الكتب والتراجماللغة

منظومة مقاليد التصريف للمحقق الخليلي

منير بن محمد بن خميس السيفي

   كانت للعمانيين عناية بعلوم العربية فألَّفوا فيها المصنفات منظومة ومنثورة، وإن من أبرز الذين خاضوا غمار التأليف في علوم العربية في القرن الثالث عشر الهجري الشيخ المحقق سعيد بن خلفان الخليلي (1287هـ)، وسيكون الحديث في هذه المقالة مركزا عن ألفيته (مقاليد التصريف) التي تعدّ من بواكير مؤلفاته، وله في اللغة مؤلفات أخرى، وكذلك في الفقه وغيره.

منظومة (ألفية مقاليد التصريف) أرجوزة في علم العربية، ولا تزال مخطوطة إلى الآن لم تخرج مفردةً إلى عالم الطباعة، والجزء الأكبر منها مخصَّص للحديث عن علم التصريف، والمشهور أنها ألفية([1]) كما أشار مؤلفها إلى ذلك في مقدمتها، فقال:

وقد تكلَّفت به ألفية * لجمعه أنحاءه مرضية

وقد أشار المحقق الخليلي إلى اسم أرجوزته في النظم وشرحه، فقال في النظم:

قَدْ كَمُلَتْ (مَقَالِدُ التَّصْرِيْفِ)
 
عَارِيَةً مِنْ هُجَنِ التَّحْرِيفِ
  
أَخْلَصْتُهَا جَهْدِي وَأَخْلَصْتُ الرَّجَا
 
للهِ أَبْغِي كَوْنَهُ لِي مُلْتَجَى
  

وقال في شرح الأرجوزة: “وقد مَنَّ الله عليَّ بألفيَّة مغنية في هذا الفن الشريف، وسميتها والحمد لله بمقاليد التصريف”([2]).

ونسبة الكتاب إليه ثابتة، ويدلُّ على ذلك أنه جاء في النسخ المخطوطة للأرجوزة بيان ذلك، ففي النسخة الأولى (أ) ما نصه: “هذه ألفية الإمام العالم العلَّامة وحيد دهره وفريد عصره … سعيد بن خلفان الخليلي الخروصي الأزدي”، وفي النسخة الثانية (ب): “متن المقاليد في التصريف تأليف شيخنا العالم سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي أسكنه الله فسيح الجِنان”. ويدلُّ على ذلك أيضا النسخ المخطوطة لشرح هذه الأرجوزة([3]) التي تثبت نسبة الأرجوزة وشرحها إلى المحقق الخليلي. مع إشارة المحقق الخليلي في كتابه (التيسير في شيء من الصرف اليسير) إلى كتابه (المقاليد) في أكثر من موضع([4])، وأثبت هذه النسبة كل من الشيخ الخصيبي في كتابه شقائق النعمان([5])، والباحث فهد السعدي في بحثه عن النِّتَاج العماني في علوم العربية([6]).

ويتناول الكتاب موضوعات شتى في علم اللغة العربية، وأكثر مادة الكتاب في علم الصرف، إذ إن الأركان الثلاثة الأولى من الأرجوزة في علم الصرف، وهي تمثل ثلاثة أرباع الأرجوزة باستثناء أبواب قليلة في علم النحو، والأدوات النحوية، كما توجد أبواب في علم الرسم.

وقد قسَّم الشيخ المحقق أرجوزته إلى خمسة أركان، هي:

الركن الأول: في الأفعال وتصريفاتها.

الركن الثاني: في الأسماء وتصريفاتها.

الركن الثالث: مشترك([7])

الركن الرابع: في المفردات.

الركن الخامس: في الرسم.

ويتضح من خلال النظر في عنوان الأرجوزة أنها خالصة في علم التصريف، “لكن الذي يقرأ محتوى الكتاب يدرك أنه كتاب لغوي يحتوي مسائل صرفية، ونحوية، وصوتية، وطرق الرسم بالكلمات”([8])، وذلك يعود إلى الترابط بين علم الصرف وعلم النحو، كما هو ظاهر في مؤلفات علماء العربية.

