الفوائد الحديثية من سلسلة كتاب المعتمد للأستاذ المعتصم المعولي(4). الجزء:1.

يونس بن سعيد بن محمد الحديدي
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبتوفيقه يهتدي العبد إلى فعل الخيرات، وبطاعته تنعم الحياة وتنزل البركات، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه حلقة رابعة في بيان الفوائد الحديثية المبثوثة في سلسلة كتاب المعتمد المبارك جمعتها لتكون في مكان واحد حتى يعم نفعها.
وعملي في ترتيب هذه الفوائد كالتالي:
- رتبتها على حسب ترتيب الكتاب.
- وضعت لكل فائدة عنوانا يتكلم عن مضمون الفائدة.
- اقتبست الفوائد من متن الكتاب وحواشيه.
- نقلت الفوائد بالنص من الكتاب مع التصرف القليل في بعضها.
- أشرت نهاية كل فائدة إلى موضعها في الكتاب.
- أغلب الفوائد منقولة عن الشيخ القنوبي، وبعضها لا توجد بها إشارة عن الشيخ القنوبي وإنما ذكرها صاحب المعتمد.
واقتصرت في هذه الحلقة على كتاب المعتمد في فقه الحج والعمرة على أن تكون هناك حلقات أخرى تشمل جميع أجزاء الكتاب بإذن الله تعالى.
1/ لا تلازم بين صحة الحديث وشهرته.
لا تلازم بين صحة الحديث وشهرته، فَقَد يكون الحديث صحيحًا وإن كان غير مشتهر بين الناس، وغير معروف إلا لدى خاصة الخاصة، ولذلك أمثلة كثيرة جدا كما يدركه من طالع الجوامع الصحاح.
وعلى العكس من ذلك قد يكون الحديث شهيرا على ألسنة الناس والمتكلمين والمتحدثين لكنه عن الصحة مراحل، أو يكون أثرا عن بعض أهل العلم فيروونه حديثا ويشتهر بينهم، وقد ألف العلماء في الأحاديث المشتهرة على الألسنة مؤلفات كثيرة ككتاب: كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس” للعجلوني، وللأحاديث المشتهرة غير الصحيحة أمثلة كثيرة، مثل حديث “علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل”، وحديث “أبغض الحلال إلى الله الطلاق”، وحديث: “اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد”، وحديث “صومكم ونحركم ليوم الرابع من رجب”، وحديث “النخلة عمتكم إن مالت فاوكوها وإن ماتت فابكوها”، وكلها لا تصح عن الرسول الله والله المستعان. ص ٢٥
٢/ حكم الرواية (إن عبدا صححت له جسمه، وأوسعت عليه في رزقه، يأتي عليه خمس سنين لا يفد إلي لمحروم).
نسب إلى أبي سعيد سعد بن مالك الخدري رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «قال ربي تبارك وتعالى: “إن عبدا صححت له جسمه، وأوسعت عليه في رزقه، يأتي عليه خمس سنين لا يفد إلي لمحروم»، والظاهر أن هذه الرواية لا تثبت عن المصطفى ﷺ وإلا لكانت حجة في القضية، يقول شيخنا القنوبي -حفظه الله ورعاه-: ” وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِن أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ اسْتَطَاعَ سَبِيلاً إِلَى الوَصُولِ إِلَى الْحَجِّ كُلَّ خَمْسِ سَنَوَاتٍ فَهُو قَولٌ بَاطِلٌ إِنْ صَحَّتْ نِسْبَتُهُ إِلَى قَائِلِهِ. ص ٢٨
٣/ حكم الأخذ برواية الواقدي
يقول شيخنا القنوبي -حفظه الله ورعاه-: “الواقدي متهم بالكذب في حديث رَسُولِ اللهِ ﷺ فلا يؤخذ بروايته وَلا كَرَامَةَ” ص ٢٩.
