(سفر الإرشاد في القياس والاجتهاد) للشيخ ناصر بن أبي نبهان رحمه الله(1)

ياسر بن سالم بن سليمان العمري
لعل من أبرز مميزات المدرسة الإباضية استفادتها من المدراس الإسلامية، إذ إنك قلما تجد كتابا فقهيا لهذه المدرسة إلا وتجد فيه أقوالا لأصحاب المدارس الإسلامية الأخرى، ومن صور الاستفادة أيضا التعليق على كتب المدارس الإسلامية الأخرى، ومن العلماء الذين أكثروا من هذا النوع من التأليف الشيخ ناصر بن جاعد بن خميس الخروصي (ت1292هـ)، ومن مؤلفاته التي أكثر فيها من التعليق على كتب مختلفة في شتى الفنون موسوعته التي أسماها : “العلم المبين وحق اليقين ” وهي في ستة أجزاء أو أسفار بحسب تعبير الشيخ، كل سفر منها اختص بفن من فنون العلم الشرعي، وأغلبها كما قلت تعليقات على كتب انتقاها الشيخ من المذاهب الإسلامية الأخرى وهذه الأسفار كالآتي:-
– السفر الأول :- “في التوحيد لله المجيد”.
– السفر الثاني :- “الكشف المبين في افتراق الصحابة والتابعين”.
– السفر الثالث :- “تنوير العقول في علم قواعد الأصول”، حقق هذا الجزء فهد بن عامر السعدي، ومحمود بن محمد الذهلي، وسالم بن صالح العزري، ونشر عام 1440هـ/ 2019م، وأصله رسالة تخرج من كلية العلوم الشرعية، ويتحدث هذا الجزء عن مقدمات في علم الأصول من حيث التفريق بين مسائل الدين ومسائل الري وأثرها على الولاية والبراءة، وأقسام الحكم، وبيان بعض أنواع الأدلة فقد ختم الحديث في هذا السفر عن الإجماع، وكله يدور حول التفريق بين مسائل الدين ومسائل الرأي.
- السفر الرابع :- “الأنوار الجلية في الأحكام الشرعية التنزيلية”، في التفسير، وهو عبارة تعليقات من المصنف على كتاب “الثمرات اليانعة ” للفقيه يوسف بن أحمد الزيدي [1]
– السفر الخامس ” لطائف المنن في أحكام السنن “، فيه تعليقات المصنف على كتاب الجامع الصغير للسيوطي[2].
– السفر السادس “الإرشاد في الاجتهاد ، وقد يطلق عليه الإرشاد في القياس والاجتهاد، وتارة يطلق عليه الاقتباس في الاجتهاد والقياس، يتحدث فيه المؤلف عن الإجماع والقياس وصفات المجتهد ومسائل الأصول عموما، وقد ضمنه الشيخ ناصر رسالة “الاقتباس في علم القياس”، في القياس، وكررها في الكتاب ثلاث مرات.
ويقع في مجلد ضخم، وقد قسّمه إلى خمس مقالات، وهي في الحقيقة مؤلفات غير إباضية في أصول الفقه، قام بتتبعها والتعليق عليها.
والمقالات الخمس هي:
– المقالة الأولى وتتضمن كتاب “القول السديد في الاجتهاد والتقليد”، للشيخ محمد عبد العظيم الحنفي([3]) وتبدأ من منتصف صفحة 26 من المخطوطة (ب) إلى الصفحة 71 من المخطوطة (ب).
– المقالة الثانية وسماها الشيخ “اللمعة البهية في شرح ورقات المحال الفقهية” وهي تتضمن كتاب شرح الجلال المحلي محمد بن أحمد([4]) للورقات، وذكر الشيخ أنه شرح الورقات للجرمي([5]) ولعله سبق قلم منه إذ لم أجد شرحا للجرمي على الورقات وبدأ أولا بذكر فهرستها بالتفصيل ثم شرع فيها من الصفحة 75من المخطوطة (ب) وحتى الصفحة 122منها.
– المقالة الثالثة وتضمنت كتاب “معيار العقول في علم الأصول” لأحمد بن يحيى بن المرتضى الملقب بالمهدي([6]) وتبدأ من الصفحة 122 من المخطوط (ب) وحتى 190منها.
– المقالة الرابعة وتضمنت كتاب “الكافل بنيل السول في علم الأصول ([7])” ومؤلفه محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بهران([8]) وتبدأ من الصفحة 191 من المخطوطة (ب) وحتى الصفحة 213 منها.
– المقالة الخامسة من ص 213 من المخطوطة (ب) إلى نهاية الكتاب وقد أخذت معظم الكتاب وتتضمن كتاب شرح الكافل لأحمد بن يحيى بن أحمد حابس([9]) المسمى “بالأنوار الهادية لذوي العقول إلى معرفة مقاصد الكافل بنيل السؤل في علم الأصول“ وسيأتي شرح مفصل للكتاب. وقد انتخب من بين هذه الكتب رسالة صغيرة أسماها “الاقتباس في علم القياس” ذكر فيها مسائل القياس افتتح بها الكتاب، وكررها في الكتاب ثلاث مرات، ولكنها اختلطت مع هذه المقالات، ويصعب التفريق بينها إلا بالتتبع الدقيق لمخطوطة الكتاب كله.
