حديث “لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك”: رواية ودراية

حاتم بن رشيد بن حمد السيابي
من المعلوم أن أهل عمان هم من أوائل من دخلوا في دين الله طواعية فقد تلقوا رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبول، وعضوا عليها بالنواجذ، وساهموا في تقوية الدين القويم، وشاركوا في الفتح الإسلامي العظيم، ولم يبدلوا ولم يغيروا على ما كان عليهم سلفهم الصالح إلى يومنا هذا وقد ورد في فضلهم ومناقبهم أحاديث وآثار مبسوطة في كتب الصحاح والآثار، وفي هذا المقال العلمي سوف أسلط الضوء على أحد أشهر هذه الأحاديث المنتشرة على الألسنة، وهو أشهر ما في الباب ألا وهو حديث “لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك” على النحو التالي:
أولا: تخريج الحديث
الحديث أخرجه مسلم في صحيحه[1]، وأحمد في مسنده[2] وفي فضائل الصحابة[3]، وابن أبي عاصم في الآحاد[4]، والبزار في البحر الزخار[5]، والروياني في المسند[6]، وأبو يعلى في مسنده[7]، وابن حبان في صحيحه[8]، كلهم من طريق مهدي بن ميمون عن أبي الوازع عن الصحابي أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه.
ثانيا: دراسة إسناد الحديث:
سوف أختار في دراسة هذا الحديث رجال صحيح مسلم فقد حدث عن سعيد بن منصور عن مهدي بن ميمون عن أبي الوازع عن أبي برزة الأسلمي.
– أبو برزة الأسلمي: نضلة بن عبيد، وقيل: نضلة بن عمرو، وقيل غير ذلك[9]، الأسلمي البصري، ذكره البخاري[10]، وأبو حاتم الرازي[11]، وابن حبان[12]، والذهبي[13]، وابن حجر العسقلاني[14] في عداد الصحابة.
– أبو الوازع: جابر بن عمرو الراسبي البصري، ويقال الكوفي[15]، وثقه ابن حنبل، وابن معين[16]، وقال عنه مرة: ” ليس بشيء”[17]، والذهبي[18] وذكره ابن حبان في الثقات[19]، وقال ابن عدي: “وأبو الوازع هذا ما أعرف له كثير رواية، وإنما يروي عنه قوم معدودين وأرجو أنه لا بأس به”[20]، وقال النسائي: ” منكر الحديث”[21]، وقد ذكره ابن الجوزي[22] في الضعفاء وكذا الذهبي وقال عنه: ” تابعي مشهور مقبول”[23]، وقد وثقه في الكاشف فقال عنه: ” ثقة”[24]، وقال عنه ابن حجر: “صدوق يهم”[25].
– مهدي بن ميمون: الأزدي المعولي، أبو يحيى البصري[26]، وثقه شعبة، وابن حنبل، وابن معين[27]، والذهبي[28]، وابن حجر[29]، وذكره ابن حبان في الثقات[30].
– سعيد بن منصور: بن شعبة الخراساني أبو عثمان المروزي، ويقال: الطالقاني[31]، أحسن عليه الثناء ابن حنبل[32]، ووثقه ابن نمير، وأبو حاتم الرازي[33]، وابن حجر[34]، وقال عنه ابن حبان ” وكان ممن جمع وصنف من المتقنين الأثبات”[35]، وقال عنه الذهبي: ” الحافظ مصنف السنن”[36].
ثالثا: الحكم على الحديث
الحديث حسن الإسناد؛ من أجل أبي الوازع الراسبي، وهو حديث غريب تفرد به مهدي بن ميمون عن أبي الوازع عن أبي برزة من غير متابعة.
رابعا: سبب ورود الحديث
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجلا إلى حي من أحياء العرب، فسبوه وضربوه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن أهل عمان أتيت، ما سبوك ولا ضربوك»[37].
خامسا: لطائف الإسناد:
– الحديث ورد رباعي الإسناد عند الأكثر.
– صحابي الإسناد من الصحابة المشهورين بالكنية[38].
– الحديث روي عن أهل عمان ولا يوجد في رجاله عماني.
– مدار الإسناد في الحديث على مهدي بن ميمون البصري فهو مخرج الحديث.
سادسا: المباحث اللغوية
– عمان: بضم العين وتخفيف الميم هو الأصح، مأخوذة من عمن إذ أقام بالمكان[39].
– ما سبوك: أي ما شتموك.
سابعا: الحكم المستفادة من الحديث
يستفاد من هذا الحديث أن هذا الثناء النبوي هو شهادة منه صلى الله عليه وسلم لأهل عمان لما اختصوا به من صفات عالية وأخلاق رفيعة ومعاملة حسنة يقول أبو العباس القرطبي في المفهم: ” ويعني: أن أهل عمان قوم فيهم علم وعفاف وتثبُّت، والأشبه: أنهم أهل عمان التي قِبل اليمن، لأنهم ألين قلوبا، وأرق أفئدة”[40]، وفي ذلك أيضا حث على الاقتداء بأخلاق وصفات هؤلاء القوم الذين شهد لهم رسول صلى الله عليه وسلم بهذا الفضل العظيم يقول عالم الأزهر موسى شاهين في كتابه فتح المنعم شرح صحيح مسلم: “وهكذا كان أهل عمان في هذا الزمن أرق أفئدة، وأنقى لسانا، وأنظف يدا من كثير من أحياء العرب. فأثنى عليهم صلى الله عليه وسلم، ليقتدي بهم من عاصرهم، ومن يسمع بحسن أخلاقهم”[41].
لتحميل المقال اضغط هنا
– صورة المقال من حساب المصور: موسى الحجري
[1] صحيح مسلم، مسلم النيسابوري، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ر2544، ج 1، ص 1971
[2]مسند الإمام أحمد بن حنبل، ابن حنبل، المحقق: شعيب الأرنؤوط- عادل مرشد، وآخرون، مؤسسة الرسالة، الأولى، 1421 هـ – 2001 م، ، 19771ر، ج 33، ص 17، ر 19798، ر 19799، ص 18 .
[3] فضائل الصحابة، ابن حنبل، المحقق: د. وصي الله محمد عباس، مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة: الأولى، 1403 – 1983، ج 2،ر 1516، ص 831.
[4] الآحاد والمثاني، أبو بكر بن أبي عاصم الشيباني، المحقق: د. باسم فيصل أحمد الجوابرة، دار الراية – الرياض، الطبعة: الأولى، 1411هــ – 1991م ، ر 2293 ،ج 4،ص 272 .
[5] البحر الزخار، البزار، المحقق: محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم- المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، (بدأت 1988م، وانتهت 2009م) ،ر 3845، ج 9، ص 293
[6] مسند الروياني، أبو بكر الروياني، المحقق: أيمن علي أبو يماني، مؤسسة قرطبة – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1416ه، ر1325، ج 2، ص 342.
[7] مسند أبي يعلى، أبو يعلى الموصلي، المحقق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث – دمشق، الطبعة: الأولى، 1404 – 1984، ر 7432، ج 13، ص 427، ر7435، ج13، ص 429
[8] صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، ابن حبان السبتي، المحقق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة: الثانية، 1414 هــ- 1993م، ر 7310 ،ج 16، ص 300 .
[9] تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، المحقق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة: الأولى، 1400 – 1980، ج 29، ص407.
[10] التاريخ الكبير، البخاري، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد – الدكن، ج 9، ص 92
[11] الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية- بحيدر آباد الدكن – الهند، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الأولى، 1271 هـ 1952 م، ج 8، ص 499
[12] الثقات، ابن حبان السبتي، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند، ج3، ص 419
[13] الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، الذهبي، المحقق: محمد عوامة، دار القبلة للثقافة الإسلامية- مؤسسة علوم القرآن، جدة، الطبعة: الأولى، 1413 هـ – 1992 م، ج 2، ص 322.
[14] تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، المحقق: محمد عوامة، دار الرشيد – سوريا، الطبعة: الأولى، 1406 – 1986م، ص 563.
[15] تهذيب الكمال، المزي، ج 4، ص 456
[16] الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم، ج 2، ص 495-496.
[17] الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي الجرجاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود-علي محمد معوض، الكتب العلمية – بيروت- لبنان، الطبعة: الأولى، 1418هـ1997م ،ج2، ص 236 -237
[18] الكاشف، الذهبي، ج1، ص 287.
[19] الثقات، ابن حبان، ج 4، ص 103.
[20] الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي الجرجاني، ج2، ص 237
[21] الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي الجرجاني، ج 2، ص 237
[22] الضعفاء والمتروكون، ابن الجوزي، المحقق: عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1406هــ، ج 1، ص 163.
[23] المغني في الضعفاء، الذهبي، المحقق: الدكتور نور الدين عتر، ب طـ، ب ت، ج 1، ص 125
[24] الكاشف، الذهبي، ج1، ص 287
[25] التقريب، ابن حجر، ص 136.
[26] تهذيب الكمال، المزي، ج 28، ص 592- 593.
[27] الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم، ج 8، ص 336
[28] الكاشف، الذهبي،2، ص 300
[29] التقريب، ابن حجر، ص 548
[30] الثقات، ابن حبان، ج 7، ص 501.
[31] تهذيب الكمال، المزي، ج 11، ص 77
[32] الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم، ج 4، ص68
[33] المرجع السابق، ج4، ص 68
[34] التقريب، ابن حجر، ص 341.
[35] الثقات، ابن حبان، ج 8، ص 269
[36] الكاشف، الذهبي، ج 1، ص 445
[37] صحيح مسلم، مسلم النيسابوري، المحقق، ج 1، ص 1971
[38] البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج، محمد بن علي الإتيوبي الولوي، دار ابن الجوزي، الطبعة: الأولى، 1426- 1436 هـ، ج1، ص 84
[39] الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم، محمد الأمين الهري، مراجعة: لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي، دار المنهاج – دار طوق النجاة، دار المنهاج – دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى، 1430 هـ – 2009 م، ج 24، ص 246.
[40] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، أبو العباس القرطبي، حققه وعلق عليه وقدم له: محيي الدين ديب ميستو وآخرون، دار ابن كثير، دمشق – بيروت، دار الكلم الطيب، دمشق – بيروت، الطبعة: الأولى، 1417 هـ – 1996 م، ج 6، ص 501- 502.
[41] فتح المنعم شرح صحيح مسلم، موسى شاهين لاشين، دار الشروق، الطبعة الأولى، 1423 هـ – 2002م، ج 9، ص 599 .