٤/ العام الذي فرض فيه الحج
يقول شيخنا القنوبي -حفظه الله ورعاه-: “.. على أن الرواية الصحيحة والثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتي أيدها محققون من العلماء – هي أن الحج فرض في السنة التاسعة أو في السنة العاشرة من هجرته، وإذا قلنا إنه فرض في السنة العاشرة فلا إشكال من أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤخر الحج لحظة واحدة بعدما فرض عليه، وإذا قلنا إنه فرض في السنة التاسعة فيمكن أن يكون قد فرض بعد الحج، أو أن الرسول أخر ذلك نظرا لكراهته الاجتماع بالمشركين حين كانوا يطوفون بالبيت عراة.. على أن رواية عند الإمام الربيع – رحمه الله تعالى – تدل على أن الحج لم يكن في وقته إلا في السنة العاشرة التي حج فيها الرسول، وإلا فإن في السنوات الماضية كان الحج غير معلوم لما عُرف من العرب أنهم كانوا يقدمون أو يؤخرون الحج على حسب ما تقتضيه حاجتهم… وإذا كان الحج واجبا فالإتيان به على الفور هو الواجب “. ص٣٢
٥/ مثال على الحديث الحسن لغيره
مثاله حديث ابن عباس “تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ فَإِنْ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ ” رواه أحمد، وفي رواية: “من أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الضَّالَةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ” رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي، وفي إسناده إسماعيل بن خليفة العبسي وهو ضعيف، لكن له طرقا أخرى عند أحمد والحاكم والبيهقي وأبي داود بلفظ “من أراد الحج فليتعجل”، وفيها أبو صفوان وهو مجهول، فالحديث بهذين الطريقين حسن. ص٣٤
٦ /الحديث الحسن بنوعيه حجة في الفروع العملية دون العقائد.
الحديث الحسن بنوعيه (لذاته، ولغيره) يعد قسما من الحديث المقبول الذي يحتج به في الفروع العملية، لا العقائد القطعية؛ إذ لا يقبل في هذه الأخيرة إلا القطعي متنا ودلالة. ص٣٤.
٧/ حكم النهي عن سفر الرجل الواحد والاثنين.
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر الرجل وحده والاثنين نهي إرشاد وتوجيه لا نهي تحريم؛ وذلك لما يخشى على فاعل ذلك من الوحشة بالوحدة، وهذا النهي نظير نهيه صلى الله عليه وسلم عن الأكل من وسط الطعام، وعن الشرب من فم السقاء، والنهي عن المبيت على السطح غير المحجور بالحياط، وكل ذلك تأديب وإرشاد لأمته، وتعريف منه لهم على ما فيه حظهم وصلاحهم، لا شريعة ودين يأثمون بتضييعه وترك العمل به، فالعامل محتاط لنفسه من مكروه يلحقه إن ضيعه. وذلك أن السائر في فلاة وحده، والبائت في بيت وحده إذا كان ضعيف القلب رديء الفكر لم يؤمن أن يكون ذلك سببًا لفساد نفسه بعدو أو عقله بخوف، والنائم على سطح غير محوط غير مأمون أن يقوم وهو وسنان من النوم فیتردى من الأعلى فيهلك، والشارب من فم السقاء غير الموكوء غير مأمون عليه انحدار ما خفي عليه من الهوام المؤذية أو القاتلة في السقاء فيتضرر، وكذلك المسافر مع آخر قد يخشى من غائلته ولا يأمن مكره، فإذا كانوا ثلاثة أمن ذلك في الأغلب، وهذا وما أشبهه إرشاد منه لأمته.
وبالجملة فالنهي نهي إرشاد لا تحريم وقد تلجئ الضرورة إلى ارتكابه، وكما يقول ابن حجر في الفتح: “والناس يَتَبَاينُونَ فِي ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الزَّجرُ عَنْ ذَلِكَ وَقَعَ لِحَسْم الْمَادَّةِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا إِذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ لِذَلِكَ”. ص٦٠
٨/ حكم ثبوت كلمة (الولد) في دعاء السفر بعد: (وسوء المنقلب في المال والأهل)
يزيد بعضهم في دعاء السفر “والولد”، بعد “الأهل” ولم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. ص٦١
٩/ حكم ركعتي وداع المنزل
رَكْعَتا وَدَاع المنزِلِ لَمْ تَثَبُتَا فِي حَدِيثٍ يُرْفَعُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ لَا فِي الْحَجِّ وَلَا فِي غَيْرِهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ وَالتَّدْقِيقِ، وَإِنْ قَوَّاهُ بَعْضُ العُلَمَاءِ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَذَاكَ هُوَ الأَوْلَى وَالأَحْرَى؛ إِذْ خَيْرُ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ هَديهِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا، وَمَنْ فَعَلَهَا ظَنًّا مِنْهُ ثُبُوتَ الحَدِيْثِ أَوْ مُرَاعَاةً لِبَعْضِ الْمُؤَجرِينَ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ أَنْ تُؤَدَّى هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ فِي بَيْتِ الْمُؤَجَّرِ عَنْهُ أَوْ مَسْجِدِهِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ -بِإِذْنِ اللَّهِ- مَعَ تَبيينِ الصَّوَاب فِي المَسْأَلَةِ قَدْرَ الإِمْكَانِ، يَقُولُ شيخنا القَنُّوبيِّ – حفَظهُ اللَّهُ – : “قِيلَ إِنَّهَا بِمَجْمُوعِهَا تَصِلُ إِلَى دَرَجَةِ الحَسَنِ، وَإِلَى الآنَ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسِي لِهَذَا الْقَوْلِ”. ص٦٢-٦٣.
