من أصبح في رمضان مفطرا لعذر لم يلزمه الإمساك بقية يومه
عزان بن سعيد بن سيف الخوالدي
الصائم إن أفطر إما أن يكون فطره بعذر معتبر شرعا، أو بغير عذر شرعي, فالثاني كمن ينتهك حرمة الصيام بالأكل أو الشرب من غير عذر, وهذا يلزمه الإمساك, أما الأول فكمن يصبح مفطرا بسبب المرض فإن زال عنه مسوغ الفطر هل يلزمه الإمساك أو لا؟ هذا هو موضوع هذا الضابط.
الأمر الأول: شرح الضابط:
المراد بهذا الضابط أن كل من أصبح في رمضان مفطرا لسبب يبيح له الإفطار فيه, ثم زال عنه ذلك السبب المبيح في وسط النهار لم يلزمه الإمساك بقية يومه([1]), وقد ورد في الأثر عن ابن مسعود قال: مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ([2]).
مثال ذلك المسافر يرجع من سفره وقد أفطر في يومه ذلك فله أن يواصل الإفطار في
بلده ولا يلزمه الإمساك بقية يومه([3]), وهكذا في كل من زال عنه المبيح أو الموجب للإفطار أثناء النهار.
ومع كونهم غير ملزمين بالإمساك إلا أن الإمام السالمي استحب لمن أصبح مفطرا بعذر شرعي ثم زال عنه العذر أن يمسك بقية يومه([4]).
وهذا الضابط فيمن أصبح في نهار الصيام مفطرا لعذر, أما من توجه إليه الخطاب بالصيام في النهار فيلزمه الإمساك ولا يدخل في هذا الضابط لعدم انطباقه عليه فهو ليس ممن أصبح مفطرا لعذر, كالصبي مثلا يبلغ في نهار الصيام فيلزمه الإمساك لتوجه الخطاب إليه ولو بدأ يومه غير مكلف على ما ذهب إليه الإمام([5]), وكذا المشرك أيضا, فالخطاب متوجه إليه قبل إسلامه وبعد إسلامه, أما قبل إسلامه فلأنه مخاطب بفروع الشريعة على رأي الإمام([6]) إلا أنه لا يقبل منه صرف ولا عدل؛ لأن الإسلام شرط لصحة العبادات, إلا أن الإسلام جب لما قبله فلا يؤاخذ عليه, وإنما الحديث عما بعد إسلامه, فقد توجه إليه الخطاب فيكون حاله كحال من بلغ أو أفاق من جنونه أثناء الصيام([7]).
والدليل على وجوب إمساك المشرك إن أسلم في نهار الصيام الذي استدل به الإمام هو حديث عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه: أنَّ أَسلَم أتت إلى النَّبِيّ – صلى الله عليه وسلم – فقال: “صُمْتُمْ يَوْمَكُم هَذَا؟” قَالُوا: “لا”. قَالَ: “فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُم وَاقْضُوا”([8]), وألحق به الإمامُ السالمي الصبيَّ إن بلغ في النهار والمجنونَ إن أفاق فقال: ” وفيه دليل على أَنَّهُ يجب الإمساك على من أسلم في نهار رمضان، ويلحق به من دخل في التكليف أو أفاق من الجنون”([9]).
الأمر الثاني: أدلة الضابط:
لم يذكر الإمام السالمي أدلة لهذا الضابط, ويمكن الاستدلال له بأنه لا يوجد دليل شرعي يوجب الإمساك مرة أخرى, فهو قد بدأ يومه مفطرا بعذر شرعي فجاز له مواصلة الفطر بعد زوال العذر, أي أن حرمة ذلك اليوم في حقه زالت؛ لأنه استحلها بمسوغ شرعي, أما من أصبح مفطرا بغير مسوغ شرعي مثلا فهذا يبقى الإمساك في حقه واجبا بالدليل الأول الموجب للإمساك, وانتهاكه لحرمة الصيام ليس مسوغا له في مواصلة الإفطار.
الأمر الثالث: تطبيقات الضابط:
- المرأة الحائض إن طهرت في بعض يوم الصيام فلها أن تفطر بقية يومها ولا يلزمها الإمساك([10]), لأنها أصبحت مفطرة برخصة من الله تعالى, ومن أصبح مفطرا لعذر شرعي لم يلزمه الإمساك كما تقدم.
- النفساء إن طهرت من نفاسها في نهار الصيام لا يلزمها الإمساك كالحائض, فالمعنى واحد.
- من رجع من سفره في نهار الصيام وقد أصبح مفطرا ووجد امرأته قد طهرت من حيضها في ذلك النهار فله أن يجامعها؛ لأن كلاهما قد أصبحا مفطرين برخصة الله تعالى, والجماع كالأكل والشرب وسائر المفطرات. وقد أورد الإمام السالمي قصة الإمام جابر بن زيد حين قدم من سفره فوجد امرأته قد طهرت من حيضها فوطئها في نهار رمضان([11]).
- المريض إن أصبح مفطرا ثم زال عنه المرض آخر النهار مثلا فلا يلزمه الإمساك بقية يومه([12]).
- الحامل والمرضع يجوز لهما الإفطار إن خافتا على أولادهما بسبب الصوم([13]), فإن أصبحتا مفطرتين ثم زال العذر أي زال الخوف الذي بسببه أصبحتا مفطرتين لم يلزمهما الإمساك.
- الشيخ والشيخة إن عجزا عن الصيام جاز لهما الإفطار, فإن أصبحا مفطرين ثم وجدا قوة في جسم وسط النهار مثلا لم يلزمهما الإمساك؛ لأنهما أصبحا مفطرين برخصة الله تعالى, وإنما يمسكان فيما يأتي من أيام, ويقضيان ما مضى إن أطاقا القضاء([14]).
لتحميل المقال اضغط هنا
([1]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص345.
([2]) ابن أبي شيبة, أبو بكر عبد الله بن محمد العبسي, الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار, رقم الحديث: 9044, ط1, (لبنان: دار التاج, 1989م), ج2, ص286, والجيطالي, قواعد الإسلام, مرجع سابق, ج2, ص104.
([3]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص345, والجيطالي, قواعد الإسلام, مرجع سابق, ج2, ص96, والشماخي, الإيضاح, مرجع سابق, ج2, ص296.
([4]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص115و345.
([5]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص72 و346.
([6]) انظر: المرجع السابق, ج8, ص346.
([7]) انظر: المرجع السابق, ج8, ص72 و346.
([8]) أبو داود, سنن أبي داود, رقم الحديث: 2447, مرجع سابق, ج2, ص327.
([9]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص74.
([10]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص115, والجيطالي, قواعد الإسلام, مرجع سابق, ج2, ص96, والشماخي, الإيضاح, مرجع سابق, ج2, ص296.
([11]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص173.
([12]) انظر: المرجع السابق, ج8, ص174و345.
([13]) انظر: المرجع السابق, ج8, ص242.
([14]) انظر: المرجع السابق, ج8, ص248.
يسعدنا تقييمك لهذا المقال