ومن الملاحظ أن المؤلف الشيخ ناصر لم يذكر أسماء المؤلفين لهذه الكتب التي علق عليها، وإنما يكتفي بذكر العنوان؛ وتارة يذكر المذهب للكاتب، غير أنه في المقالة الخامسة لم يذكر عنوان الكتاب، وإنما ذكر أنه شرح لكتاب الكافل بنيل السول، وكتاب الكافل له عدة شروح تصل إلى العشرة، لم يطبع منها حسب علمي([10]) إلا كتاب “الكاشف لذوي العقول عن وجوه معاني الكافل بنيل السؤول“، لأحمد بن محمد لقمان (ت1039هـ)، تحقيق الدكتور: المرتضى بن زيد المحظوري الحسني، مما تتطلب جهدا أكبر في معرفة عنوان الكتاب خاصة، إذا علمنا أن معظم كتب الزيدية لا زالت مخطوطة مثلها مثل كتب الإباضية والله المستعان.
وقد جعل الشيخ ناصر كتاب “الأنوار الهادية لذوي العقول إلى معرفة مقاصد الكافل بنيل السول في علم الأصول“، لأحمد بن يحيى حابس (ت:1061هـ). أصلا للمقالة الخامسة من كتابه، غير أنه اختلط كلام ابن أبي نبهان وكلام الشارح ابن حابس، فالشيخ لا يشير إلى نهاية التعليق كما كان يفعل في بقية الكتاب بقول (رجع)، ولكن بمقارنة النسخ بكتاب شرح ابن حابس تسطيع التفريق بين كلاميهما.
أما النسخ المخطوطة للكتاب فإني بعد جهد جهيد لم أستطع الحصول إلا على نسختين منه :
- النسخة (أ): رقم (1907) في مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي.
كتبت بخط نسخ باللون الأسود والأحمر، وقد تبع في ذلك نفس تنسيق أصل ذي الكافل في تنسيقه، فجعل متن المعيار باللون الأحمر والشرح باللون الأسود.
– بدأت النسخة بالرسالة الثالثة في علم القياس وهي رسالة خفيفة لا تتجاوز عشرين صحيفة من المخطوط.
– يحتوي المجلد على 546 صحيفة.
– تحتوي كل صحيفة على 26 سطرًا.
- النسخة (ب): رقم (1912) في مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي:
– كتبت بخط نسخ باللون الأسود والأحمر.
– بدأت النسخة بالرسالة الثالثة في علم القياس وهي رسالة خفيفة لا تتجاوز عشرين صحيفة من المخطوط.
– يحتوي المجلد على 652 صحيفة.
– تحتوي كل صحيفة على 26 سطرًا.
لم أجد إشارة في النسختين لاسم الناسخ ولا تاريخ النسخ.
وسنتحدث عن منهج الشيخ ناصر في هذا الكتاب في الجزء الثاني من هذا المقال بإذن الله تعالى.
لتحميل المقال اضغط هنا
[1] يوسف بن أحمد بن محمد بن عثمان الثلائي الإقامة والوفاة: عالم محقق في الأصولين والتفسير والفرائض والفقه من مشاهير علماء الزيدية ومذاكريهم في الفروع الفقهية. وهو تلميذ العلامة النحوي صاحب التذكرة، وأستاذ ابن مظفر صاحب البيان. وله مشايخ أجلاء وإجازات واسعة. وسمع في كتب الحديث عن الشيخ علي بن إبراهيم النجراني والفقيه المحدث أحمد بن علي مرغم وغيرهم توفي عام 832 هـ . ينظر، إبراهيم بن القاسم بن الإمام المؤيد بالله، طبقات الزيدية الكبرى، تحقيق: عبدالسلام بن عباس الوجيه، مؤسسة زيد بن علي الثقافية، ط1 1421هـ/ 2001م، القسم الثالث مج1 ص1275.
[2] ( هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي، جلال الدين: إمام حافظ مؤرخ أديب.له نحو 600 مصنف، منها الكتاب الكبير، والرسالة الصغيرة. نشأ في القاهرة يتيما (مات والده وعمره خمس سنوات) ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس، وخلا بنفسه في روضة المقياس، على النيل، منزويا عن أصحابه جميعا كأنه لا يعرف أحدا منهم، فألف أكثر كتبه. وكان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها. وطلبه السلطان مرارا فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا فردها. وبقي على ذلك إلى أن توفي عام 911هـ. ينظر الزركلي ، الأعلام ج3 ص301
([3]) محمد بن عبد العظيم الملقب بابن ملا فروخ: فقيه حنفي من أهل مكة، كان مفتيا بها. له (القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد رسالة فرغ من كتابتها سنة 1052 هـ، الزركلي، الأعلام ج6، ص210.