١٠/ حكم الرواية (أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه)
الدعاء الذي يقوله مريد السفر للمقيم، والذي هو “أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه” فيقول عنه شيخنا القنوبي – حفظه الله – في التحفة “غير ثابت عندي، وإن حسنه بعض العلماء”. ص٦٣
١١/ حكم الرواية (وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى)
وحديث: “وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى” مختلف في رفعه أو وقفه على الصحابي، فإن صح مرفوعا فهو الحجة والفيصل والقاطع لشأفة النزاع، وإن كان موقوفا فقط، فهو قول صحابي، وقول الصحابي ليس بحجة إلا إذا أجمع عليه الصحابة قاطبة، ولعل القول بوقفه هو الأقرب كما يراه شيخنا القنوبي – حفظه الله – ولا إجماع عليه. ص٧٥
١٢/ حكم إعادة الحج للمرتد
يَقُولُ الإمام السالمي رحمه الله عِنْدَ شَرحه لحديث: “مَنْ أَشْرَكَ سَاعَةً أُحْبِطَ عَمَلُهُ، فَإِنْ تَابَ جُدِّدَ لَهُ الْعَمَلُ”، “وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي -والعلم عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى – التَمَسُّكُ بِظَوَاهِرِ الْأَدِلَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ تَابَ جُدِّدَ لَهُ العَمَلُ -أَي أُعْطِيَ ثَوَابَهُ- غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ: عَلَيْهِ إِعَادَةُ الحَجِّ دُوْنَ سَائِرِ الْأَعْمَالِ؛ لأَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ بِالإِسْلامِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا قَدْ أَسْلَمَ إِسْلَامًا جَدِيدًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِي إِسْلَامِهِ هَذَا أَنْ يَحُجَّ حَجَّا مُسْتَأْنفًا لا لِبُطْلانِ الحَجِّ الأَوْلِ لَكِنْ لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ؛ فَإِنَّ الإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسِ مِنْهَا الْحَج، فَلَا يَكُونُ فِي إِسْلَامِهِ هَذَا آتِيا بِأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يُحجَّ كَمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ آتَيًا بِها حَتى يُصَلِّيَ وَيَصُومَ وَيُزَكِّيَ، فَهَذَا مِنْ شَرْطِ إِسْلَامِهِ الْجَدِيدِ، وَيُعْطَى بِمَحْضِ الفَضْلِ ثَوَابَ عَمَلِهِ الأَوَّلِ، وَهَذَا مَعْنى لَمْ أَجِدْ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى لطيف مواهبه، فَاشْدُدْ به يَدًا” ص٨٨-٨٩.
١٣/ تحديد مواقيت الحج الخمسة
المَوَاقِيْتُ الخَمْسَةُ (ذو الحليفة- الجحفة- يلملم- ذات عرق- قرن المنازل) حَدَّدَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أَرْبَعَةٌ مِنْهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْخَامِسُ وَهُوَ ذَاتُ عَرْق أَيْضًا حَدَّدَهُ النَّبِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: “وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَلَأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلَأَهْلِ نَجْدِ قَرْنَا، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَلأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ”، وَمَعَ ثُبُوتِ الحَدِيثِ فَلَا عِبْرَة بِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ حُدِّدَ مِنْ قِبَلِ الفَارُوقِ عُمَرَ رضي الله عنه.
وما احتج به البعض من أن ذات عِرْقٍ فتحت في عهد عمر بن الخطاب يجاب عنه بأن بلاد الشام أيضا فتحت في عهد عمر وقد وقتها النبي ﷺ اتفاقا، ويمكن أن يحمل فعل عمر -على تقدير صحته – على أنه لم يعلم بتوقيت النبي ﷺ لها من قبل، فاجتهد رضي الله عنه فوافق اجتهاده السنة، وكم لعمر في اجتهاداته من موافقات!!. ص٩٩
١٤/ حكم الرواية (لبيك عن فلان ابن فلانة)
وعلى النائب أن ينوي عند إحرامه بالنسك أنه ينوب عن ذلك العاجز أو الميت فيما أَدْرَكَهُ مِن فَرِيضَةِ اللهِ، وَيَقُولُ فِي تَلْبَيَتِه: لَبَّيْكَ عَن فُلان ابن فلان”، يُسَمِّيه باسمه، أو باسمه واسم أبيهِ، وأما ما روي مرفوعا إلى النبي ﷺ بأنه ينسبه إلى أمه لا إلى أبيه فيقول: “لبيك عن فلان ابن فلانة” فباطل قبيح، وما علل به من أنه ابن أمه بيقين فتعليل أعل من العليل وقد يتشبث بأمثال هذه الخيوط الواهية دعاة تحرير المرأة في هذا الزمان، الذين ينسبون أبناءهم إلى الأمهات لا إلى الآباء كما تفعل وتنادي بذلك نوال سعداوي عاملها الله بما تستحق كما في قولها :” أنا أعتقد أن النسب الأبوي فقط غير عادل لأنه يتجاهل دور الأم” وكهجمتها الشرسة على ختان المرأة، وقضايا الحجاب.
وعموما فإن المقطوع به في الكتاب والثابت في سنة الأواب صلى الله عليه وسلم هو نسبة الابن إلى أبيه؛ قَالَ تعالى: {أدْعُوهُمْ لأبَآئهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ} الأحزاب:٥، وأما السنة فكثير؛ منها قول النبي لكاتبه يوم الحديبية: “اكتب مُحَمَّد بن عبد الله” (البخاري / ٢٥٢٩). ص١١٢-١١٣.
١٥/ حكم الرواية (يدخل بالحجة الواحدة ثلاثة الجنة..)
حدِيث: “يَدخُلُ بِالحَجَّةِ الواحِدَةِ ثلاثة الجَنَّةَ: الميت، والحاج عنه، والمنفذ له” لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هو معدود في الموضوعات، وهَذَا طَبْعًا لا يَتَنَافى وَوُقُوْعَ الأَجْرِ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُوْصِيْ بَعْدَ عُذْرٍ، وَالوَصِيِّ الَّذِي سَعَى لإنفاذ الوَصِيَّة، والحاجِّ الَّذِي خَرَجَ قَائِمًا بِهَا. ص١٣١
١٦/ النهي الوارد عن بعض الصحابة عن التمتع بالحج شاذ
ما روي من نهي بعض الصحابة عن التمتع فشاذ، انعقد الإجماع على خلافه لاحقا، يقول الإمام السالمي – رحمه الله – في حواشيه على المسند: “ثم انعقد الإجماع على جواز التمتع بلا كراهة، وبقي الخلاف في الأفضل.
نعم روي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا ينهيان الناس عن التمتع بالعمرة إلى الحج؛ خشية أن يهجر البيت في سائر أيام العام، ولكن مذهب الجمهور الذي انعقد عليه الإجماع لاحقا على خلاف ذلك حتى قال ابن عباس لمن جادله بقول الخليفتين: “يوشك أن تنزل عليكم صاعقة من السماء؛ أقول لكم قال رسول الله وتقولون لي قال أبو بكر وقال عمر”، وهذا بخلاف الألباني الذي خرق إجماع الأمة فقال بوجوب التمتع لكل من قصد حج بيت الله الحرام، والله المستعان.
ص١٤٣-١٤٤
١٧/ نوع النسك الذي أتم به النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع.
اختلف العلماء في نَوعِ نُسُكِ النَّبِيِّ الذي أَتَمَّ بِهِ حَجَّةَ الوداع، فروي عنه أنه كان مُفردًا، ورُوِيَ أَنَّه كانَ متَمتّعًا، ورُوِيَ أَنَّهُ كانَ قارنا ..
والوَاضِحُ بِالجَمع بين قَولِهِ وفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وبالجَمْعِ بين الْمُتَعَارِضِ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنه أَتَمَّ حَجَّهُ قَارِنَا، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ شَيْخانَا الخَلِيْلِيُّ والقَنُّونِيُّ -حَفِظَهُمَا الله-، ومالَ إِلَيهِ الإمامُ السَّالِمِيُّ رحمه الله كَمَا فِي قَولِهِ: ” ..أقْوَاهَا وَأَوْلاهَا مُرَجِّحَاتُ القِرَانِ”، وأَمَّا قوله -عليه الصلاة والسلام_: “لو اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الهَدْي وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَة”، وَكَذَا جَوابُهُ صلى الله عليه وسلم لحَفْصَةَ عِندَمَا سَأَلْتهُ: مَا بَالُ النَّاسِ أَحَلُّوا بِعُمْرَة وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فَقَالَ: “إِنِّي لَبدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنحَرَ”، فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يمنَعَانِ كَونَهُ متمتعا .
وأَمَّا قَوْلُهُ: “أَتَانِي اللَّيْلَةَ آت مِنْ رَبِّي فَقَالَ: “صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّة” فَيَمْنَعُ كَونَهُ مُفْرِدًا، فَتَعَينَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ قَارِنَا.
والذين قالوا بأن النبي ﷺ كان قارنا اختلفوا هل كان قارنا من البداية كما يميل إليه شيخنا القنوبي؛ لحديث: “صل في هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّة”، أو أنه قرن بعد أن كان مفردا كما ذكر شيخنا الخليلي – حفظهم الله- لحديث عائشة أفرَدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْحَجَّ. ص١٥٩-١٦٠
١٨/ لفظ الحديث (خذوا عني مناسككم)
حديث “خُذُوا عَنِي مَنَاسِكَكُمْ” موجود في كتب السنن من غير زيادة “عني” حسب النسخ المتوفرة لدينا، وهذا اللفظ بهذه الزيادة للبيهقي في “السنن الكبرى”، وفي “معرفة السنن والآثار” برقم ٣٠٧٣. ص١٥١.
١٩/ حكم الإتيان بالأذكار عند القصد لأداء ركعتي الطواف والاتجاه نحو المسعى
أما قراءة قوله سبحانه وتعالى: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلى} البقرة: ١٢٥ عِندَ الذَّهَابِ لأَدَاءِ ركعتي الطواف، وقراءة قوله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ اللَّهِ} البقرة: ١٥٨ عندَ الاتِّجَاهِ للمسعى فمختلف في عدها من السنن المستحبة المطلوبة أو لا؟ وذلك تبعا لاختلافهم في فعل النبي ﷺ لذلك هل كان من باب النسك أو من باب التعليم، يقول شيخنا القنوبي -حفظه الله ورعاه-: “.. وذهبت طائفة من العلماء إلى عدم مشروعية ذلك؛ لأن النبي ﷺ إنما أتى بذلك من أجل تعليم الناس مناسك الحج، وهذا هو الظاهر عندي، ويقال مثل ذلك في مشروعية الإتيان بقول الله – تعالى -: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلى} عند الذهاب لأداء ركعتي الطواف، والله تبارك وتعالى – أعلم”. ص١٧٠.
٢٠/ وقت الإتيان بالتلبية
اتَّفَقَ أَهْلُ العِلمِ وَالفِقهِ فِي الدِّينِ عَلَى أَنَّ مَن أَتَى بِالتَّلْبِيةِ بَعْدَ الصَّلاةِ أَو عِندَ رُكُوبِهِ الرَّاحِلَةَ أَو بَعدَ سَيرِهَا بِهِ صَحَّ إِحْرَامُهُ وَأَجْزَى.. وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الأَفْضَلِ مِنْ ذَلِكَ؛ تَبَعًا لاختلاف الرُّواةِ وَالرِّوَايَاتِ فِي وَقت تَلْبَيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يقول شيخنا القنوبي – حفظه اللَّهُ -: “والصَّوابُ أَنَّهُ يُحرمُ {أي يُلبي} بعد أن يَستَوِيَ عَلَى راحلته؛ كما ثبت ذلك من طريق ابن عمر، أَمَّا الْحَدِيثُ الْوَارِدُ أَنَّ النَّبِيَّ أحرم بعد الصَّلاةَ فَهُوَ حَديثٌ لا يَصِحُّ، فالعمدةُ مَا جَاءَ مِن طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ”. ص١٨٨
٢١/ حكم الزيادة على تلبية النبي صلى الله عليه وسلم
يَقولُ شيخنا القَنُّوبِيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: “وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الأَفضَلَ الاقْتِصَارُ عَلَى تَلْبِيتِهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ جَوَازِ الزِيادَةِ عَلَيْهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِندِي؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى استحباب الاقتصار عَلَى تَلبيته اقتصارُهُ عَلَيْهَا.. أَمَّا جَوَازُ الزَّيَادَةِ عَلَيْهَا فَيُؤْخَذُ مِن سُكُوتِه صلى الله عليه وسلم على زِيَادَةِ بَعض صَحَابَتِهِ، وَلَو كَانَ مَكْرُوهَا لَنَهَاهُم عَنهُ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ”. ص١٩٠-١٩١.
٢٢/ الفيصل في المسائل عند ورود الخلاف بين أهل العلم
يقول شيخنا القنوبي -حفظه الله-: “وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعضُ أَهْلِ العلمِ مِن أَنَّ المَرَأةَ تُنهَى عَن عَدَدٍ مِنْ أَنوَاعِ اللبَاسِ كَالحرِيرِ مَثَلاً فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، وَمِن المَعْلُومِ أَنَّهُ إِذَا وَرَدَ خِلاف بَينَ أهْلِ العلمِ فِي أَيِّ مَسَأَلَةٍ مِنَ الْمَسَائِلِ فَإِنَّ الفَيصَلَ بَيْنَهُمُ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصحيحة الثابتة، وما دل عليه الكتاب أو السنة فَهُوَ القَوْلُ الصَّحِيحُ الرَّاجِح الذي يَنبغِي لِلإِنسَانِ ألَّا يَحِيدَ عَنْهُ أَبَدًا”. ص١٩٣
٢٣/ حكم اشتراط عدم ملامسة الثوب للوجه للمرأة المحرمة عند التغطية
اشترط بعض العلماء ألا يمس الثوب شيئا من وجه المرأة في حال التغطية، ولم يشترط ذلك آخرون، والقول بالاشتراط مع ما فيه من احتياط – يحتاج إلى دليل لإيجابه واشتراطه، يقول شيخنا القنوبي – سلمه المولى -: “ولم أجد دليلا يدل عليه”. ص١٩٤.
٢٤/ حكم القياس في مقابلة النص
شَدَّدَ كَثِيرٌ مِن الفُقَهَاءِ عَلى المَرأَةِ الْمُحْرِمَةِ فِي لُبْسِ الْحلِيِّ، حَتى عَدُّوا ذَلِكَ مِنَ محظُورَاتِ الإِحْرَامِ قِيَاسًا عَلى الطِّيب بِجَامِعٍ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيْهِ مِن إِغرَاء لِلزَّوجِ عَلى الْمُعَاشرة، والإِحْرَامُ يَقْتَضِي العُزوفَ عَن كُلِّ مَا يُرغبُ فِي المُعاشَرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَهَذَا القِياسُ مَعَ بُعدِ نَظَرِهِ فِيْهِ نَظَرٌ؛ لأَنَّهُ قِياسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِ، وَهُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ المَرْأَةَ لَا تُمْنَعُ مِن أَن تَسْتَدِيمَ حِلِيَتَهَا أَو تَلْبَسَهَا عِندَمَا تَكُونُ مُحْرِمَةً، يَقُولُ شَيخُنَا الخليلِيُّ – حَفِظَهُ اللهُ – : “وَمَعَ وُجُود رواية بِهَذَا لا تَسْتَطِيعُ أَن تَأخُذَ بِالقِياسِ، فَالقِياسُ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيهِ مَعَ عَدَمِ الدَّلِيلِ الشرعي…، وَلكِن مَعَ وُجُودِ النَّص لا يُعْدَلُ عَنهُ إِلى القِياس.. وَالْأَخْذُ بِما دَلَّ عَليهِ الحديث أولى.
وَيؤكد الإمام السالمي-رحمه الله- هذا في قوله:
نُقَدِّمُ الْحَدِيثَ مَهمَا جَاءَ * عَلَى قِيَاسِنَا وَلَا مِرَاءَ
وَلكِن مَعَ ذَلكَ يَقُولُ شَيخُنَا الخَلِيلِيُّ -حفَظُهُ اللَّهُ-: “وَلَا رَيْبَ أَنَّ الخروج من عُهْدَةِ الخِلافِ مِمَّا يَنْبَغِي للإِنسَانِ أَن يَحْرِصَ عَلَيهِ، وَلَكِن لَا يَعْنِي هَذَا القول بوجوب ذلك”. ص١٩٥-١٩٦.
٢٥/ اصطلاح الإمام البخاري لعبارة “فيه نظر”
عبارة “فيه نظر” اصطلاح عند الإمام البخاري، وهو جرح شديد منه عندما يطلقه على الحديث، وهو قرينة لا شك فيها على تضعيفه للحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ص١٩٦.
لتحميل المقال اضـغــط هنــا