العقيدة والفكربحوث ودراسات

نقاش في مسألة الاستواء

سليمان بن سامي بن سليمان الحسني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وبه أستعين، وصلى الله على رسوله وصحبه وآله الطاهرين.

بفضل الله جمعت الهمة لمطالعة بعض النقاط وجمعها في قضية الاستواء والعلو لله سبحانه، قاصدا أن يكون ما أكتبه تلخيصا مركزا خاليا من الحشو؛ إذ القضية قديمة والنقاش فيها واسع ومذاهبها متعددة.

وبالله أستعين وأسأله أن يكون ما هاهنا خالصا لوجهه بقصد تبيين عقيدة الحق من الكتاب والسنة في تنزيهه سبحانه عن النقص والشبيه والمثيل.

والجهة المقابلة في هذه المناقشة هم القائلون بالعلو الحسي لله جل جلاله، وتحديدا فئة من السلفية، الذين -على الأقل- ينفون عن أنفسهم قبول التجسيم والتمثيل في الله جل جلاله -وإن كان نفي التشبيه عندهم فيه نظر-، فهؤلاء يثبتون لله عز وجل جهة الفوقية فهو فوق الخلق، وهو مستوٍ على عرشه حقيقة بكيفية غير معلومة مغايرة للخلق، على خلاف بينهم بين مصرح بالجلوس وساكت عن التصريح، ولكنهم يتفقون على القول بالاستواء الحقيقي. خلافا لمنهج المنزهين بين مؤول ومفوض، الذين ينفون عن الله كل ما يوهم التشبيه ولو من وجه بعيد، فلا يحدونه بمكان، ولا يثبتون له تغيرا عما كان قبل خلق الخلق وبعده.

  • فهم السلف وحديث الجارية:

والمفتاح الذي به ينفتح النقاش هو قضية (فهم السلف والصحابة) وكم يتكرر هذا الاحتجاج عند مناقشة هذه الفئة، وبعد القراءة في بعض التفاسير والمنقولات مع التأمل أقول:

قولنا: نفهم كما فهم الصحابة والسلف، هو نفسه: “لا نعلم أو لا نقول بشيء”. فإنه لم ينقل لنا كلام الصحابة في هذه القضايا محل النقاش فلا نعلمه على حقيقته، وإنما باب إحسان الظن يجعلنا نقول إنهم اعتقدوا الحق. وهذا محل خلافنا الآن فكل واحد يدعي الحق، لذا فهذا القول “أي نقول بما قال به الصحابة” لا وزن له حتى يثبت لنا نص ما قاله الصحابة.

وقد وجدت بعض الروايات لكلا الفريقين -المؤول والآخذ بالظاهر- ولكنها إما مختلة الإسناد أو منكرة المتن، فتركت حتى الاحتجاج بما أعتقده من مفهوم هذه الروايات، فبرفضي للآحاد في العقيدة يكون الرفض أشد لسقيم المرويات. ولئن ورد احتجاج بحديث الجارية وأنه رواه مسلم، والحديث طويل أكتفي بنقل الشاهد منه، وهو عن معاوية بن الحكم السُّلَمي:

…قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: ائْتِنِي بِها.  فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَه: أَيْنَ اللهُ؟  قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: أعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ  “[1]

 فأول ما يقدح في الاحتجاج بهذا الحديث آحاديته، والقضية قضية عقيدة. ثم مع ذلك هو مخالف لمعهود الدعوة إلى الإيمان، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته في عهده ومن بعده يدعون الناس إلى”لا إله إلا الله”، لا إلى أن يقرروا أن الله في السماء، وحتى من يحتجون بهذا الحديث ويعتقدون بهذه العقيدة يصرحون بذلك[2].

أقول: لئن ورد الاحتجاج بهذا الحديث، فمع ذلك قد جاءت روايات أخرى لمثل هذا الحديث كان السؤال فيها “من ربك؟ أتشهدين ألا إله إلا الله؟[3]“.

ثم مع ذلك، فإن ظاهر هذا الحديث يتعارض مع ما ذهبوا إليه من وجود الله فوق العرش، إذ العرش فوق السماء، وفي هذا الحديث أن الله “في السماء”، فيكون تحت العرش محيطة به السماء خلافا لقولهم.

ولئن قيل: إن (في) بمعنى (على) كما في آية الملك -وسأذكرها بإذن الله-، فما منعها أن تقول (على السماء)؟ والأصل حمل (في) على معناها الموضوعة له -مع أن حملها على معنى (على) مختلف فيه-، وتحويلها يلزمه قرينة، ولئن كان النظم القرآني أرادها بذلك المعنى -لو سلمنا جدلا- لأجل سبك النظم في سياقه، فأي شيء حمل الجارية هنا على هذا، وهي تذكره مجردا مقطوعا من سابق ولاحق إلا السؤال المزعوم؟ فمع كل ذلك لا يكون الحديث دليلا على العلو إلا بتأويله، وقد اختلفت التأويلات عند مثبتي هذا الحديث بين مثبت للعلو وناف له فكلٌّ يؤوله بما يتفق مع مذهبه، وإذا انضم هذا إلى جانب ما ذكرته سابقا ترى أي مبلغ من الضعف يكون الاستناد إلى هذه الرواية في مثل هذه القضية الخطيرة.