قسَّم المحقق الخليلي أرجوزته بإحكام، وتقسيمه يدل على إدراكه لمباحث العلم الذي يكتب فيه، فنجده يرسم خارطة عامة للأرجوزة مكونة من خمسة أركان مع مقدمة وتمهيد وخاتمة.

استفتح الناظم الأرجوزة بالحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على النبي (صلى الله عليه وسلم) بعدها براعة استهلال، وسبب تأليف هذه الأرجوزة.

وبعد المقدمة ذكر الشيخ بابا بعنوان (باب في الاسم والفعل والحرف)، وهذا الباب بمنزلة تمهيد للولوج في أركان الأرجوزة، فلكل من الاسم والفعل والحرف أركان خاصة.

أما الأركان الخمسة التي هي عماد الأرجوزة فقد تناولت موضوعات شتى في علم الصرف، والنحو، وشيء من علم الرسم([9])، وعلم الأصوات([10])

ممحتويات الأرجوزةالموضوععدد الأبوابعدد الأبيات
1مقدمة11 بيتا
2تمهيدذكر الاسم والفعل والحرفباب واحد12 بيتا
3الركن الأولفي الأفعال وتصاريفها46 بابا196 بيتا
4الركن الثانيفي الأسماء وتصاريفها45 بابا240 بيتا
5الركن الثالثمشترك60 بابا336 بيتا
6الركن الرابعفي المفردات21 بابا162 بيتا
7الركن الخامسفي الرسم8 أبواب34 بيتا
8خاتمةأبيات

ولم أقف على نص يثبت سنة محددة لتأليف الأرجوزة، والذي يبدو أن تأليفها كان في زمن مبكر من حياة المحقق الخليلي وبالتحديد في عقده الثاني كما يشير إلى ذلك بعض الباحثين([11]). وتجدر الإشارة هنا أن أرجوزة مقاليد التصريف كانت باكورة الإنتاج العلمي عند المحقق الخليلي.

أما قصة تأليف المحقق لهذه الأرجوزة الواسعة فيذكرها سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي  فيقول: “واستمر الخليلي يطلب العلم من شيخه ويتردد عليه، ويروى أن في يوم من الأيام افتقده فترة من الوقت فذهب الشيخ إلى أم المحقق الخليلي يسألها عن سبب انقطاعه والتي أخذت بدورها تلوم ابنها بسبب انقطاعه عن أستاذه فلما ذهب إلى أستاذه عاد وهو يحمل معه باكورة إنتاجه العلمي الجديد وهو ألفية في علم الصرف التي هي منظومة من الرجز”([12]).

ويبدو أن هذا الكتاب باكورة الإنتاج العلمي عند المحقق الخليلي، فقد ذكر سماحة الشيخ أحمد الخليلي ما نصه: “والكتاب -حسبما فهمت من المشايخ الذين أدركتهم وتحدثوا إلي عن الشيخ- كان باكورة عمله أو باكورة إنتاجه العلمي”([13]).

وقد أشار المحقق الخليلي إلى السبب الذي دعاه لنظم هذه الأرجوزة، يقول في مقدمتها:

ولم أجد فيما رأيت مبدَعا * في فنه نظما مفيدا مقنعا

فلم أزل من الإله أطلب * أن يتسنى لي هذا المطلب

قيمة الأرجوزة عند العمانيين تظهر فيما يأتي:

  •  المكانة العلمية البارزة التي حظي بها مؤلف الكتاب، فالمحقق الخليلي يعد من أعلم أهل زمانه في علوم الشريعة وعلوم العربية، ومؤلفاته تشهد له بذلك.
  • إشادة العلماء بالأرجوزة، ومن أبرزهم الشيخ ناصر بن جاعد –أستاذ المحقق الخليلي- فقد أعجب بأرجوزة تلميذه، وطلب منه أن يكتب عليها تعليقا لطيفا، فقال: “… ولمَّا اطلع عليها العالِم الرباني والبحر النوراني وحيد دهره بلا ممانعة وفريد عصره بلا منازعة أبو محمد ناصر ابن العلامة المولوي أبي نبهان جاعد بن خميس الخليلي الخروصي أمرني أن أثبت عليها شرحا لطيفا مختصرا …”([14]).
  •  تعدّ أرجوزة المقاليد أكبر أرجوزة([15]) في العربية، وفي التصريف تحديدا عند العمانيين([16])–حسب اطلاعي- ومع كثرة أبياتها إلا أنها تعالج القضايا المطروحة بعمق، مع العناية بتجويد البناء.