([4]) جلال الدين المحلي محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلي الشافعي: أصولي، مفسر. مولده عام 791ه وتوفي عام 864 بالقاهرة، عرفه ابن العماد بتفتازاني العرب، وكان يقول عن نفسه: “إن ذهني لا يقبل الخطأ” ولم يكن يقدر على الحفظ: حفظ مرة كراسا من بعض الكتب فامتلا بدنه حرارة، وكان مهيبا صداعا بالحق، يواجه بذلك الظلمة الحكام، ويأتون إليه، فلا يأذن لهم وعرض عليه القضاء الأكبر فامتنع، وصنف كتابا في التفسير أتمه الجلال السيوطي فسمي «تفسير الجلالين – ط» وشرح الورقات للجويني، ينظر الزركلي الأعلام، ج5، ص333.
([6]) هو أبو الحسن أحمد بن يحيى بن المرتضى الرسيّ. تلقى العلوم الاَدبية واللغوية والدينية من أُسرته وبلغ إلى حد بايعه العلماء بالإمامة بعد وفاة الاِمام الناصر صلاح الدين بن محمد عام ۷۹۳ هـ بينما بايع الوزراء ابن الاِمام الناصر يعني علي بن صلاح. فصارت الغلبة نصيب الثاني فسجن ابن المرتضى، ولقد كان التوفيق حليفه في السجن فتفرغ للتأليف وانتج آثاراً لها مكانة كبرى في الاَوساط العلمية لا سيما الزيدية إلى أن وافته المنية عام ۸٤۰هـ، من أشهر مؤلفاته البحر الزخار الجامع لعلماء الأمصار وضمنه معيار العقول في علم الأصول، دار الحكمة اليمانية، ط1 1366ه/1947م، ومعيار العقول فيه من ص154 إلى 213. ينظر، إبراهيم بن القاسم بن الإمام المؤيد بالله، طبقات الزيدية الكبرى، تحقيق: عبدالسلام بن عباس الوجيه، مؤسسة زيد بن علي الثقافية، ط1 1421ه/ 2001م، القسم الثالث المجلد الأول ص226. الوجيه عبدالسلام بن عباس، أعلام المؤلفين الزيدية، مؤسسة زيد بن علي الثقافية، ط1 1421ه/1999م، ص206.
([7]) طبع باسم (مختصر في علم أصول الفقه) ونسب لعبد الله أبا بطين، تحقيق الوليد بن عبد الرحمن بن محمد آل فريان الناشر: دار عالم الفوائد. ولم يتحقق المحقق من نسبة الكتاب إلى مؤلفه وقد نبه الشيخ ثامر بن عبدالرحمن نصيف في موقع الملتقى الفقهي وعلى خطا النسبة لابن بابطين وأنه نفس كتاب الكافل لابن بهران. ينظر موقع الملتقى الفقهي ، https://feqhweb.com/.
([8]) محمد بن يحيى بن أحمد الملقب بهران بفتح الموحدة وسكون الهاء وفتح المهملة، الصعدي التميمي، القاضي بدر الدين، سمع على الإمام شرف الدين مؤلفه (الأثمار) بصعدة سنة 940 وأجل تلامذته ولده عبد العزيز بن محمد بن يحيى بهران، ويحيى بن محمد بن حميد صاحب (شرح الفتح) وغيره، له في أصول الفقه (الكافل) ، وفي الفقه (شرح على الأثمار) ، توفي بصعدة وقت العصر سنة 957، ينظر، إبراهيم بن القاسم، طبقات الزيدية الكبرى، القسم الثالث المجلد الثالث، ص1103.
([9]) هو أحمد بن يحيى بن أحمد حابس، أحد مشاهير علماء الزيدية، القاضي شمس الدين الصعدي قرأ في الشام قراءة نافعة على شيوخ منهم: القاضي العلامة سعيد بن صلاح الهبل وغيره، ثم رحل إلى الإمام القاسم بن محمد، وتلقى منه، وله (شرح على الكافل) سمعه عليه الفقيه محمد بن عيسى الشقيفي، و(شرح تكلمة الأحكام) وله (التكميل) كتاب جامع حافل، كمل (شرح ابن مفتاح) بحواصل، وضوابط وتقريرات على مشائخه، توفي رابع عشر شهر ربيع الأول سنة 1061هـ إحدى وسنين وألف ودفن عند قبور سلفه. إبراهيم بن القاسم، طبقات الزيدية الكبرى، القسم الثالث المجلد الأول ص215، والوجيه، عبدالسلام بن عباس، أعلام المؤلفين الزيدية، ص199.
([10])الكتاب حقق من قبل مجموعة من الطلاب بجامعة أم درمان بجمهورية السودان لنيل شهادة الدكتوراة، ولكن الأطروحة الخاصة عليها ملاحظات كثيرة منها عدم اعتماد النسخ الأقرب إلى عصر المؤلف، وعدم كتابة تأريخ النسخ الصحيح، وعدم الدقة في عزو الأقوال، وأحيانا تفسير الكلمات بغير معناها المراد، والأهم من ذلك كله التدخل في نص المؤلف بإضافة عبارات في الكتاب.