  • إمساك السلف عن التأويل ودعوى الإجماع:

ثم أنتقل لقضية أخرى وهي: إمساك الصحابة رضوان الله عليهم وبعض السلف عن الخوض في التفسير.

وقد كان ذلك لسبب وضحه عدة مفسرين، كما قال ابن عاشور: “لأن العصور الأولى درجوا على الطريقة الأولى، فهم من لا تخفى عليهم محاملها بسبب ذوقهم العربي وهديهم النبوي، وفيهم من لا يعير البحث عنها جانبا من همته مثل سائر العامة، فلا جرم كان طي البحث عنها أسلم للعموم، وكان تفصيلها بعد ذلك أعلم لمن جاء بعدهم، بحيث لو لم يؤولوها به لأوسعوا للمتطلعين إلى بيانها مجالا للشك أو الإلحاد أو ضيق الصدر في الاعتقاد”[4].

ومن يقرأ في بعض الروايات يرى شدة ورع الصحابة في القول في أبسط من هذه المسائل، كالرواية المشهورة عن عمر رضي الله عنه حين تساءل عن معنى “وأبّا”، ثم رجع إلى نفسه وقال “إن هذا لهو التكلف يا عمر”[5].

هذا عموما، ومع ذلك فقد وردت عن السلف نصوص تؤول بعض الآيات على غير ظاهرها، كتأويل ابن عباس {فثم وجه الله} أنها قبلة الله، وغيرها.[6]

وبالجملة فكما يظهر أنهم كانوا يتورعون عن التفسير إن استغني عن ذلك، ويفعلونه عند الحاجة -ويظهر أن مسالكهم مختلفة بين التورع والإقدام-، وما كان أشد الحاجة للتفسير وتبيين معاني الآيات بعد اختلاط المسلمين بغيرهم وتراجع اللسان العربي وقراءة العجم للقرآن.

أما النقطة الثانية فهي دعوى وقوع الإجماع على فهم الاستواء أنه حقيقي ويدل على العلو الحسي، وحقيقة فقد عجبت من ذكر ذلك، إذ إن نشأة الفرق الكلامية قديمة جدا منذ القرون الأولى، ونحن الإباضية نسبتنا إلى جابر بن زيد رضي الله عنه (ت 93) وهذا رأينا المحفوظ عن إمامنا وتلاميذه. ولئن جودِلنا في هذه النسبة إلى الإمام جابر بسبب روايات متفرقة تقابل تواترا متواطئا عندنا من أهل العلم والصلاح الذين يحرمون الكذب ويرونه كبيرة مخلدة في جهنم عياذا بالله، فما يقال في إمام المعتزلة واصل بن عطاء ت(131)؟ ومعروفةٌ طريقة المعتزلة.

هذا، ومع ذلك فقد أجريت بحثا سريعا في هذه المسألة، وهذه النقول التي وصلت إليها وتشير إلى الخلاف الحاصل:

  • جاء في غريب القرآن لأبي عبدالرحمن عبدالله بن يحيى بن المبارك [ت237هـ] في تفسير الاستواء في سورة طه قال: استوى: استولى.[7]
  • في تفسير الطبري(ت310) حين تكلم عن {استوى على العرش} في الأعراف، أحال إلى ماذكره في تفسير الاستواء في البقرة {ثم استوى إلى السماء}، وهناك ذكر أن الناس مختلفون في معنى الاستواء، وذكر المعاني التي منها الاستيلاء[8]. ومهما تكن عقيدته، فإن إقراره بحصول الخلاف -وهو من القرن الثالث- ينقض دعوى الإجماع على المسألة.
  • نقل الرازي عن القفال (291 – 365) قوله:(ثم جعل العرش كناية عن نفس الملك، يقال: ثل عرشه أي انتقض ملكه وفسد، وإذا استقام له ملكه واطرد أمره وحكمه قالوا: استوى على عرشه..)[9]

وآية الاستواء من أمهات الباب في هذه القضية، فإذا ثبت الخلاف فيها عُلم سقوط دعوى في إجماع ثبوت الجهة الحسية لربنا سبحانه. ومن النصوص الأخرى في غير الآية جاء:

  • قال ابن حجر في المنهاج القويم: “واعلم أنّ القرافيّ وغيره حكوا عن الشّافعيّ ومالكٍ وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتّجسيم وهم حقيقون بذلك.”[10]
  • أبو جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي الحنفي (321هـ) في رسالته (العقيدةالطحاوية) مانصه: ” وتعالى -أي الله- عن الحدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضاءِ والأدواتِ، لاتحويه الجهات السِّتُّ كسائر الـمبتدعات ”.[11]
  • وفي الفقه الأبسط جاء عن أبي حنيفة: ”قلتُ: أرأيتَ لو قيل أين الله تعالى؟ فقال – أي أبو حنيفة –: يقال له كان الله تعالى ولامكان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولـم يكن أين ولا خَلْق ولا شيء، وهو خالق كل شيء”.[12]

فهذه كلها نصوص صريحة في نفي الجهات عن الله سبحانه وهي مروية عن أئمة بعض القائلين بالعلو الحسي، فمن أين جاء الإجماع؟

اللهم إلا أن يقال إن الإجماع على علو السلطان والقدر، فحينها لا جدال فإنا نسبح باسم ربنا الأعلى، ونؤمن بالعلي العظيم جل شأنه، وإنما ننزهه عن المكان والحدود.

  • تحكيم العقل في إثبات العقيدة وجعله معيارا للتنزيه:

ثم أنتقل لنقطة الإغراق العقلي في صفات الله، وأنه أعلم بصفات الكمال منا جل شأنه.

وبداية أقول إنه كم تكرر في ثنايا القرآن النداء لذوي الألباب، الذين يعقلون ويتفكرون، وما أصرحها من دعوة لإعمال العقل والتفكر والنظر. ولئن قيل إن هذا إنما في المخلوقات والكون وأفعال الله سبحانه لا في ذاته، فأقول نعم هو كذلك، غير أننا لم نخض في ذاته سبحانه وتعالى، وقصارى ما نفعله أن ننفي عنه النقص ونثبت له الكمال دون خوض في ماهية ذاته وتحديد شكل لها ونحوه، وهذا الفعل يعلمنا إياه القرآن الكريم في مجادلة الكافرين، فإنه يدعوهم إلى إعمال عقولهم لمعرفة بطلان آلهتهم التي يعبدون من دون الله ويحتج لذلك بالحجج المنطقية، إذ يقول ﴿قُل لَو كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقولونَ إِذًا لَابتَغَوا إِلى ذِي العَرشِ سَبيلًا﴾ ﴿لَو كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبحانَ اللَّهِ رَبِّ العَرشِ عَمّا يَصِفونَ﴾ ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِن إِلهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعضُهُم عَلى بَعضٍ سُبحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفونَ﴾ 

وإبراهيم عليه السلام حين عاب على قومه عبادتهم لفت نظرهم إلى صممها وعماها حين أشار إلى كبيرهم أنه هو من حطمهم، ثم قال ﴿قالَ أَفَتَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ ما لا يَنفَعُكُم شَيئًا وَلا يَضُرُّكُم ۝ أُفٍّ لَكُم وَلِما تَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ أَفَلا تَعقِلونَ﴾

وكذا في مشهد آخر حين احتج على عبدة الكواكب والأجرام بفساد عبادتهم، كانت حجته أن ﴿قالَ لا أُحِبُّ الآفِلينَ﴾ لافتا نظرهم إلى أنه ليس من صفات الإله عقلا التحولُ والتغير، وقد نوه الله بهذه الحجة إذ قال ﴿وَتِلكَ حُجَّتُنا آتَيناها إِبراهيمَ عَلى قَومِهِ نَرفَعُ دَرَجاتٍ مَن نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكيمٌ عَليمٌ﴾.

واحتج على النصارى في فريتهم على الله سبحانه بقوله ﴿بَديعُ السَّماواتِ وَالأَرضِ أَنّى يَكونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَم تَكُن لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ﴾ وقوله ﴿مَا المَسيحُ ابنُ مَريَمَ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدّيقَةٌ كانا يَأكُلانِ الطَّعامَ انظُر كَيفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآياتِ ثُمَّ انظُر أَنّى يُؤفَكونَ﴾ في إشارة مؤدبة إلى ما يستلزمه أكل الطعام عقب الأكل بإخراج الفضلات.

هذا، وقد عاب القرآن الكريم على الذين كفروا تغييب عقولهم واتباعهم لما يسمعون دون نظر وتفكر فيه ﴿وَمَثَلُ الَّذينَ كَفَروا كَمَثَلِ الَّذي يَنعِقُ بِما لا يَسمَعُ إِلّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ فَهُم لا يَعقِلونَ﴾.

وحاشا أن ندعى إلى مثل ما عيب عليهم، فلا بد من إعمال العقل لنفي النقص عن الذات العلية، وإجراء قوله المحكم الذي لا يطرقه أي احتمال ولا تأويل ﴿لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ﴾، وبعد ذلك يمسك الخوض عن ذاته. مع أن حِزمة عقيدة العلو الحسي وما معها قد أفضت إلى تشبيه فظيع وتجاوز لا يليق مع الذات العلية، وسيأتي بيانه بإذن الله.

وإذا ثبت أن استخدام البدهيات العقلية ضرورة لتنزيه الذات الإلهية ووصفها بالكمالات، نأتي إلى قولنا إنه سبحانه ليس في مكان ولا تحيط به الجهات، بالموجز: (لا أين لله).