     وقد عثرت على نسختين للأرجوزة، متأخرتين -نوعا ما- عن زمن تأليف الأرجوزة فالفارق يصل إلى قرابة نصف قرن من الزمان، ولعل ذلك يعود إلى عناية النساخ بنسخ المتن والشرح معا، والبحث الجاد والدؤوب قد يوصلنا لإيجاد نُسَخٍ أخرى للأرجوزة.

فالنسخة الأولى موجودة بمكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي وهي بخط الناسخ محمد بن يحيى بن خلفان بن أبي نبهان الخروصي، وتاريخ نسخها24 شوال 1296 هجرية، أما النسخة الثانية فهي بدار المخطوطات بوزارة التراث والسياحة، بخط الناسخ أحمد بن شامس بن خنجر البطاشي، نسخت بتاريخ 6 جمادى الأولى 1355 هجرية، ونسأل الله تعالى التوفيق والتيسير لإخراجها مطبوعة ومحققة وإتاحتها للباحثين والدارسين إنه سميع مجيب.

لتحميل المقال اضغط هنا


([1]). أي أنها تقع في ألف بيت.

([2]). مقاليد التصريف، سعيد بن خلفان الخليلي، وزارة التراث القومي والثقافة، طبع سنة 1407هـ/1986م، ج1 ص3.

([3]). ذكر فهد السعدي أن نُسَخَ الشرح التي وقف عليها بلغت اثنتين وثلاثين نسخة. ينظر: حركة نسخ المخطوطات في عمان (ندوة علمية)، مجموعة باحثين، الطبعة الأولى، النادي الثقافي- مسقط، سنة 2019م، ص208.

([4]). انظر مثلا: التيسير في شيء من الصرف اليسير، سعيد بن خلفان الخليلي، تحقيق: محمد بن خاتم الذهلي، الطبعة الأولى، ذاكرة عمان، 1436 هـ/ 2015م، ص21 وص119وص126.

([5]). شقائق النعمان، ج2 ص346. 

([6]). الدور العماني في خدمة اللغة العربية، بقلم: مجموعة باحثين، تحرير: وليد فكري فارس وآخرين، الطبعة الأولى، ذاكرة عمان، سنة1436هـ/2015م، ص294. 

 [7])). المقصود المباحث المشترك في تصريف الاسم والفعل.

([8]). قراءات في فكر المحقق الخليلي (ندوة علمية)، مجموعة باحثين، الطبعة الثانية، المنتدى الأدبي-عمان، 1427هـ/2006م، ص240.

([9]) . الركن الخامس من الأرجوزة في علم الرسم.

([10]). توجد أبواب عن المخارج والصفات وهي مباحث في علم الأصوات، ينظر: الركن الثالث من الأرجوزة.

([11]). قراءات في فكر المحقق الخليلي، ص294. 

([12]). هذه القصة ذكرها سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي نقلا عن الشيخ القاضي سعود بن سليمان الكندي نقلا عن الشيخ سعيد بن ناصر الكندي الذي كان من تلاميذ المحقق الخليلي. قراءات في فكر المحقق الخليلي، ص11. لطائف الحكم في صدقات النعم، سعيد بن خلفان الخليلي، تحقيق: سلطان بن خميس الناعبي، مكتبة الجيل الواعد، ص32.

([13]). قراءات في فكر المحقق الخليلي، ص11.

([14]). مقاليد التصريف، ج1 ص3.

([15]). توجد عند العمانيين قصيدة في علم النحو من بحر البسيط، لأبي سرور الجامعي، عنوانها (نحوية أبي سرور)، وهي أكبر من أرجوزة المحقق الخليلي.

([16]). للاستزادة في النتائج العماني في علوم العربية. ينظر: الدور العماني في خدمة اللغة العربية، ص281.

يسعدنا تقييمك للمقال

تقييم المستخدمون: 4.25 ( 6 أصوات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى