، وثبوت ذلك عليه)اهـ([79])..
- ما حكم ولاية الأشخاص والبراءة منهم؟
(لا خلاف في أنَّ على الإنســان أنْ يتولَّى جميع أولياء الله من الأولين والآخرين إلى يوم الدين، كذلك أن يبـرأ من جميع أعدائه، وإنَّما الخلاف في ولاية الأشخاص وبراءتهم، فذهب إلى وجوبهما أصحابنـا بغير خلاف، ووافقهــم عليهما بعض أصحاب المذاهب الأخرى، وخالفهم آخرون، والدليل عليهما واضح، فإنَّ الله أوجب على المؤمنين أن يتولى بعضهم بعضًا؛ حيث قال: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71])اهـ([80]).
- ما طرق وَلاية الظاهر وبراءة الظاهر؟
(طرق هذه الوَلاية الظاهرية ثلاث: إما المعاينة، وهي أن يشهد الإنسان المسلم من غيره ما يدل على المسارعة إلى استقامته من غير خروج عن مسلك الحق قولًا ولا عملًا، مع المسارعة إلى التوبة عند الزلل)اهـ([81]).
(وإمَّا الشهرة، وذلك بأنْ يشتهر المرء بالصلاح والاستقامة حتى تتواطأ الألسن على نقل ذلك عنه.
وإمَّا البَيِّنَة العادلة، وهي شهادة العدلين، واختلف في شهادة الواحد.
وأما البراءة بحكم الظاهر فتثبت بالطرق المذكورة مع إضافة طريق آخر إليها، وهي: الإقرار بارتكاب الكبيرة، سواء كانت قولًا أو عملًا أو اعتقادًا، والبَيِّنَة التي تثبت بها البراءة لا تكون إلَّا بعدلين.
ولئن كانت وَلاية الظاهر وبراءة الظاهر مبنيتين على ما يظهر من صلاح المرء أو عدمه؛ فمن الواجب فيمَنْ لم يكن معروفًا بصـلاح ولا بفجور الوقوف عنه؛ حتى يثبت ما يوجب وَلايته أو ما يوجب البراءة منه)اهـ([82]).
- ما طرق وَلاية الحقيقة وبراءة الحقيقة؟ وما حكمها؟
(أمَّا ولاية الحقيقة وبراءة الحقيقة فلا تكونان إلَّا بنصٍّ قطعي – متنا ودلالة – يدل على سعادة أحد بعينه أو شقاوته، سواء ذكر باسمه أو بكنيته أو بوصفه، كما ترى في القرآن الكريم من النص على سعادة رسـل الله المصطفين الأخيار، وسعادة مريم بنت عمران وامرأة فرعون، والرجل الذي جاء من أقصى المدينة، وشقاوة فرعون، وأبي لهب، وامرأة نُوح، وامرأة لوط، وابن نُوح الذي عصى أمره.
ومثل ذلك ما لو ثبت بالتواتر عن النبي ﷺ أنَّ أحدًا بعينه من السعداء أو من الأشقياء)اهـ([83]).
و(ولاية الحقيقة فريضة على المؤمن لكلِّ مَنْ عصمه الله الهلاك، سواء كانت هذه العصمة عصمـة من الوقوع في الأعمـال المهلكة كعصمـة الملائكة، الذين قال الله فيهـم: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]، وقال فيهم: ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٧]، وقال فيهم أيضًا: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء:٢٠].
ومثلهـم الأنبياء والمرسلون، فقد أثنى الله عليهم في كتابه ووصفهم بأنَّهم من عباده المخلصين)اهـ([84]).
- ما الفرق بين وَلاية الحقيقة وبراءة الحقيقة، ووَلاية الظاهر وبراءة الظاهر؟
(الفرق بين وَلاية الحقيقة وبراءتها والولاية والبراءة بحكم الظاهرة أنَّ وَلاية الحقيقة وبراءة الحقيقة لا تتبدلان، فالولي بالحقيقة يظلُّ وليًّا ولو ارتكب ما ارتكب من المحجورات، وإن ارتد عن إسلامه؛ لأنَّ خبر الله لا يتبدل، وكذلك ما أخبر به المعصوم عن الله سبحانه، وإنما تنفَّذُ فيه الأحكام الدنيوية المترتبة على أعماله، كإقامة الحدود وغيرها، مع الاعتقاد الجـازم أنَّ مِيتته لا تكون إلَّا مقرونة بخاتمة حسنة، سـواء ظهرت لنا أو خفيت علينا، وكذلك البراءة بالحقيقة تظل ملازمة للمتبرأ منه، ولو بَدَا من أقواله وأعماله أنَّه أبَرُّ أهل زمانه؛ لليقين الجازم أنَّه لن يموت إلَّا شقيا.
وأمَّا الوَلاية والبراءة بحكم الظاهر فتتبدلان باختلاف حال الشخص المُتَوَلَّى أو المتبرأ منه)اهـ([85]).
- هل يوجد وقوف في الجملة أو الحقيقة؟
(ليس في الجملة ولا في الحقيقة وقوف؛ لأنَّ وَلايتهما وبراءتهما لا تكونان إلا حسـب ما في علم الله تعالى، والله لا تخفى عليه خافية، وإنَّمـا يجب الوقوف في الظاهر عمَّن لـم يعرف منـه موجب وَلاية ولا براءة؛ لأنَّ أحكام الظاهر منوطة بما يبدو من حال الإنسان)اهـ([86]).
- ما معنى أنَّ الولاية والبراءة قد تكون توحيدًا وقد تكون طاعة؟
(الولاية تنقسم إلى قسمين: منها ما يكون مقرونًا بتوحيد الله تعالى؛ لأنَّه مما يندرج في الاعتقاد، ومنها ما يكون من ضمن الطاعات؛ لأنَّه ممَّا يندرج في الأعمال، وكذلك البراءة.
فوَلاية الجملة وبراءة الجملة داخلتان في الاعتقاد المفروض على العباد، وكذلك ولاية الحقيقة وبـراءة الحقيقة؛ لأنَّهما لا تجبـان إلَّا بنص قطعي، فتركهما إنكار للنص وإعراض عنه، ولذلك يكفر كفر شـرك من أنكر وَلاية الجملة وبراءتها، أو وَلاية الحقيقة وبراءتها.
وذلك بخلاف ولاية الظاهر وبراءته، فمن أنكرهما فهو فاسـق، وكفره كفر نعمة لا يخرجه من ملة الإسلام، والإتيان بهمـا من الطاعات العملية، وتركهما من المعاصي)اهـ([87]).
ثم الولاية توحيدا تكون وأخـ | ـرى طاعة فرضت إن شرطها حصلا | |
كذا البراءة والشرط الذي وجبت | به الوَلاية أن تلفيه ممتثلا |
- هل ولاية الله للمؤمنين أزلية لا تتبدل وكذا عداوته للمجرمين؟
(ولاية الله لعبـاده أزلية أبدية، وكـذا عداوته للمجرمين، لا يؤثر عليهما ما يحدث منهم من أفعال الخير أو الشر؛ لأنَّ خاتمة كل منهم معلومة له تعالى، وبحسبها كانت ولايته لمن تولاه وعداوته لمن عاداه)اهـ([88]).
وربنا لم يزل للمؤمنين وليـ | ـيا هكذا وعدوا للذي نصلا | |
وهكذا أبدًا ليس الزمان ولا الْـ | أفعال تقدح فيه خذه منتحلا |
- ما معنى الكفر؟ وما أقسامه؟
(الكفر لغةً: هو التغطية)اهـ([89]).
(وهو في الاصطلاح كفران: كفر بالله، وكفر بنعمته.
فالكفر بالله: هو الإشراك به سبحانه، وهو مخرج من ملة الإسلام)اهـ([90])..
(وأمَّا الكفر بنعمته تعالى: فهو صرف ما أنعم به U على عبده من نعمـه الظاهرة أو الباطنة إلى ما لم يخلق من أجلـه من الطاعة، ويكون ذلك بالإعراض عن مفروضاته تعالى أو ارتكاب محظوراته، وهو بهذا المعنى نقيض الشكر؛ لأنَّ الشكر صرف العبد ما أنعم الله به عليه من النعم في طاعته)اهـ([91])..
وأما عن أقسام الكفر والشرك فيقول سماحته:
(وهو ينقسم إلى قسمين: شرك مساواة، وشرك جحود.
فالمساواة: أنْ يُسَـوِّيَ بين الله وبين خلقه في شـيء، فمَنِ اتخذ مع الله إلهًا آخر فقد سَوَّى بین الله تعالى وبين غيره؛ إذ جعل الألوهية مشتركة بينه وبين شريكه، ومَنْ زعم أنَّ لله U مُعينًا أو وزيرًا أو مُشيرًا فقد سوَّى بين الله وبين غيره في الاحتياج إلى من احتاج إليه، وكذلك مَنْ زعم أنَّ لله صاحبةً أو ولدًا فقد ساواه تعالى بغيره في ذلك، ومثله إن زعم أنَّ الله سبحانه حادثٌ أو فانٍ، أو وَصَفَهُ بأيِّ صفة من صفات الخلق، فقد ساواه تعالى بخلقه في الاتصاف بتلك الصفة.
وأمَّا الجحود: فهو أنْ يجحد وجـود الله تعالى، أو ما عُرِفَ مـن الدين بالضرورة من صفاته وأفعاله، كأن يجحد كونه عالمًا، أو كونه سميعًا، أو بصيرًا، أو قديرًا، أو يجحد خلقه الخلق أو إماتتهم، أو بعث العقلاء وحسابهم، أو أنْ يجحد إثابته للمطيع وعقوبته لمن عصاه، أو يجحد إنزاله للكتب، أو إرساله للرسل، ويدخل في ذلك ما لو جحد ولو رسـولًا واحدًا أو كتابًـا واحدًا مما ثبتت الحجة به، أو يجحـد حكمًا من الله أنزله في كتابه، أو خبـرًا أخبر به، فإنَّه بذلك كله يكون في عداد المشركين.
وهذا التقسيم ليس منصوصًا عليه، وإنَّما هو اصطلاح لأصحابنا، وإلَّا فيمكن عند التحقيق أن يرد الشرك كله إلى المساواة أو إلى الجحود)اهـ([92]).
وهو المساواة بين الله جلَّ وبيـ | ـن الخلق أو جحده سبحانه وعلا |
- ما معنى الأثر المروي عن الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد t حيث قال: «يسـع الناس جميعًا جهل ما دانوا بتحريمه؛ ما لم يركبوه، أو يُصَوِّبُوا راكبه، أو يتبرأوا من عالم تبرأ من راكبه، أو يقفوا عنه»، وحُكي انعقاد الإجماع عليه؟
(مراده بهذا جميع المحارم من الأفعال والأقوال التي هي دون الإشراك، وهي كالزنـا، وأكل الربا، وقتل النفـس المحرمة بغير حق، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وقطع الرحم، والسرقة وأكل أموال اليتامى ظلمًا، وأكل أموال الناس بغير حق، والغيبة والنميمة، وقذف المحصنات، والتجسس على العورات، والسخرية من المؤمنيـن أو المؤمنات، فإنَّ ذلك كله مما يسع المسلم جهله ما لم تقم الحجة به؛ إلَّا إن ارتكبه، أو تولَّى راكبه، أو تبرأ من عالم تبـرأ من راكبه، أو وقف عن وَلايته بسبب براءته تلـك، فبكل ذلك يضيق عليه جهله ويجب عليـه علمه، فتقوم عليه الحجة عندئذ بأيِّ مُعبرٍ يُعَبِّرُ له عن حكمه ولو كان كافرًا، كما شرحه الإمام أبو سعيد في استقامته، وبسطهُ المصنف ~ في مشارقه، وقد تضمَّن ذلك كله الأثر المروي عن الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد t حيث قال: «يسـع الناس جميعًا جهل ما دانوا بتحريمه؛ ما لم يركبوه، أو يُصَوِّبُوا راكبه، أو يتبرأوا من عالم تبرأ من راكبه، أو يقفوا عنه»، وحُكِيَ انعقاد الإجماع عليه)اهـ([93]).
- ما قواعد الكفر الأربع؟
(القواعد جمع قاعدة، وهي الأصل، يعنـي: أنَّ أصول الكفر بِقِسْمَيْهِ – وهما الشرك وكفر النعمة – أربعة، وهي: الجهل، والحَمِيَّة، والكبر، والحسد.
وقد حذَّرَ المصنف ~ من داء هـذه العلل العضـل، أي: العضال، والداء العضال هو المرض الذي أعيا الأطباء علاجه، وقد عدَّها كذلك؛ لأنَّها مهلكة لمن لم يتخلَّص منها بتوفيق الله تعالى إيَّاه.
وأولها: الجهل: وهو عدم المعرفة بما من شأنه أن يُعْرَفَ، فهو نقيض العلم، وينقسم إلى قسمين: بسيط ومركب، فالبسيط: عدم المعرفة بالشـيء أصلًا، والمركب: عدم المعرفة به مع تصور معرفته على خلاف ما هو عليه، ولذلك كان أشـد؛ فهو مركب مـن جهـلين: جهل بالشـيء، وجهل بأنَّه جاهله، وهـذا الذي عناه الشاعر بقوله:
ومن عجب الأيام أنك جاهـل وأنَّك لا تدري بأنك لا تدري)اهـ([94])..
(ثانيها: الحَمِيَّة: وهي العصبية الباطلة، فإنَّها تعمي بصيرة صاحبها حتى يجعل الباطل حقًّا والحق باطلًا، وهي من شـأن أهـل الجاهلية؛ قال تعالى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الفتح: ٢٦].
وإنما كانت من قواعد الكفر؛ لأنَّها تحول بين مَنِ استحكمت في نفسه وبين اتباع الحق، فقد يرى الحق بأم عينـه، ولا يصده عنه إلَّا هذه الحَمِيَّة)اهـ([95])..
(ثالثها: الكبر: وهو أن يتعالى الإنسان بنفسه، وعُرِّفَ بأنَّه: تسفيه الحق وغمط الخلق، أي: ازدراؤهـم واحتقارهم. والمتكبرون إمامهم إبليس – لعنه الله – فإنَّما عصى الله تبارك وتعالى باستكباره؛ إذ رأى لنفسـه مـزيـة على آدم u فقال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢].
وعليه فإنَّ الكبر إمام المعاصي؛ لأنـ[ـه] أول ما عُصِيَ الله تعالى به.
والمتكبـر متطاول علـى الله تبارك وتعالى، فإنَّ الكبرياء من خصائصه U، ففي الحديث القدسي: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري؛ فمن نازعني أحدهما قذفته في النار ولا أبالي»)اهـ([96])..
(رابعها: الحسد: وهو تمني زوال نعمة الغير، سـواء كان هذا التمني مصحوبًا بتمني انتقالهـا إلى الحاسـد أو مجرد زوالها، وهـو داء عضـال يثير العداوة والبغضاء؛ فإنَّ الحاسد يشعر بنار تضطرم بين جوانحه، يؤججها ما يراه من نعمة الله تعالى على غيره، فلذلك يتمنى إطفاءها بزوال تلكم النعمة)اهـ([97])..
(وقد يدفع الحسـد بصاحبه إلى أن يكابر الحقيقة التي تملأ عقله وقلبه فيجحدها، كما كان ذلك من أمية بن أبي الصلت؛ الذي كان يتطلع إلى نبوة يشرق ضياؤها فيبدد ظلام الجاهليـة، فلمَّا أكرم الله بذلك عبده ورسوله محمدًا ﷺ حسده على ما آتاه الله وكفر به. وهكذا كان صنيـع كثير من المشركين؛ إذ لم يصرفهم عن الإيمان به U إلَّا هذا الداء)اهـ([98])..
جهلٌ حميةُ كبرٌ بعده حسدٌ | قواعد الكفر فاحذر داءها العَضِلا |
- ما أركان الكفر الأربعة؟
(أركان الكفر التي يُشَـادُ بها بناؤه هي هذه الأربعـة: الرغبة، والرهبة، والشهوة، والغضب.
فالرغبة: هي الميـل الزائد إلى الدنيا حتى يمتنع صاحبه مـن أداء ما عليه من الحق، ويحرص على أخذ حق غيره، وهذا هو حب الدنيا الذي يعمي بصيرة صاحبه، فلا يبالي بما يترتب عليه من خسـارٍ في الدار الآخرة، وهو المراد بنحو قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود: 15 – 16])اهـ([99]).
(وأمَّا الرهبة: فهي الخوف المفرط الذي يصرف صاحبه عن الواجب، كأن يخشى أحدًا من المخلوقين، فيمتنع عن اتباع الحق لأجله، ومنها خشية الفقر المانعة من أداء حـق الله؛ كالزكاة، وحقوق أهله كالإنفاق على العيال، وقد أوقعت هذه الخشية قومًا في معاكسة الفطرة بحيث انتزعت الرحمة من قلوبهم؛ فقتلوا أفلاذ أكبادهم خشية الإملاق، ولذلك قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ [الإسراء: 31].
ويندرج في هذه الرهبة الامتناع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع وجوبهما، وكذلك الفرار من الزحف، وعـدم الثبات للعدو، وعدم الدفاع عن النفس والدِّين وسائر الحُرُمَات)اهـ([100]).
(وأمَّا الشهوة: فهي ميل النفس إلى اتباع الملذات، وهي تكون من أركان الكفر عندما تخرج بصاحبها عن حدود ما أباحه الله تعالى له من ملاذ الحياة إلى ما حرَّم عليه، فإنَّ هذه هي الشهوات المحرمة المهلكة الصارفة عن الحق، ولذلك قرن الله بين اتباعها وبين إضاعة الصلاة في قوله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59])اهـ([101]).
(وأمَّا الغضب: فهو انفعال نفسـي يدفع بصاحبه إلى الانتقام من الغيـر، وإنما هو من أركان الكفر عندما يدفع إلى الانتقام بالباطل كما هو شأن المجرمين، أمَّا إنْ كان غضبا لله تعالى حينما تنتهك حُرَمُه ويُضَاعُ دينه فهو من أَجَلِّ المحامد، وقد وصف الله المؤمنين بقوله: ﴿أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 54]، وبقوله: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾ [الفتح: ۲۹])اهـ([102]).
ورغبة رهبة أركانه ويليـ | ـها شهوة غضب في كل ما حظلا |
- ما معنى الملل؟ وما أقسامها؟
(الملل جمع مِلَّة بمعنى الدِّين، وهي في الأصل مأخوذة من أَمَلَّ بمعنى أملى، قال تعالى: ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وأصلها في الملة الشرعية، وهي التي أَمَلَّها المَلَكُ على الرسول، وأَمَلَّها الرسول على الأمة، ولكنها أُطْلِقَتْ على سائر النحل، سواء ما كان له أصل فيما أوحاه الله تعالى أو لا.
ومِلَلُ الناس بحسب الأحكام الشرعية في أصحابها تنقسم إلى ست؛ وهي: الإسلام واليهودية والنصرانية والصابئة والمجوسية وعبادة الأصنام، ويندرج في هذه الأخيرة جميع أنواع الشـرك، فيدخل في حكمها الملاحدة كالشيوعيين والوجوديين، وسائر الذين لا يدينون بدين.
ووجوب معرفة هذه الملل؛ من أجل الفرز بين أتباعها في الأحكام، وهو الذي درج عليه كثير من أصحابنا، وذهب الإمامان أبو يعقوب الوارجلاني وأبو إسحاق اطفيش إلى أنَّ معرفتها ليست من ضروريات الدين)اهـ([103])..
- ما معنى الإسلام؟ وما أقسام المسلمين فيه؟
(الإسلام هو دين الله الحق الذي ارتضاه لخلقه وأرسـل به رسله وأنزل به کتبه، ولكن المحسوبين على هذا الدِّين فيهم الوفي الصالح الذي التزم جميع أحكامه؛ فأدَّى الفرائض واجتنب المحارم، وحرص جُهْدَه على إتيان الفضائل واجتناب المكروه، وإن وقع في محظور أو قَصَّرَ في مفروض بادر إلى التوبة وسدد الخلل.
وفيهم المقصِّر؛ إما بترك ما فرض وإما بفعل ما حرم، والكل محسوب على هذا الدِّين، فلا يقال بخروجه منه إلَّا إن أنكر ما هو معلوم من الدِّين بالضرورة)اهـ([104])..
فالمسلمون وهم موف ومجترح | والمجرمون بنهك منهم انفصلا | |
أو مستحل وأحكام الألى انتهكوا | أن يرجعوا كل ما صابوا وإن جزلا |
- ما أقسام مرتكب المحرمات في الدِّين؟ وما توبة من فعل ذلك؟
(مَنْ وقع في ارتكاب ما حَرُمَ لا يخلو إما أن يكون أتى ما أتى استحلالًا أو انتهاكًا، فالمستحلُّ تجزيه التوبة مما أتى، ولا يُلْزَمُ بشيء فيما يتعلق بحقوق النـاس الـتـي أضاعها، سـواء ما يتعلق بالأنفـس أو الأموال أو الأعراض، إلَّا ما بقي بعينه في يده؛ فإنَّ عليه أن يرده إلى صاحبه، وذلك هو خلاصه منه، أمَّا ما تلف فلا يُطَالَبُ به.
والمستحلُّ هو المعتقد حلَّ ما أتى بتأويله دليلًا من الأدلة الشرعية، كالخوارج – وهـم الأزارقة والنجديـة والصفرية -؛ فإنهـم يَحْكُمُون بحكم الشرك على كل مرتكب كبيرة، فيستبيحون بسبب ذلك سفك دمه، وغنيمة ماله، وسبي نسائه وذريته، ويتأوَّلون في هذا قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١]؛ إذ حملوه على الطاعـة بأكل الميتة، ومعنى ذلك: أنَّ مَنْ أكل الميتة عندهم مشرك، وهكذا بقية الكبائر، وقد أفرطت الأزارقة في الغلو حتى حكمت على كل مَنْ عصى الله ورسـوله – ولـو بمقارفة صغيرة – بالإشراك، مستدلين بقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36]؛ إذ حملوا الضلال المبين على الشرك.
وهذا كله خلاف لما استقر عليه إجماع الأمة قبل أن تظهر بدعتهم هذه؛ فإنَّ الأمة مجمعة على أنَّ ممَّا يُعْصَى به الله تعالى ما هو دون الإشـراك من أنواع الفسوق، وأنَّ المراد بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾: إنْ أطعتموهم في اعتقاد حل الميتة؛ فإنَّ اعتقاد حلِّ ما حرَّم الله ردٌّ لحكمه U، ومَنْ ردَّ حكمه الصريح فقد أشـرك، أما قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾، فلا يعني الضلال فيه الإشراك؛ إذ ليس كل ضلال شركًا)اهـ([105])..
(وأما المنتهك فيجب عليه مع التوبة أن يرد ما أتلف مـن مال، وأن يضمن ما أصـاب مـن دمـاء النـاس وأعراضهـم)اهـ([106])..
- على أيِّ شيءٍ يُشَدَّدُ في توبة المستحل؟
(يُشَدَّدُ على المستحل بوجوب الاستيثاق من توبته؛ وذلك بأن تكون توبتـه تفصيلًا، بحيث يعدد ما خالف فيه الحق، ويعلن رجوعه إلى معتقد المسلمين وقولهم، وأنْ يعلن وَلايته لمن تبرأ منهم من أئمة أهل الحق، وبراءته ممن دان بولايتهم من أئمة أهل الضلال، هذا فيما بينه وبين المسلمين، أمَّا فيما بينه وبين ربه فحسبه أن يتوب كما يتوب غيره، مقلعًا عن كل ضلالة اعتقدها إلى ضدها من الحق)اهـ([107])..
- ما حقوق المسلمين العامَّة؟
(جميع المسلمين بَرُّهـم وفاجرهم تجب لهم حقوق الإسـلام العامة: كرد السلام، وتشميت العاطس، ودفنهم في مقابر المسلمين، وجميع حقوق الموتى من المسلمين، وكذلك الموارثة بينهم وبين غيرهم من أبناء ملة الإسـلام، وإنما تُقَامُ عليهم الحدود الشرعية إن ارتكبـوا موجباتها، ويقاتلون إن بغوا من غير أن يُجْهَزَ على جريحهـم أو يُتْبَعَ مدبرهم، إلا أن يكون لهم ردءٌ يرجعون إليه، ولا تُغنم أموالهم، ولا تسبى ذراريهم، سواء كانوا مستحلِّين أو منتهكين)اهـ([108])..
- مَنِ اليهود؟
(اليهود هم أهل التوراة التي يزعمون التمسُّك بها، مع أنَّهم حرَّفوا الكلم عن مواضعه، وأضافوا إلـى التوراة ما ليس فيها، وحذفوا ما لم يرق لهم منها، فضلوا ضلالًا مبينًا)اهـ([109])..
- مَنِ النصارى؟
(النَّصارى هم أهل الإنجيل، وقد وقعوا فيما وقع فيه اليهود من التحريف والتبديل والضلال)اهـ([110])..
- مَنِ الصابئة؟
(أمَّا الصابئون فهم قوم لم يتضح للناس معتقدهم؛ لإخفائه عن غيرهم، ولم يأت القرآن ببيان ما يعتقدون فيكون عليه المعول في إثبات ذلك؛ لذلك وقع الخلاف بين أهل العلم كثيرًا في معتقداتهم، فقيل: كانوا متمسكين برسالة سماوية، وهي رسالة إدريس ÷، ووقعوا في التحريف والتبديل كغيرهم. وقيل: إنهم يعبدون الملائكة. وقيل: بل يعبدون الكواكـب، ولكنهم يرمزون بها إلى الملائكة. وقيل: بأن دينهم خليط مما جاء في الإنجيل والتوراة والقرآن؛ إذ أخذوا مـن كُلٍّ ما طاب لهم، وقالوا: أصبنا دينًا)اهـ([111])..
- مَنِ المجوس؟
(أمَّا المجوس فهم أصحاب زرادشت الذي ينسبون إليه، وهم يعبدون النار، ومن الناس من يقول: بأنهم كانوا أهـل كتاب، فرُفع عنهم؛ لتغييرهم)اهـ([112])..
- ما الحكم المشترك بين (اليهود والنصارى والصابئة والمجوس)؟
(الحكم الذي ذكره هنا لهذه الملل الأربع – وهو أنهم يسالمون إذا أدوا الجزية عن صغـار – إنما هو ثابتٌ في أهل الكتابيـن بالنص عليه في قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩]؛ إذ جعل الغاية من مقاتلتهم رضوخهم لأن يعطوا الجزية وهم صاغرون، وهذا بعـد أنْ يُعْرَضَ عليهم الإسلام ويرفضون، فإنْ قبلوه كانوا إخواننا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
وأما الصابئون فإنَّ إجراء هذا الحكم عليهم؛ لقرنهم بأهل الكتاب في أكثر من موضع في القرآن، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٦٢]، على أن اقترانهم بهم في مقام التبشير لمن آمن منهم وعمل صالحًا يُوحِي بأنَّهم كانوا أهل كتاب كما قيل.
وأما المجوس فإلحاقهم بأهل الكتاب؛ لما دلَّ على ذلك من السنة)اهـ([113])..
يسالمون إذا انقادوا على صغر | بجزية أو أبوا فالكل قد قتلا |
- ما المراد بالجزية؟ وما مقدارها؟
(الجزية التي يعطونها هي ضريبة مالية يأخذها منهم إمام المسلمين؛ ليتمتعوا بالأمن والاستقرار في كنف دولة الإسلام)اهـ([114])..
(والجزية راجعة إلى نظر الإمـام، فيرفعها أو يخفضها بحسـب اختلاف الحالة بين اليسر والعسر والرخص والغلاء، هـذا هو الصحيح، ومنهم من حدَّدَها بمقدار، واختلفوا في ذلك)اهـ([115])..
- ما الذي يشمله الشرك بالله U؟
(… وأُطْلِقَ على هؤلاء وصف المشركين مع مشاركة غيرهم لهم في الإشراك – كالمجوس الذين يعبدون النار، والصابئين الذين قيل عنهم أنهم يعبدون الكواكب أو الملائكة، واليهود الذين قالوا: عزير ابن الله، والنَّصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله، وقالوا: بأنَّه ثالث ثلاثة، وقالوا: بأنَّ الله هو المسيح ابـن مريم -؛ لأن هؤلاء أعمق في وصف الشـرك، فكان لهم وصفًا غالبًا، ويدخل فيهم الملاحدة كالشيوعيين والوجوديين والدهريين، وكل أصحاب الديانات التي لا صلة لها بوحي السماء؛ فإنَّ هؤلاء جميعًا لا سلامة لهم من حكم السيف إلَّا أن يقلعوا عما هم عليه من الشرك والضلال، ويدينوا دين الحق؛ لقوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: 5])اهـ([116])..
- ما حكم المشركين إن كانوا في حالة حرب مع المسلمين؟
(جميع هؤلاء الخارجين عن ملة الإسلام – سواء كانوا يهودا أو نصارى أو صابئين أو مجوسا أو مشركين يعبدون الأوثان أو ملاحدة ممن لا دين لهم – يتحد حكمهم إن حاربوا المسلمين، وهو قتل مقاتلتهم، وغنم أموالهم، وسبي ذراريهم ونسائهم، وفي هذه الحالة لا يحل نكاح نساء أهل الكتاب؛ لأنَّهُنَّ عرضة للسبي كما ذكرنا.
واختُلفَ في حل ذبائحهم، فجمهور أصحابنا لا يرون حلها؛ حتى يكونوا أهل ذمة، وذهب قليل منهم وجمهور أصحاب المذاهب الأخرى إلى أنهم إنْ ذكوها ذكاة شـرعية حسبما يدينون فهي حلال، وهو أقـوى دليلًا)اهـ([117])..
والحكم إن حاربوا في الكل متحد | نهب وسبي وقتل فيهم فعلا |
- هل السبي يشمل قريشًا والعرب؟
(اختلف في السبي هل يشمل جميع العناصر والشعوب أو يُسْتَثْنَى مِن حكمه بعضهم؟ فقيل: باستثناء العرب مطلقًا، وهذا قول أهل المشرق من أصحابنا…، وقيـل: بـاستثناء قريش وحدهـا؛ تكريمًـا للنبي ﷺ…، وقيل: بعدم استثناء أحـد؛ لأنَّ علة ذلك هي الإشـراك، وهـم جميعًا مشتركون فيه)اهـ([118])..
حاشا قريشًا فإنَّ السبي ممتنع | فيهم على قول أهل المغرب الفضلا |
- ما شروط الزواج من الكتابيات؟
(وأمَّا حلُّ تزوج نسائهم فهو مقيَّد بقيدين: أولهما: أن يكون ذلك في حالة سـلم لا في حالة حرب؛ لأنَّ المحاربة عرضة للسبي – كما تقدَّم -، ثم إنَّها لا يؤمـن منها أن تكون عيـنًـا لأهل ملتها، تدلهم على ثغرات المسلمين وعوراتهـم، ومَنِ الذي يأمـن اليوم – وقد تحالفت اليهودية والصليبية على حرب الإسـلام وأهله – من إقحام العنصر النسائي في سياستهم الحربية، واتخاذ اللواتي يقترن منهن برجال المسلمين عيونًـا عليهم، يكشفن لأقوامهن ما خفي عليهم من ثغرات أمة الإسلام وعوراتها)اهـ([119])..
(ثانيهما: أنْ تكون حرة، إذ لا تحل إماء أهـل الكتاب؛ لأنَّ حليـة نكاح الأمة مشروطة في القرآن بعدم استطاعة الطـول إلى نكاح المحصنات – أي الحرائر – وخوف العنت – وهو الوقوع في الزنا – مع كون الأمة المنكوحة مؤمنة؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾، إلى قوله: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٥])اهـ([120])..
- ما معنى الإمامة في الدين؟
(هي القيـادة الكبرى للأمَّة، وهي ضرورية؛ من أجل جمع شمل الأمة، وتأليف قلوبها، والنهوض بمسؤولياتها، ومن بينها: الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود الشـرعية، وإغاثة الملهوفين ونصرة المظلومين، والجهاد في سبيل الله، وإقامة الجُمُعَات، فإنَّ ذلك من مسؤوليات الأمة، ولا يمكن أن يقوم بذلك أفراد مشتتون، وإنما يتم ذلك في حين قيام النظام الشرعي، ووجود قائد للأمة؛ تُفَوِّضُ إليه أمرها، وتسلس له قيادها، وتحوطه بنصحها وتوجيهاتها)اهـ([121])..
- مَنْ لم يكن على منهاج النبوة هل يمكن أن ينال منصب الإمامة في الدين؟
(هذا المنصب إنما هو وراثة للنبوة، فلذلك لا يتبوؤه إلَّا مَنْ كان على منهاج الأنبياء، فما لأهـل الجور والظلم فيه من نصيب؛ بدليل قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٢٤]، فكما أنَّ الظالـم لا يكون نبيا قط كذلك لا يقعد على عرش خلافة النبوة)اهـ([122])..
- هل يشترط كون الإمام قُرشيًا؟
(لا يُشتَرَطُ لهذا المنصب نسبٌ بعينه؛ فجميع الناس متساوية فيه أقدامهم عندما تتوفر فيهم الشروط المطلوبة، فليس العربي أولى به من الأعجمي، ولا القُرشي أولى به من غيره)اهـ([123])..
- ما حكم طاعة القائم بالأمر؟
(إذا وُجِدَ القائم بهذا الأمر وَجَبَتْ على المسلمين طاعته ونصيحته، فإنْ أخطأ صُوِّب، وإنْ نَسِي ذُكِّر؛ لأن المؤمنين على الحق أعوان، وهم كالجسد الواحد تتفاعل أعضاؤه جميعًا مـع كل ما يعنيه، وقد عطف الله تعالى طاعة أولي الأمر على طاعته وطاعة رسوله ﷺ في قوله: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، أي: مـن المؤمنيـن الذين يتقـون الله ويطيعونه، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؛ فإنَّ تلك هي أسباب موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، كما نصَّ عليه قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: 71])اهـ([124])..
(وبهـذا يتبيـن أنَّ وجوب هـذه الطاعة مقيَّد بطاعته تعالى وطاعة رسوله ﷺ، أمَّا مَنْ خرج عن حدود طاعته U إلى معصيته فلا طاعة له، ولذلك قال أبو بكر t: «إنِّي وُلِّيتُكم ولست بخيركم، فأطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم، وإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم»)اهـ([125])..
- إذا فعل الإمام ما يوجب الحد هل تسقط إمامته؟
(القول بسقوط إمامته بمجرد ثبوت موجـب الحد عليه هو القول الأوحد الذي يجب أنْ يُعَوَّلَ عليه، ولَا يُلْتَفَتُ إلى ما سواه)اهـ([126])..
- هل يمكن أن يُبَايَعَ لإمامين في وقت واحد؟ وما الدليل على ذلك؟
(الإمامُ هو واسطة عقد المسلمين، ونظام الإمامة شُرِعَ في الإسلام؛ من أجل جمع الشتات، وتأليف القلوب، وتقريب القاصـي، وهو يتنافى مع التفرق والاختلاف؛ ولذلك كان غير صالح أن يَجْمَعَ إمامين معًا في وقت واحـد؛ لأنَّ ذلك مِدعاةٌ لاختلاف الرأي، وتشتت الكلمة، وقيام العصبية العمياء التي تدفع بجماعات المسلمين إلى تعصب كل جماعة منهم لإمام.
فإنْ بُويعَا معًا بيعة واحدة فبيعتهما باطلة؛ لأنَّها جاءت مخالفة لهدي الإسلام، وفي الحديث: «مَن عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد».
وإن سبقت بيعة أحدهما ثم بويع الآخر فالأخير باغ يجب قتله إن لم يتراجع عن بغيه ويدخل في طاعة إمام المسلمين الشـرعي، اللهم إلَّا أنْ تكون إمامة الأول ساقطة الاعتبار)اهـ([127])..
(والدليل على عدم جواز الإمامـة لاثنين في وقت واحد: انعقاد الإجماع عليه، وذلك أنَّ الأنصار y أرادوا ذلك أولًا عندما قال قائلهم: «مِنَّا أمير ومنكم أمير»، فعارضهم المهاجرون وفي مقدمتهم الصديق t الذي قال: «هيهات هيهات، الله واحد، والرسـول واحد، والإمام واحد»، فاستقر إجماع الكل على ذلك، مع ما جاء من قوله ﷺ: «إذا بويع لرجلين فاضربوا عنق الثاني منهما»)اهـ([128])..
- ما حكم الهجرة الآن لمكة المكرمة حرسها الله؟
(وبعد ما فتحت أم القرى، أي: مكة المكرمة – حرسها الله – نُسِخَ وجوب الهجرة؛ كما جاء في الحديث: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية».
وذلك لأنَّ فتح مكة كان إيذانًا بفتـح الجزيرة العربية بأسـرها، واستقرار الإسـلام بها، فلم يكن داعٍ بعد ذلك إلى إلزام هذه الجماهير المؤمنة أن تهاجر من ديارها وتستقر في مساحة محدودة من الأرض، كما هو الشأن في الذين هاجروا إلى المدينة قبل نسخ الهجرة)اهـ([129])..
وبعد ما فتحت أم القرى نسخا
| ما كان من هجرة مفروضها اتصلا
|
- هل يمكن أن تكون الهجرة واجبة على الإنسان في هذا الزمان؟
(لا يعني نسخ وجوب الهجرة بعد الفتح أنَّها لا تجب على الإطلاق؛ فإنَّ المسلم عندما تتحول بيئته إلى بيئة كفر – بحيث يُفتن في دينه ويُصَدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة، ويكون غير حُرٍّ في ممارسة الواجبات الدينية وتربية أولاده وأهله عليهـا – يجب عليه أن يهجر تلك البيئة إلى بيئة أخرى يجد إسلامه فيها متنفسـًا، ويكون آمنا على نفسه وعلى أهله وأولاده من الفتنة في الدِّين والصد عن ذكر الله وعن الصلاة؛ لأنَّ الحرية الدينية مطلب ضروري في حياة المسلم.
ولكنَّ هذه الهجـرة لا تجب إلى بلد معين كما وجبت من قبل إلى أرض المدينة، وإنما تجب إلى أي بلد من بلاد الإسلام التي يُرْفَعُ فيها عن المسلم أي ضغط لصده عن الدين)اهـ([130])..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فهرس المحتويات
المقدمة
- ما معنى الدين؟
- ما معنى التكليف؟ وما شروطه؟
- ما أول ما يُكَلَّفُ به الإنسان؟
- ما تفسيرات الجملة؟ وما دليل هذين التفسيرين؟
- هل يُشْبِهُ الله U شيئًا من مخلوقاته أو يُشْبِهُهُ شيء منها؟ وما الدليل على ذلك؟
- ما الفرق بين الشِّبْهِ والنِّدِّ والمثل؟
- هل لله U جسم أو عَرَضٌ؟ وما الدليل؟
- هل يمكن أن يُرَى الله U بالأبصار؟
- هل يمكن للعقل تصور ذات الله تعالى؟ ولماذا؟
- ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]، ما معنى الاستواء على العرش؟
- هل سيحاسب الإنسان على أعماله التي عملها في الدنيا؟ وما الدليل؟
- ما معنى الميزان؟
- ما معنى الصراط؟
- ما معنى الحساب؟
- مَنْ دخل الجنة هل سيخرج منها؟ ومَنْ دخل النار هل سيخرج منها؟ وما الدليل على ذلك؟
- ما معنى الشفاعة؟ ومَنْ يستحقها؟ وما الدليل على ذلك؟
- لمن يكون ورود النار؟
- ما حكم الإيمان بالملائكة &؟ وما صفاتهم؟
- هل يجب الإيمان بالأنبياء إجمالًا؟ ومَنْ هم الأنبياء الذي يجب أن نخصهم بالإيمان؟
- هل يجب الإيمان بالكتب إجمالًا؟ وما الكتب التي يجب أنْ نَخُصَّهَا بالإيمان؟
- هل جميع الكتب السماوية مخلوقة؟ وما الدليل؟
- ما حكم الإيمان بالقضاء والقدر؟ وما الفرق بينهما؟
- هل الثواب والعقاب مترتبٌ على الخَلْقِ أم على الكسب؟
- ما معنى الإيمان لغًة واصطلاحًا؟ وما أركان الإيمان الستة؟
- ما معنى قولهم: (الإيمانُ قولٌ باللسان، وتصديقٌ بالجَنان، وعملٌ بالأركان)؟
- ما قواعد الدين الأربعة؟
- ما أركان الدين الأربعة؟
- ما الفرق بين القواعد والأركان؟
- ما المقصود بمسالك الدين؟
- ما المراد بفرز الدين؟
- ما أحكام المشركين المشتركة بينهم في الإسلام؟
- ما المراد بحرز الدين؟
- ما أثر البراءة من المفسدين على المجتمع؟
- ما أقسام الولاية والبراءة؟
- ما معنى ولاية الجملة وبراءة الجملة؟
- ما أقسام وَلاية الأشخاص وبراءة الأشخاص؟ وما معنى وَلاية الظاهر وبراءة الظاهر؟
- ما حكم ولاية الأشخاص والبراءة منهم؟
- ما طرق وَلاية الظاهر وبراءة الظاهر؟
- ما طرق وَلاية الحقيقة وبراءة الحقيقة؟ وما حكمها؟
- ما الفرق بين وَلاية الحقيقة وبراءة الحقيقة، ووَلاية الظاهر وبراءة الظاهر؟
- هل يوجد وقوف في الجملة أو الحقيقة؟
- ما معنى أنَّ الولاية والبراءة قد تكون توحيدًا وقد تكون طاعة؟
- هل ولاية الله للمؤمنين أزلية لا تتبدل وكذا عداوته للمجرمين؟
- ما معنى الكفر؟ وما أقسامه؟
- ما معنى الأثر المروي عن الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد t حيث قال: «يسـع الناس جميعًا جهل ما دانوا بتحريمه؛ ما لم يركبوه…»، وحُكي انعقاد الإجماع عليه؟
- ما قواعد الكفر الأربع؟
- ما أركان الكفر الأربعة؟
- ما معنى الملل؟ وما أقسامها؟
- ما معنى الإسلام؟ وما أقسام المسلمين فيه؟
- ما أقسام مرتكب المحرمات في الدِّين؟ وما توبة من فعل ذلك؟
- على أيِّ شيءٍ يُشَدَّدُ في توبة المستحل؟
- ما حقوق المسلمين العامَّة؟
- مَنِ اليهود؟
- مَنِ النصارى؟
- مَنِ الصابئة؟
- مَنِ المجوس؟
- ما الحكم المشترك بين (اليهود والنصارى والصابئة والمجوس)؟
- ما المراد بالجزية؟ وما مقدارها؟
- ما الذي يشمله الشرك بالله U؟
- ما حكم المشركين إن كانوا في حالة حرب مع المسلمين؟
- هل السبي يشمل قريشًا والعرب؟
- ما شروط الزواج من الكتابيات؟
- ما معنى الإمامة في الدين؟
- مَنْ لم يكن على منهاج النبوة هل يمكن أن ينال منصب الإمامة في الدين؟
- هل يشترط كون الإمام قُرشيًا؟
- ما حكم طاعة القائم بالأمر؟
- إذا فعل الإمام ما يوجب الحد هل تسقط إمامته؟
- هل يمكن أن يُبَايَعَ لإمامين في وقت واحد؟ وما الدليل على ذلك؟
- ما حكم الهجرة الآن لمكة المكرمة حرسها الله؟
- هل يمكن أن تكون الهجرة واجبة على الإنسان في هذا الزمان؟
وقع الفراغ من تبييض مُسَوَّدَةِ هذا العمل
ليلة الأحد
04 ذي الحِجة 1443ه ** 03 يوليو 2022م([131])
وكتبه بيده الداثرة
هلال بن علي بن هلال الحوسني
فلله الحمد أولًا وآخرًا.
لتحمـيل البحـث اضغـط هنا
([7]) العرش هو أعظم مخلوقات الله على الإطلاق.
([10]) شرح غاية المراد، ص(36).
([11]) شرح غاية المراد، ص(35).
([12]) شرح غاية المراد، ص(37).
([13]) شرح غاية المراد، ص(49).
([14]) شرح غاية المراد، ص(50).
([16]) شرح غاية المراد، ص(55).
([17]) شرح غاية المراد، ص(56).
([18]) شرح غاية المراد، ص(57).
([19]) شرح غاية المراد، ص(63).
([20]) شرح غاية المراد، ص(65-66).
([21]) شرح غاية المراد، ص(66).
([22]) شرح غاية المراد، ص(68).
([23]) شرح غاية المراد، ص(69).
([24]) شرح غاية المراد، ص(71).
([25]) شرح غاية المراد، ص(72).
([26]) شرح غاية المراد، ص(73).
([27]) ينظر: شرح غاية المراد، ص(74).
([28]) شرح غاية المراد، ص(76).
([29]) شرح غاية المراد، ص(79).
([30]) شرح غاية المراد، ص(79).
([31]) شرح غاية المراد، ص(80).
([32]) شرح غاية المراد، ص(82).
([33]) شرح غاية المراد، ص(83).
([34]) شرح غاية المراد، ص(59).
([35]) شرح غاية المراد، ص(83).
([36]) شرح غاية المراد، ص(85).
([37]) شرح غاية المراد، ص(85).
([38]) شرح غاية المراد، ص(86).
([39]) شرح غاية المراد، ص(90).
([40]) شرح غاية المراد، ص(92).
([41]) شرح غاية المراد، ص(94).
([42]) شرح غاية المراد، ص(98).
([43]) شرح غاية المراد، ص(98).
([44]) شرح غاية المراد، ص(98).
([45]) شرح غاية المراد، ص(103).
([46]) شرح غاية المراد، ص(106).
([47]) شرح غاية المراد، ص(106).
([48]) شرح غاية المراد، ص(107).
([49]) شرح غاية المراد، ص(107).
([50]) شرح غاية المراد، ص(108).
([51]) شرح غاية المراد، ص(109).
([52]) شرح غاية المراد، ص(110).
([53]) شرح غاية المراد، ص(111).
([54]) شرح غاية المراد، ص(111).
([55]) شرح غاية المراد، ص(113).
([56]) شرح غاية المراد، ص(113).
([57]) شرح غاية المراد، ص(113).
([58]) شرح غاية المراد، ص(114).
([59]) شرح غاية المراد، ص(114).
([60]) شرح غاية المراد، ص(114).
([61]) شرح غاية المراد، ص(114).
([62]) شرح غاية المراد، ص(116).
([63]) شرح غاية المراد، ص(117).
([64]) شرح غاية المراد، ص(118).
([65]) ينظر: شرح غاية المراد، ص(119).
([66]) شرح غاية المراد، ص(120).
([67]) شرح غاية المراد، ص(121).
([68]) شرح غاية المراد، ص(125).
([69]) شرح غاية المراد، ص(128).
([70]) شرح غاية المراد، ص(128-129).
([71]) شرح غاية المراد، ص(129).
([72]) شرح غاية المراد، ص(131-132).
([73]) شرح غاية المراد، ص(133).
([74]) شرح غاية المراد، ص(136).
([75]) شرح غاية المراد، ص(136).
([76]) شرح غاية المراد، ص(137).
([77]) شرح غاية المراد، ص(138).
([78]) شرح غاية المراد، ص(139).
([79]) شرح غاية المراد، ص(139).
([80]) شرح غاية المراد، ص(142).
([81]) شرح غاية المراد، ص(139).
([82]) شرح غاية المراد، ص(140).
([83]) شرح غاية المراد، ص(140).
([84]) شرح غاية المراد، ص(146).
([85]) شرح غاية المراد، ص(141).
([86]) شرح غاية المراد، ص(141).
([87]) شرح غاية المراد، ص(151).
([88]) شرح غاية المراد، ص(152).
([89]) شرح غاية المراد، ص(158).
([90]) شرح غاية المراد، ص(158).
([91]) شرح غاية المراد، ص(159).
([92]) شرح غاية المراد، ص(161-162).
([93]) شرح غاية المراد، ص(162-163).
([94]) شرح غاية المراد، ص(165).
([95]) شرح غاية المراد، ص(166).
([96]) شرح غاية المراد، ص(167).
([97]) شرح غاية المراد، ص(168).
([98]) شرح غاية المراد، ص(168).
([99]) شرح غاية المراد، ص(171).
([100]) شرح غاية المراد، ص(172).
([101]) شرح غاية المراد، ص(172-173).
([102]) شرح غاية المراد، ص(173).
([103]) شرح غاية المراد، ص(176-177).
([104]) شرح غاية المراد، ص(179).
([105]) شرح غاية المراد، ص(179-180).
([106]) شرح غاية المراد، ص(181).
([107]) شرح غاية المراد، ص(181).
([108]) شرح غاية المراد، ص(181).
([109]) شرح غاية المراد، ص(183).
([110]) شرح غاية المراد، ص(183).
([111]) شرح غاية المراد، ص(183).
([112]) شرح غاية المراد، ص(183).
([113]) شرح غاية المراد، ص(184).
([114]) شرح غاية المراد، ص(184).
([115]) شرح غاية المراد، ص(185).
([116]) شرح غاية المراد، ص(186).
([117]) شرح غاية المراد، ص(189).
([118]) شرح غاية المراد، ص(189-190).
([119]) شرح غاية المراد، ص(192).
([120]) شرح غاية المراد، ص(193).
([121]) شرح غاية المراد، ص(198).
([122]) شرح غاية المراد، ص(199).
([123]) شرح غاية المراد، ص(199).
([124]) شرح غاية المراد، ص(200).
([125]) شرح غاية المراد، ص(201).
([126]) شرح غاية المراد، ص(202).
([127]) شرح غاية المراد، ص(202).
([128]) شرح غاية المراد، ص(203).
([129]) شرح غاية المراد، ص(205).
([130]) شرح غاية المراد، ص(206).
([131]) أُضيفت الأبيات ورُوجعت المقدمة ثانية غرة شهر الله المحرم يوم السبت 1443ه، الموافق له: 30 يوليو 2022م.