الفوائد الحديثية من سلسلة كتاب المعتمد للأستاذ المعتصم المعولي (4)، ج (2)

يونـس بن سعيـد بن محمــد الحديدي
الفائدة 26/ حديث عثمان مقدم عن حديث ابن عباس في منع نكاح المحرم.
اختلف الفقهاء في حكم النكاح في حقِّ المحرم، وسبب الخلاف هو تعارض الآثار في المسألة، فأباحه قومٌ احتجاجا بما ثبت نقله عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بخالته ميمونة بنت الْحَارِثِ وَهُوَ مُحْرِمٌ” (الربيع / ٥٢٠)، وقد ذهب إلى هذا الرأي كثير من الفقهاء المتقدمين.
والجمهور على منع المحرم من النكاح والإنكاح إطلاقا، وهو الرأي الصحيح الذي عليه المعتمد عند جمهور الأمة؛ لصريح قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه سيدنا عثمان ذو النورين: “لا يَنكِحُ الـمُحْرِم، ولا يُنكِحُ، ولا يـَخْطُبُ” (الربيع /٥١٩)، يقول صاحب كتاب “النكاح” الأستاذ مصطفى أرشوم: “وحديث عثمان صحيح في منع نكاح المحرم فهو المعتمد، ويترجح حديث عثمان بأنه تقعيد قاعدة، وحديث ابن عباس واقعة عين تحتمل أنواعا من الاحتمالات”.
ولذا قد قدم الجمهور حديث عثمان على حديث ابن عباس للاحتمالات والاعتبارات الآتية:
- حديث عثمان قولي وحديث ابن عباس فعلي، والقول مقدم على الفعل -كما هو رأي جمهور الأصوليين.
- حديث عثمان قاعدة عامة لجميع المكلفين، وحديث ابن عباس واقعة تحتمل الخصوصية بالنبي صلى الله عليه وسلم.
- حديث عثمان جلي بحكمه لا يحتمل التأويل، وحديث ابن عباس يحتمل أن المراد بـ “محرم” أنه نكحها في الأشهر الحرم لا في بقية الأشهر، أو أن ذلك كان منه في الحرم لا في الحل، وكل من دخل الحرم يقال عنه: أحرم، فهو محرم، كما يقال في من دخل عمان: أعمن، ومن دخل اليمن: أيمن.
- حديث عثمان مؤكدٌ برواية صاحبة القصة وهي ميمونة، ورسول الرسول صلى الله عليه وسلم وكلهم صرحوا بأنه تزوجها حلالاً لا حراما، بينما ابن عباس لم يشهد الحادثة فاحتمال الخطأ والذهول منه واردٌ بخلاف صاحب القصة والرسول فيها.
- إضافة إلى أن احتمال الوهم من الفرد (ابن عباس) أقرب منه إلى الجماعة (ميمونة، ورافع).
يقول شيخنا القنوبي -حفظه الله-: “وما جاء من أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد تزوج ميمونة وهو محرم فهو خطأ، والصحيح أنه تزوجها وهو محل”، ويقول في “السيف الحاد”: ” فإن الأصح أنه تزوجها وهو حلال”. ص٢٢٥-٢٢٦.
الفائدة 27/ مشروعية الاشتراط في الحج.
مشروعية الاشتراط باقية على الصحيح المعتمد عند الشيخين الخليلي والقنوبي- حفظهم الله-؛ لأنه لم يأت ما يفيد تخصيصه أو نسخه، والأصل في الأحكام بقاء ما كان على ما كان، يقول شيخنا القنوبي – حفظه الله-: “أما الخصوصية فإنه مما لا دليل عليها، والأصل أن ما ثبت للواحد يثبت لغيره، إلا إذا دل دليل على التخصيص، وأما دعوى النسخ فإنها مردودة، لأن ذلك من أواخر الأحكام ولم يأت ما ينسخه.. فالحق أن حكمه باق إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة”. ص٢٣٧
الفائدة 28/ لا يصح نسبة الأثر (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها) للنبي صلى الله عليه وسلم.
الأثر “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها” لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لما في إسناده من وهانة وضعف كما صرح ويصرح شيخنا القنوبي _حفظه الله-، ولكن لا يعني القول بالتضعيف أن معناه فاسد، أو أن دلالته باطلة، بل هي صحيحة ولا غبار.
إذ إنه من المعلوم المتقرر أن ضعف السند لا يعني بطلان المتن أو فساد معناه، فكم من الأحاديث التي تروى وليس لها أسانيد أصلا لكن جرى العمل بمقتضى معانيها لورود هذه المعاني الصحيحة من طرق وأدلة أخرى، أو لاندراجها تحت قواعد عامة، ومن أوضح أمثلة ذلك رواية “صلاة المسافر ركعتان حتى يؤوب إلى أهله أو يموت” هذه الرواية مع ضعف سندها إلا أنه لا يمكن أن يقدح في معناها الصحيح الذي هو أوضح من شمس الظهيرة في رابعة النهار، وكذا يقال في حديث: “من تعلم لغة قوم أمن مكرهم”، فهو صحيح المعنى وإن لم يثبت من جهة سنده كما صرح به شيخنا القنوبي- حفظه الله-، فتفطن لذلك. ص٢٩٣.
الفائدة 29/ تقبيل الحجر واستلامه أمران ثابتان بالسنة الصحيحة.
أجمع العلماء على شرعية تقبيل الحجر الأسود في الشريعة المحمدية الخاتمة، ولم يخالف في ذلك أحد إلا طنين ذباب بعض المستشرقين، وصرير باب بعض المعرضين الحاقدين على صفاء هذا الدين، زعما بأنه من مواريث الجاهلية !!
وفي هذا يقول شيخنا الخليلي -حفظه الله- ردا على بعضهم: “تقبيل الحجر الأسود و استلامه أمران ثابتان بالسنة الصحيحة عن رسول الله ﷺ الذي لم نعرف الإسلام إلا عن طريقه، ولذلك فرض الله تعالى علينا اتباعه وجعله من مقتضيات الإيمان، حيث قال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنِ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (الأحزاب: ٣٦، وقال: {لقد كان لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} ( الأحزاب: 11)، وقد انعقد إجماع الأمة على مشروعية تقبيل الحجر ولمسه؛ وعليه فدعواه أن ذلك ينافي دعوة الإسلام لنبذ الأوثان ضلال وكفر فشتان ما بين من يأتي ذلك طاعة لله ورسوله -وهو معتقد أن الحجر لا ينفع ولا يضر- وبين من يقدس الأوثان التي نهى الله عن الاقتراب منها!
والفارق بين الوثنية والإسلام أن المسلم لا يفعل شيئا إلا بقصد الطاعة لله، انطلاقا من أوامره، فطوافنا بالكعبة المشرفة وصلاتنا إليها إنما هي عبادة لله لا لها، فالله هو الآمر بذلك، وأما الوثني فيأتي ما يأتيه من غير شرع من الله، ولا لقصد عبادته بل لعبادة الوثن، الذي يعتقد أنه بإمكانه أن يضره أو ينفعه أو أن يقربه إلى الله”.
ومن حكمة الحكيم سبحانه وتعالى أن حمى الكعبة المشرفة والحجر الأسود من عبادة المشركين لهما على الرغم من شدة تقديسهم وتعظيمهم لهما، وما ذلك إلا لأن الله أراد أن يجعل هذه الشريعة الخاتمة صافية نقية، لا تتهم في استقبالها للكعبة ولا في تقبيلها للحجر بأي شائبة وثنية في معتقدها وعبادتها. ص٢٩٧.
الفائدة 30/ حكم نسبة الأثر (المؤمن كيس فطن) للنبي صلى الله عليه وسلم
حكمة “المؤمن كيس فطن” حكمة تروى أثرا مسندا إلى النبي، لكنها عن صحة الثبوت بمفاوز ومراحل تهلك دونها نجائب ورواحل، وهذا لا ينفي أن ضعف السند لا يعني فساد المعنى، فيؤخذ منها الحكمة ويترك منها النسبة وفي الحكمة أيضا “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها”، فيقال في هذه الأخرى ما قيل في الأولى حذو النعل بالنعل.
هذا ومن الخطأ في الخطأ ما قرأ به بعض الصحفيين تلك الحكمة بقوله: “المؤمن كِيْسُ قُطْنٍ”!! وكم للمصحفين من نوادر، علما أن المراد بالصحفي في مفهوم الأقدمين -حتى لا يعتب علينا أحد – هو من الصحف والصحائف دون الرجوع للمعلم، وفيه قيل: من كان علمه من كتابه فخطؤه أكثر من صوابه، فلينتبه. ص٣٠٠.
الفائدة ٣٢/ ما يقرأ في ركعتي الطواف
يقرأ المصلي في ركعتي الطواف الفاتحة وما تيسر من القرآن، من غير ضرورة تخصيص سور معينة، أما ما يُذكرُ مِنْ أَنه يُستحَبُّ أن يقرأ المصلي في الركعة الأولى -مع الفاتحة- بسورة الكافرون، وفي الركعة الثانية بسورة الإخلاص، ففيه نظر عند المحدثين. ص٣١٢.
الفائدة 32/الرمل والاضطباع باقيان ومشروعان
وَبَقَاءُ مَشرُوعيَّة الرَّمَل وَالاضطَبَاعِ وَعَدَمُ نَسْخِهِمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُوَفَّقِ عُمَرَ الْفَارُوقِ، فَقَدْ قَالَ يَوْمًا: “فِيمَ الرَّمَلَانُ الآنَ وَالْكَشْفُ عَنِ الْمَنَاكِبِ! وَقَدْ أَطَّأَ اللَّهُ الإسلام وَنفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ، وَايْمُ اللَّهِ مَا نَدَعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم”، يَقُولُ شيخنا الخليلي -حفظه الله-: “مِنَ العُلَمَاء مَنْ يَرَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ كَانَ لأَجْلِ سَبَبٍ مُعَيْنٍ وَقَدِ انْتَهَى سَبَبُهُ، وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ نَرَى -كَمَا رَأَى عُمَرُ رضي الله عنه- الاسْتِمْسَاكَ بِهَذِهِ السنَّةِ وَالسَّيْرَ عَلَى هَذَا النَّهْجِ”. ص٣٢٣.
الفائدة 33/ العودة إلى منى بعد طواف الإفاضة مباشرة
الأولى لمن أتم طواف الإفاضة أن يعجل في الرجوع إلى مثواه بمنى ولا يمكث في مكة، إلا إن حضرته فريضة الظهر، صلاها ورجع من غير قيلولة بها؛ لأن هذا الأخير -وهو المكث والقيلولة- وإن لم يكن محرما أو محظورا -بل هو جائز- إلا أن النبي لم يفعله، بل عجل عليه الصلاة والسلام الرجوع إلى منى، بعد أن أوجز الزيارة لمكة.
وإنما اختلفت الروايات في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للظهر هل كانت بمكة كما أثبته حديث جابر الطويل، أو كانت بمنى كما أثبته حديث ابن عمر، وللاستزادة من أقوال العلماء في المسألة راجع “الطوفان” ج٣ ق١ص٢٣٧-٢٣٩. ص٣٣١.
الفائدة 34/ طواف النبي صلى الله عليه وسلم كان في النهار
يقول شيخنا القنوبي عافاه الله -: “الرسول صلى الله عليه وسلم طَافَ في النهار على الصحيح، وما جاء من أنه طاف بالليل فخطأٌ لا يصح، ولعل الراوي توهم ذلك من طوافه صلى الله عليه وسلم للوداع فإنه طافه قبل صلاة الفجر على الصحيح، ومن كانت لديه القدرة فينبغي له أن يقتدي بالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-” ص٣٣١.
الفائدة 35/ عدم مشروعية الشرب من ماء زمزم بعد طواف القدوم.
يقول شيخنا القنوبي -حفظه الله وعافاه-: “أما بالنسبة إلى طواف العمرة أو طواف القدوم فإنني لم أجد رواية صحيحة تدل على مشروعية الشرب من زمزم بعد الطواف وقبل السعي، وإنما وجدت رواية في مسند أحمد ذكر غير واحد من أهل العلم بأنها على شرط مسلم ولنا كلام في قضية شرط مسلم ما هو … ولكنني أقول إن هذه الرواية لا تثبت عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ لأنها مخالفة للروايات الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أنه بعد أن صلى ركعتي الطواف ذهب إلى الحجر.. ثم بعد ذلك ذهب إلى المسعى ولم يذهب قبل أن يذهب إلى الحجر ولا بعد ذلك قبل أن يذهب إلى المسعى إلى شرب ماء زمزم، أما من احتاج أن يشرب من زمزم فذلك إليه، أما مشروعية ذلك فذلك لا يشرع في هذا الوقت”. ص٣٣٤.
الفائدة 36/ الصحيح أن من لم يطف في اليوم العاشر ليس عيله أن يرجع إلى إحرامه ويلبسه حتى يطوف بالبيت.
استدل بعضهم بأن من لم يطف في اليوم العاشر عليه أن يرجع إلى إحرامه ويلبسه حتى يطوف بالبيت بحديث أُم سلمة حيث قالت: كانت لَيْلَتِي الَّتِي يَصِيرُ إِلَيَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَسَاءَ يَوْمِ النَّحْرِ فَصَارَ إِلَيَّ، وَدَخَلَ عَلَيَّ وَهْبُ بْنُ زَمْعَةً وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ آل أبي أمية مُتَقَمِّصِينِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِوَهْبِ : هَلْ أَفَضْتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَالَ : لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: انْزِعْ عَنْكَ القَمِيصَ، قَالَ فَنَزَعَهُ مِنْ رَأْسِهِ ونَزَعَ صَاحِبُهُ قَمِيصَهُ مِنْ رَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ : وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: إِنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّص لَكُمْ إِذَا أَنتم رميتُمُ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا -يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ – إِلَّا النِّسَاءِ، فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا البيت صِرتُم حُرُمًا كهيَئْتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا به” (أبو داود/ ۱۷۰۸).
والحق أنها عليلة معلولة كما بين ذلك أئمة الحديث من المتقدمين والمتأخرين، حتى قال من متقدميهم البيهقي: “لا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالَ بهذا الحديث”، ومن متأخريهم شيخنا القنوبي -حفظه الله- في جواب مكتوب له، كما نبه على ذلك أكثر من مرة في فتاواه المسجلة بفجاج منى.
على أن هذا الإحرام المزعوم في هذا الحديث المعلول إما أن يكون لحج وإما أن يكون لعمرة، أما الحج فقد انتهى أمره لأن الحاج يحل من إحرامه ويلبس ثيابه برميه وحلقه إن كان مفردا، أو بذلك مع الهدي إن كان قارنا أو متمتعا، أما الإحرام بعمرة فهذا مما لم يقل به أحد. ص٣٣٩.
الفائدة 37/ أقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها.
يَقُولُ شَيْخُنَا الْقَنُّوبِيُّ -حفظه الله-: “وَالْحُجَّةُ لا تَكُونُ إِلَّا مِن كتاب الله أَو من سُنَّةِ رَسُولِهِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنْهُ، أَوْ مَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوه المعتبرة، أما أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ جَلَّتَ مَنَازِلُهُمْ فَإِنَّهَا يُحْتَجُّ لَهَا وَلَا يُحْتَجُّ بِهَا”. ص٣٤٩.
الفائدة 38/ تسمية السنة بالوحي الباطن شائع عند العلماء.
استعمال الوحي الظاهر للكتاب، والباطن للسنة شائع عند العلماء والمتكلمين، ومنهم شيخنا الخليلي -حفظه الله-، حيث تسمى السنة وحيا باطنا لكون معناها هو الموحى من عند الله، أما لفظها فمن عند أفصح من نطق بالضاد المعطى جوامع الكلم. ص٣٦١.
الفائدة 39/ اختلف العلماء في تصحيح الحديث (اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ ).
الحديث مختلف في تصحيحه وتضعيفه بين علماء الحديث كما حكاه شيخنا القنوبي -حفظه الله-، والاحتجاج به عند من صححه، ولا ترجيح لديه في وقت هذه الإفادة. ص٣٦٢.
الفائدة 40/ الراجح من الروايات في اللفظ الوارد عند البدء في السعي
جاء اللفظ بصيغة الخبر المفرد عند مسلم “أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ الله به ” وفي بعض الروايات بصيغة الخبر الجمعي “نبدأ بما بدأ الله به” كما في رواية الإمام الربيع بن حبيب، وفي بعضها بصيغة الأمر الإنشائي كما في رواية النسائي “فابدءوا بما بدأ الله به”، يقول شيخنا القنوبي -حفظه الله-عن رواية الربيع المتقدمة: “ولعلها هي الأرجح”.
وقد جاء في بعض الروايات عند أئمة الحديث تقديم هذه المقولة باختلاف ألفاظها على تلاوة الآية كما هو عند الترمذي، وقد اختلف الفقهاء – أيضا- هل يؤتى من الآية بالجزء الوارد في الرواية فحسب {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ اللَّهِ} (البقرة : ١٥٨) أو أن مراد الراوي الإشارة إلى الآية كلها ..خلاف، ومثله حكي الخلاف في قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى} (البقرة: ١٢٠) لمن رام الصلاة بعد الطواف، وعلى كل فالخطب في المسألة يسير، ولا جناح على عامل بأي من تلك الآراء والاجتهادات بإذن الله. على أن من أهل العلم من نص على أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “نبدأ بِمَا بَدأ الله به ” وتلاوته للآيتين الكريمتين إنما هو للتعليم فحسب، وعلى هذا فلا يأت بهما مريد المقام والصفا إلا إن كان في مقام التعليم لغيره، والعلم عند الله. ص٣٧١-٣٧٢.
الفائدة 41/ لا يشرع للساعي أن يصلي ركعتين بعد السعي
ذَهَبَ جمهُورُ العُلَمَاءِ إلى أنهُ لا يُشْرَعُ لِلسَّاعِي بَعْدَ تمام سعيه أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَينِ لِلسَّعْيِ كَمَا يُشرَعُ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّوَافِ، وَمَا وَرَدَ ممَا يَدُلُّ عَلَى الصَّلاةَ بَعْدَ السَّعْيِ فَخَطَأ لا يَصِحُّ، يَقُولُ شَيْخُنَا القَنُّوبي -حفظه الله-: “الَّذِي عَلَيْهِ جمهور الأَمَةِ أَنَّهُ لا تُشْرَعُ صَلاةٌ بَعْدَ السَّعْيِ لِعَدَمِ ثبوتِ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذَا القَوْلُ هُوَ القَوْلُ الصَّحِيحُ”، والرواية المروية في ذلك هي أن النبي ﷺ صلى بعد سعي”، وهذا خطأ وصوابها بعد سبع، أي سبعة أشواط الطواف لا السعي، يقول الشيخ ماجد الكندي -آجره الله- : “وذكر بعض العلماء مشروعية صلاة ركعتين، وذكروا في ذلك حديثا، لكنه باطل، والصلاة عند المروة بدعة”. ص٣٧٩
الفائدة ٤٣/ المكان الذي حسر فيه فيل أبرهة
وأما ما اشتهر كثيرا في كتب التفسير من أن هذا الوادي هو الذي حسر فيه فيل أبرهة الحبشي وأرسل الله عليهم في بطنه الطير الأبابيل فجعلهم كعصف مأكول فغير صحيح، بل الثابت أنه وقع عليهم ذلك قبل هذا الوادي، يقول شيخنا القنوبي -حفظه الله-: “وليس الأمر كذلك، لأن الفيل لم يقف في هذا الوادي وإنما وقف في “وادي الـمُغَمَّس”، وذلك بالقرب من عرفات على طريق الطائف.. هذا هو الثابت عن العرب في أخبارهم وفي شعرهم، ولم تأت رواية واحدة تدل على أنه وقع في هذا الوادي، وذلك أيضا مستبعد جدا لأن هذا الوادي من الحرم والعقوبة نزلت عليهم قبل دخولهم الحرم”. ص٣٩٢.
الفائدة ٤٤/ الراجح تكرار دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين.
اختلفت ألفاظ الروايات في عدد مرات دعاء النبي ﷺ للمحلقين، والراجح تكرره، أما نسخة المسند المتداولة والتي فيها أنه دعا للمحلقين مرة واحدة فالأصح منها النسخة الأخرى له والتي فيها تكرار الدعاء؛ وذلك لموافقتها للروايات الأخرى، أفادنا بذلك شيخنا إمام السنة – حفظه الله – في عدة مواطن. ص٣٩٩.
الفائدة ٤٥/ حكم الحديث (لَا جُمْعَة ولا تشريق إلا في مصْرٍ جَامِعٍ)
مَا يُرْوَى أَنَّ الْمُصْطَفَى ﷺ قَالَ: “لَا جُمْعَة ولا تشريق إلا في مصْرٍ جَامِعٍ”، يَحْكُمُ عَلَيْهِ شيخنا القنوبي- حَفِظَهُ اللهُ – بِقَوْلِهِ: “لَمْ يَثُبتْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ وَلَا حَسَنَةٍ وَلَا ضعيفةٍ خفيفةِ الضَّعفِ”. ص٤٠٩.
الفائدة ٤٦/ حكم رمي الجمرات عن القادر
لا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَرْمِيَ عَنِ الْقَادِرِ عَلَى الرَّمْيِ بَعْدَ تَحَقُّقِ قُدْرَتِهِ وَاسْتِطَاعَتِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِأَنْ أَحَدَ الصَّحَابَةِ قَالَ: “وَرَمَيْنَا عَنِ النِّسَاءِ” فَتِلْكَ رِوَايَةٌ يَصْفُهَا شَيْخنَا القنوبي _حفظه الله- بقوله: “بَاطِلَة عَاطِلَةٌ فَاسدَةٌ كَاسِدَةٌ مُعَارِضَةٌ لِلصَّحِيحِ الثَّابِتِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَهِيَ مِنَ الضَّعْفِ مِنْ حَيْثُ الإِسْنَادُ بِمَكَانَ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ المَتْنُ فَبَاطِلَةٌ لا يُمْكِنُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا ، لأَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ ﷺ وَمَنْ كَانَ مَعَهُنَّ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ رَمَيْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ”. ص٤٢٥.
الفائدة ٤٧/ حكم الحديث (إِذَا دَخلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعْرَهِ وَلَا بَشَرَهِ شَيْئًا)
جَاءَ في الحديث أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: “إِذَا دَخلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعْرَهِ وَلَا بَشَرَهِ شَيْئًا”، وَمُقْتَضَاهُ المَنعُ مِن القَاءِ التَّفثِ مُطلقا -كَقَص الشعرِ وحلقه، وَقَصِّ الأَظافِرِ- لِمَنْ أَرَادَ أَن يُضحي حَتَّى يُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ العَاشِرِ أَو فِيمَا بَعدَهُ مِن أَيَّامِ التشريق، دُونَ غيره من أفراد الأسرة أو ممَّن لَم يُرد التضحية أَصْلاً.
وهَذَا كُلُّه تفريعٌ عَلَى القَولِ بصحة الحَدِيثِ، إلا أن لشيخنا القنوبي -سَلَّمَهُ اللهُ – نَظَرًا فِيهِ، فَلا يَثْبُتُ عِنْدَهُ مَرْفُوعًا، وَلكنَّهُ لَمْ يَرَ بَأْسًا في الاحتياط هَاهُنَا بتَرْك إلْقَاءِ التَّفَثِ في هذه الفترة؛ لاحتمال ثبوت الحديث عن حضرة المصطفى. ص٤٦١
الفائدة ٤٨/ لا تؤخذ الأحاديث من كتب الفقه إن كانت غير مسندة.
يقول شيخنا القنوبي-حفظه الله_: “وأما ما يشيعه كثير من الناس من قولهم: ” في الدم دم” فذلك لا أصل له في سنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم”.
على أن الأحاديث تؤخذ من كتب الحديث التي ترفع الأحاديث بأسانيدها إلى أن تبلغ حضرة المصطفى، ولا تؤخذ الأحاديث من كتب الفقه التي تورد مثل هذه النقول منسوبة إلى الرسول من غير أن يكون لها سند، كما لا يخفى هذا على طالب علم، فتفطن…
إِذْ لَيْسَ مَا قَيْلَ جَمِيعًا يُقْبَلُ إلا الذي عن النَّبيِّ يُنْقَلُ
أَوْ كَانَ أَصْلُهُ مِنَ الكِتَابِ يَنْزِعُهُ فَهُمُ أُولي الألباب ص٤٧٤.
الفائدة ٤٩/ النهي عن تسمية المدينة المنورة بـ “يثرب”
لا مانع على الصحيح عند الشيخين الخليلي والقنوبي -حفظهما الله- من وصف المدينة بـ “المنورة” خلافا لمن أنكر وتشدد، وأبين شاهد على ذلك أنهم لا يكادون يذكرون المدينة قولا أو كتابة إلا ويصفونها بالمنورة، بل صرح بعدم البأس في هذا الإطلاق شيخنا القنوبي حفظه الله، وإنما ينهى عن تسميتها بما عرفت به قبل الإسلام “يثرب”، وكفى دلالة على هذا النهي والتنفير قول الرسول صلى الله عليه وسلم في شأنهم: “.. يقُولُونَ يَثرِبُ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ”. ص٥٢٢.
الفائدة ٥٠/ الرواية بلفظ “قبري” بدلا من “بيتي” ضعيفة لم ترد في كتب الحديث الجامعة للحديث الصحيح
جاء في بعض روايات الحديث “مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الـجَنَّةِ” لفظ “قبري ومنبري” بدل “بيتي ومنبري” إلا أن هذه الرواية بهذا اللفظ “قبري” ضعيفة لم ترد في كتب الحديث الجامعة للحديث الصحيح، ولم يكن في ذلك الزمان قبر للنبي صلى الله عليه وسلم ولا علم بمكان وفاته في حياته المباركة صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا اللفظ صحيحا ثابتا من قول النبي صلى الله عليه وسلم لكان دليلا واضحا وحجة قاطعة في محل دفنه بعد وفاته، ولما اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إلى أن جاء الصديق رضي الله عنه وقطع قول كل خطيب حينما قال: “سمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا دُفِنَ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا فِي مَكَانِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ”، فجمع الله ببركة صحبته الكلمة، وأزاح به عنهم شبح الفرقة. ص٥٢٥.
لتحميل المقال اضغـط هنا