قال بعضهم: إننا هكذا ساويناه بالعدم.

أقول: إنّ فِعلنا هذا هو تطبيق لقول النبي عليه الصلاة والسلام: “تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق”[13] وقد حسنه بعضهم بمجموع طرقه، ولئن كان آحاديا لا تقوم به حجة في العقيدة فإن معناه متفق مع البدهيات العقلية، فإن ذات الخالق العظيم التي لم تنشأ من بداية ولا تنتهي إلى غاية لا شك ستكون خارج حدود القدرة العقلية البشرية للاستيعاب، كيف والبشر لم يستوعبوا بعد موجودات هذا الكون، بل لا أمل لهم في فهم أقرب حقيقة موجودة بين جنبيهم وهي الروح؟ فجلّ ما فعلناه -كما ذكرت سابقا- هو إلجام العقل عن الخوض في الذات العلية والاكتفاء بتسبيحها وتنزيهها، فنقول هو غني عن المكان، فليس داخل الكون لأنه مكان هو خالقه، ولا خارجه لأن “خارج” ظرف مكاني، فنكون بذلك ألزمناه مكانا من حيث هربنا من ذلك. فأين هو؟ الجواب: لا أين له، هو ما عليه كان قبل خلق المكان.

ولئن كان قولنا هذا يساويه بالعدم، فما يقال فيه قبل خلق الخلق؟ إما أن يُلزَم معه قديم آخر ليكون داخله أو خارجه؛ فيشاركه في إحدى صفات الألوهية، وإما أن يُنزَل إلى ما نزلنا إليه وحينها فعلى هذا كذلك يكون مساويا بالعدم الذي لا هو داخل مكان ولا خارج مكان.

ثم إن بعض ما يسلم أنه نقيصة تنفى عنه سبحانه كذلك هي منفية عن العدم، فإن العدم كذلك لم يلد ولم يولد، ولا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يأكل ولا يشرب! وهيهات أن يستوي الله مع العدم لأجل ذلك، فإن انتفاء تلك الصفات عنه عن غنى، وانتفاؤها عن العدم عن عجز وعدم!

  • نسبية الجهات إلى الأشياء:

ولئن عدنا إلى جهة الفوقية والعلو الحسي، فمما هو معلوم أن هذه الجهات إنما هي نسبية بحسب الأشياء منها، فما هو فوقك يكون تحت غيرك، وما عن شماله يكون يمينك، فإن كانت صفة العلو متعينة بإحدى النسب، فإنها تكون سفلية لنسبة أخرى. هذا، على أن هذه الجهات لم تكن قبل خلق الخلق، فلم يكن فوق ولا تحت، أفحدثت له صفة جديدة كمل بها بعد نقص؟ أم جهة العلو قديمة معه؟ جل وتقدس.

  • نقاش في آية ﴿أَأَمِنتُممَنفِيالسَّماءِأَنيَخسِفَبِكُمُالأَرضَفَإِذاهِيَتَمورُ﴾

أما آية ﴿أَأَمِنتُم مَن فِي السَّماءِ أَن يَخسِفَ بِكُمُ الأَرضَ فَإِذا هِيَ تَمورُ﴾

فهي محتملة لعدة وجوه، فبعض المفسرين جعل المقصود بها الملك الموكل بالعذاب، بدلالة تكرار “من في السماء” في الآيتين، أنهما ملكان أحدهما موكل بالخسف والآخر بالحاصب، ولو كان المقصود واحدا لاكتفي بذكره في المرة الأولى عن التكرار.

هذا رأي، والرأي الآخر أن فيها محذوفا تقديره (أأمنتم مَن عذابه في السماء) أو (أمره).

فالجملة محتملة، وفي القاعدة “إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال” وهذا في العمليات، فما بالك بالعقيدة؟

وعلى أي حال فإن نازع المخالف وقال: هذا هروب من الظاهر إلى التكلف لا لشيء إلا لما تتوهمونه تنزيها ونفيا للنقص. أقول: حتى أنت جعلت (في) بمعنى (على) -مع أن هذه القضية أصلا مختلف فيها، فجوزها الكوفيون ومنعها البصريون[14]-، فجنح المخالف كذلك من الظاهر إلى ما دونه لأجل أنه يقر أنه لا يمكن أن يحيط به خلقه، غير أنه بهذا هرب من إحاطة السماء إلى إثبات الجهة، وكان يمكن أن يقول ككل مرة هو (في) السماء (بكيفية لا نعلمها!) دون الحاجة إلى إضافة عبارات من عنده نحو “بائن عن خلقه”.

فلما كانت الآية لازمة التأويل على كل حال فالأولى حملها على التنزيه المطلق بالمعاني السائغة التي تكررت في القرآن نفسه، فقد تكرر في القرآن معنى ﴿هَل يَنظُرونَ إِلّا أَن تَأتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَو يَأتِيَ رَبُّكَ﴾ والمقصود أمر ربك، وصرح بهذا المحذوف في سورة النحل إذ قال ﴿هَل يَنظُرونَ إِلّا أَن تَأتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَو يَأتِيَ أَمرُ رَبِّكَ﴾، ولا يجوز أخذ تلك الآيات التي ظاهرُها مجيئُه بذاته على ظاهرها، إذ لازمه أنه كان غائبا ثم أتى، وسبحانه لا تتبدل أحواله، فإن تلك حال المخلوقات التي احتج بنقصها هذا إبراهيمُ عليه السلام في محاججته عبدة الكواكب كما يحكي ربنا عنه: ﴿فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلينَ﴾

  • نقاش الآيات الوارد فيها ﴿ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ﴾

ثم نأتي إلى الآية الأساس محل النقاش ﴿ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ﴾ وفيها عدة مناقشات:

  • معنى الجذر سوي: الاستقامة والاعتدال بين شيئين[15]، ولا قائل إن هذا هو المراد من الآية، وإنما الخلاف في الأَولى من المعاني، فقول المخالف لنا إننا نؤول بغير الظاهر لا يسلم له؛ إذ هو كذلك يحملها على المعنى الذي يراه مناسبا، وحين يقول “استوى بغير تأويل” فيريد بذلك معنى الاستقرار كالاستواء على الدابة والكرسي ونحو ذلك الذي صرح به بعض أئمتهم كابن القيم ومن قبله[16]، وإن امتنع بعضهم عن التصريح به أحيانا.

ولم يكن منا إلا أن اخترنا المعنى الأكثر مناسبة الأليق به سبحانه، الذي يناسب سياق الآيات، وهو الاستيلاء سطوة وقهرا، كما ورد ذلك عند اللغوين، كصحاح الجوهري، ولسان ابن منظور، وقاموس الفيروزآبادي، ومصباح الفيومي، وغيرها[17].

ولئن قيل إن المعنى الذي نذهب إليه في الاستواء يستلزم المغالبة، فنقول: إن اللفظ قد يختلف معناه بحسب المسند إليه، فإن الله أخبر عن عيسى عليه السلام خلقه للطير من الطين، وهو سبحانه أخبر أنه خالق الإنسان من طين، وشتان بين خلقه سبحانه من العدم وخلق عيسى عليه السلام الذي هو تشكيل من المواد الموجودة. ونحو ذلك في ﴿أَأَنتُم تَزرَعونَهُ أَم نَحنُ الزّارِعونَ﴾ وفي قوله ﴿فَلَم تَقتُلوهُم وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُم وَما رَمَيتَ إِذ رَمَيتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾ فكل هذا لا يراد به نفس المعنى حين ينسب إلى لبشر. على أن الغلب الذي هو أوضح من السطوة والقهر في طلب المغالبة قد ورد منسوبا لله سبحانه في قوله ﴿وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ﴾.

  • وتكثر استعارة العرش عند العرب بمعنى الملك وقوام الأمر، فيقال “ثل عرشه” تضعضعت حاله[18]، واستوى على سرير الملك: كناية عن التملك وإن لم يجلس عليه[19]. ومنه رواية الفاروق “لولا أني صادفت ربا رحيما لكاد عرشي يُثل”[20]، وهذه الاستعارة كثيرة عند العرب حتى صار الذهن منصرفا إليها.

فإذا ثبت ذلك ثبت جواز حمل الآية على أنها كناية عن تمكنه وسطوته سبحانه من الموجودات، وسواء أأثبتنا خلقا مستقلا اسمه العرش أم جعلناه كناية عن الملك، فالمعنى يستقيم للأمرين، ولعل الأقرب أن العرش خلق مستقل لقوله سبحانه ﴿وَيَحمِلُ عَرشَ رَبِّكَ فَوقَهُم يَومَئِذٍ ثَمانِيَةٌ﴾.

ولا يقال (لمَ خصص العرش وهو بلا شك مستوٍ بهذا المعنى على كل شيء؟)، فالعرش لما كان أعظم المخلوقات كان في تخصيصه بهذا إشارة أن الاستواء حاصل على غيره بالأولى، ونرى أنه سبحانه يتكرر منه تسمية نفسه بـ ﴿رَبُّ العَرشِ العَظيمِ﴾ مع أنه رب كل شيء، ولكن لعظمته فينسب إليه الأعظم، فمع أنه هو رب الحشرات والذرات كما هو رب الأجرام والسماوات، لكن لا يسوغ وصفه بذلك -أي إضافته إلى المحقرات- خاصة في مقام التعظيم والتبجيل كما هو سياق هذه الآيات.

  • ولا يَرِد علينا لفظة “ثم” في الآية حتى يقال: (فمعنى ذلك أنه لم يكن متمكنا من ملكه وتمكن بعد حين)، -مع أنه سيرد بنفس الطريق على جاعلي الاستواء بمعنى الاستقرار أن يقال: فهو قد تغير من حال إلى حال، فصار على العرش بعد أن لم يكن عليه- فإن “ثم” إذا عطفت مفردا على مفرد تكون بمعنى الترتيب والتراخي كقولنا “جاء عمرو ثم زيد”، أما حين تعطف جملة على جملة فقد نص ابن عاشور على أن ذلك يكون غالبا للمهلة الرتبية لا الزمنية[21]، أي للانتقال من موضوع إلى آخر مع تنبيه ذهن المتلقي إلى استجماع فكره لأهمية ذلك الأمر، وهو متكرر في القرآن الكريم، مثل ﴿وَما أَدراكَ مَا العَقَبَةُ ۝ فَكُّ رَقَبَةٍ ۝ أَو إِطعامٌ في يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ ۝ يَتيمًا ذا مَقرَبَةٍ ۝ أَو مِسكينًا ذا مَترَبَةٍ ۝ ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذينَ آمَنوا وَتَواصَوا بِالصَّبرِ وَتَواصَوا بِالمَرحَمَةِ﴾ فإنه لا بد أن يكون مؤمنا حين يعتِق ويطعم، وأكتفي بهذا المثال لوضوحه فلا حاجة للإطالة، وهذا كما قلت متكرر في القرآن الكريم.

فإذا فرغنا من توجيه ألفاظ الآية نأتي إلى علة حملها على هذا المحمل مع احتمالها في لفظها للمحمل الآخر الذي هو الاستقرار والجلوس.

لا شك أن التنزيه هو أول القرائن الصارفة لها عن ذلك، ومع هذا فإن سياق الآيات يقتضي هذا المعنى بوضوح، فإن الآية إذا قُرئت في سياقها ولم تقتطع منها هذه الكلمات الأربع، وجدناها في تكراراتها في القرآن تُذكَر في سياق تدبير الله سبحانه للكون، فالذي بعدها في الأعراف ﴿يُغشِي اللَّيلَ النَّهارَ يَطلُبُهُ حَثيثًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمرِهِ أَلا لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ﴾ آيات ملكه وتصرف أمره سبحانه في الكون، وكذا في غيرها -ومن شاء فليتتبع، فلن تجد مثالا خارجا عن ذلك في المرات الست التي تكررت فيها الآية- فكان الأولى في النظم القرآني حمله على الانسجام والترابط في أجزائه وسياقاته، فجاء ذكر قهره للكون وسطوته على الملك في سياقه الدقيق، أما لو حملت على الاستقرار، أو كما يقول المخالف “الاستواء المعروف بكيفية لا نعلمها” لكان ذلك نشازا وتنافرا في تركيب جمل الآية الكريمة، ما ينفر منه فطاحل الأدب ويتنزه عن كلام الله سبحانه. هذا، ومن جانب آخر فأي مدح وكمال يكون لمجرد الاستواء الذي يعنيه المخالف؟ (الذي هو الاستقرار كما صرح كثير من أئمتهم)، فلا مزية تضاف بهذا، وإنما المزية والامتداح بالسطوة والقهر الذي دلت عليه الآيات الكريمات.

ثم إنه يرد عليهم أمران آخران: فهم يقولون إن ذاته سبحانه فوق السماء لا أنها داخلها والسماء محيطة بها، وبناء على ذلك ذهبوا إلى أن {في السماء} بمعنى “على”، وهنا أقول: الاستواء بهذا المعنى الذي يريدونه يستلزم لا شك: احتواء العرش إياه وإحاطته به، وأنه أوسع منه في بعض أجزائه حتى يمكن الاستواء عليه، وأنى يسوغ ذلك في حقه سبحانه؟

فإن قيل: بل لا يحيط به؛ إذ ذلك بكيفية لا نعلمها، قلنا: فليكن كذلك {في السماء} دون تأويل، وقولوا بكيفية لا نعلمها! وأن ذاته حلت في الشجرة التي جاءها موسى عليه السلام بكيفية لا نعلمها! وأنه أتى حصون بني النضير من حيث لم يحتسبوا بذاته بكيفية لا نعلمها! وليكن ذلك في جميع الآيات التي هذا شأنها حتى تنشأ لنا عقيدة كعقيدة النصارى الذين قالوا ثلاثة في واحد وواحد في ثلاثة بكيفية لا يعلمونها!! 

والأمر الآخر أن المصرح به في كتبهم أن استواءه على العرش هذا بمعناه أزلي وعلوه كذلك أزلي، وهذا لا يستقيم إلا إن كان العرش والسماء عندهم أزليين فيشاركانه في بعض صفاته جل وعلا. ولا يَرِد علينا مثل ذلك إذ هو قاهر ملِك منذ الأزل، ولم يحتج إلى العرش والخلق حتى يكون قاهرا، كما هو سميع بصير منذ الأزل ولا شيء معه مسموع أو مبصر.

وبعد هذا فأقول: إن الذي نُرمى به -أننا وقعنا في التشبيه ففررنا منه إلى هذا- هو مع كونه لا يستقيم في معناه، فإنه يُثبت لنا على الأقل الفرار من التشبيه! فنحن بفضل الله بريئون منه، أما مثل هذا المنهج الذي سلكوه فقد أوقع كثيرا من أهل مذهبهم في طامات لا مخرج منها، من نحو رواية ثقل العرش على حملته باطلاع الله على المعاصي، ومع ضعفها وتهافتها فقد ساقها أئمتهم المجددون ابن تيمية وابن القيم في كتبهما دون رد ولا إنكار بل بإثبات![22]

وهذه الرواية غيض من فيض، فإن عندهم أنه سبحانه موجود في الدركة الرابعة من دركات جهنم[23]، وأنه يوم القيامة يفسح لرسولنا عليه الصلاة والسلام من عرشه ليقعد جانبه! -وهذه القصة الأخيرة يحكيها أهل الكتاب في المسيح عليه السلام، وإن كان بعضهم يؤولها[24]– ومع نكارة معناها -رواية الإجلاس على العرش- وتهافت أسانيدها فقد شنعوا على الترمذي ومن مثله حين ردوا هذه الشنيعة! وصرح بعضهم أن منكر هذه الرواية متهم![25]

وأنا هنا لا أتكلم عن شذوذ من الناس الذين لا يُعتد بهم عندهم، بل هم الأئمة الذين يرجعون إلى كتبهم ويتبعون منهجم، كعبدالله بن أحمد بن حنبل، والخلال، وذكرت سابقا ابن تيمية وابن القيم، ومن لم يجمع منهم تلك العقائد المذكورة فلا يخلو من بعضها.

ولعلهم يقولون إن كلامهم يلزمهم ولا يلزمنا فنحن لا نقول به، فأقول الحمدلله الذي سلمكم مما وقعوا فيه وعسى أن يتم النعمة بتبصيركم حقيقة التنزيه، وإنما إيرادي لمثل هذا لأبين أن ما بلغوه من إيغال كانت بذرته هذا الذي أناقشه الآن، ومنهجهم في إجراء النصوص على حرفيتها دون حملها على محاسن المعاني كدأب السليقة العربية، ثم تخليص أنفسهم من تهمة التشبيه والتجسيم بالعبارة السحرية (بلا كيف) أو (بكيفية لا نعلمها تليق بجلاله)!

ومن العجيب أن تبلغ الاستماتة في محاولة إثبات هذه العقيدة بالاستشهاد بأفعال الذين لعنهم الله، حتى سيق دليلا على ذلك قولُ فرعون ﴿فَأَوقِد لي يا هامانُ عَلَى الطّينِ فَاجعَل لي صَرحًا لَعَلّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ موسى﴾ ادعاءً أن موسى عليه السلام هو من أخبره أن ربه في السماء. وأنى ذلك؟ وقد صرح القرآن أن موسى عليه السلام قد كف نفسه عن الخوض في كنه ذات الله سبحانه حين سأله فرعون عنها، واكتفى بوصف كماله وأفعاله ﴿قالَ فِرعَونُ وَما رَبُّ العالَمينَ ۝ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَما بَينَهُما إِن كُنتُم موقِنينَ ۝ قالَ لِمَن حَولَهُ أَلا تَستَمِعونَ ۝ قالَ رَبُّكُم وَرَبُّ آبائِكُمُ الأَوَّلينَ ۝ قالَ إِنَّ رَسولَكُمُ الَّذي أُرسِلَ إِلَيكُم لَمَجنونٌ ۝ قالَ رَبُّ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَما بَينَهُما إِن كُنتُم تَعقِلونَ﴾

هذا، مع أن الله سبحانه يقول عن فرعون ﴿فَاتَّبَعوا أَمرَ فِرعَونَ وَما أَمرُ فِرعَونَ بِرَشيدٍ﴾ ﴿وَأَضَلَّ فِرعَونُ قَومَهُ وَما هَدى﴾ فاعجب لمن يبلغ به الحال أن يأخذ عقيدته من كلام فرعون الذي ساقه الله عنه في معرض بيان عتوه واستعلائه!

وبلوغا للخاتمة أذكر ما قيل من أن الداعي ينصرف إلى السماء في دعائه، نقول: فالله سبحانه لم يأمرنا بالانصراف للسماء في دعائنا وأمرنا بالانصراف للكعبة في صلاتنا التي هي فوق الدعاء، أفيسوغ بعدها الاستدلال بذلك على حلول ذاته في الكعبة المشرفة؟

ولست هنا أردُّ التوجه للسماء في الدعاء، ولكن القصد أن الله سبحانه يختص ما شاء من مخلوقاته بما شاء، فاختص الكعبة بالتوجه للصلاة، والسماء بالتوجه للدعاء، والأرض بالاقتراب منه جل شأنه بالسجود ﴿وَاسجُد وَاقتَرِب﴾ “أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهَو ساجد”[26].

وقد مر علي قبل مدة مقطع للدكتور جيفري لانج يتحدث فيه عن الزمان بالنسبة لله، وذكر المكان كذلك. وهو داخل إلى الإسلام من غير وراثة، كان ملحدا وقبلها كاثوليكيا يُلقّن أن الله في السماء، فاسمع كلامه بعد أن قرأ القرآن بنفسه حين يقول إن الله يسمو على الزمان والمكان، فيفهم من كلامه اعتقاده أنه سبحانه كما لا تجري عليه حالات الزمان من ماض وحاضر ومستقبل، كذا لا تجري عليه جهات المكان.

على ذلك:

  • لا يوجد إجماع ثابت في المسألة ليُحتج به على المخالفين.
  • ثبت نقل التأويل في الصفات منذ الصحابة رضوان الله عليهم.
  • حمل النصوص على ظاهرها مطلقا يورث إشكالا كبيرا للقائلين بجهة العلو، وتجعل حجة القائلين بالحلول أقوى عليهم، مع شدة نكارة هذا القول.
  • القرائن المعنوية وقرائن السياق في آيات الاستواء ترجح بقوة حمل لفظة الاستواء على السطوة والقهر، وتربك قول القائل بحمله على العلو الحسي.
  • كل هذا الاندفاع في حمل النصوص على ظاهرها ولو اقتضى التشبيه، ثم التنصل من تهمة التشبيه بعبارة (الكيف مجهول) يورث إيغالا في التشبيه الصريح لدرجة قبول الروايات المنكرة متنا وسندا، حتى وقع في ذلك كبار أئمة هذه المدرسة.

وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وأعنا على اجتنابه، وآتنا رشدنا يا رب العالمين.

لتحميل المقال اضغط هنا


[1] رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 537.

[2] انظر موقع: الإسلام سؤال وجواب https://islamqa.info/ . موقع فتاوى ابن باز

[3] الجامع الصحيح (مسند الإمام الربيع)، باب (47) في العتق، (672). مصنف عبدالرزاق، كتاب المدبر، (16815). مسند أحمد، (15683). النسائي، السنن الكبرى، كتاب الوصايا، (6447).

[4] ابن عاشور، محمد الطاهر، تفسير التحرير والتنوير، تفسير آل عمران الآية 7.

[5] مصنف ابن أبي شيبة، كتاب 22 فضائل القرآن، باب 33 من كره أن يفسر القرآن (30103 – 30105)

[6] ابن أبي حاتم، عبدالرحمن، تفسير القرآن العظيمـ تفسير البقرة الآية 115. والطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري، نفس الآية.

[7] اليزيدي، أبو عبدالرحمن عبدالله بن يحيى، غريب القرآن، تفسير سورة طه، الآية 5.

[8] الطبري، تفسير الطبري، تفسير البقرة الآية 29

[9] الرازي، محمد، التفسير الكبير، تفسير الأعراف الآية 54

[10] ابن حجر الهيتمي، أحمد، المنهاج القويم، 224. (نقلا عن الشبكة.)

[11] الطحاوي، أبو جعفر أحمد، العقيدة الطحاوية. (نقلا عن الشروح على الشبكة.)

[12] أبو حنيفة، النعمان بن ثابت، الفقه الأبسط ضمن مجموعة رسائل أبي حنيفة، 25.

[13] أخرجه الطبراني في “المعجم الأوسط” (6319). البيهقي في “شعب الإيمان” (458). أبو نعيم في “حلية الأولياء” (6/66). البيهقي في “الأسماء والصفات” (618) . قوام السنة في “الترغيب والترهيب  (670)

[14] الدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي على مغني اللبيب لابن هشام، 1/389، دار السلام، الطبعة الثالثة.

[15] أبو فارس، أحمد بن فارس بن زكريا، مقاييس اللغة، مادة (سوى).

[16] ابن الموصلي، محمد، مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، 1096.

[17] انظر المعاجم المذكورة في مادة “سوي”.

[18] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، مادة “ثلل”

[19] الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مادة “سوي”

[20] الدينوري، أحمد بن مروان، المجالسة وجواهر العلم، 10/94، رقم 1443.

[21] ابن عاشور، التحرير والتنوير، تفسير البقرة، الآية 29

[22] ابن تيمية، أحمد بن عبدالحليم، تلبيس الجهمية، 1/573، الموسوعة الشاملة.

[23] ابن حنبل، أحمد، كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد، المكتبة الشاملة الحديثة، 4/271، نقلا عن: السنة لعبدالله بن أحمد بن حنبل، 2/525-526.

[24] العهد الجديد: (فقال: ها أنا أنظر السماوات مفتوحة، وابن الإنسان قائما عن يمين الرب) أعمال الرسل، الإصحاح 7 : 56

[25] الخلال، أبو بكر أحمد بن محمد، السنة، 1/233. الموسوعة الشاملة.

[26] رواه مسلم، كتاب الصلاة، 482.

يسعدنا تقييمك للمقال

تقييم المستخدمون: 4.55 ( 3 أصوات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى