الفقه وأصوله

لماذا يبيح الفقهاء ما كانوا يحرمونه؟

عمر بن أحمد بن حمد الخليلي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد؛

فكثيرًا ما يطرُق الآذان استنكار طائفة من الناس على الفقهاء لإباحتهم أمرًا كانوا يفتون بحرمته، خصوصًا في مستحدثات الأجهزة والاختراعات، فتُحشد التهم حشدًا بناء على هذا الأمر، وتُفرى أُدُمهم بألسنة مذرّبة، فتجد مَن يرمي الفقهاء بالجهل وضيق الأفق، وآخر يتهمهم بالتذبذب، وثالث يضيف تهمة الخوف من كل جديد، ورابع وخامس وسادس…

ولا بد قبل سرد هذه التهم عند هؤلاء من مقدمة طللية يبكي فيها شبابًا ضاع في الريعان، وعُمرًا أُريق بعيدًا عن كثير من ملذّات الحياة كان السبب وراءه فتاوى الفقهاء، التي كانت أرسانًا قيّدت حرّية الناس في حياتهم، ونغّصت عليهم عيشهم.

حتى إذا افتلذ الزمان من الأيام أطيبها، ومن العمر رَيِّقَه، عاد الفقهاء فنقضوا ما بنوا، وغيّروا فتاويهم بعد سنوات ضاعت من أعمار الناس، بل صار هؤلاء الفقهاء أكثر الناس متابعة للجديد، واستعمالًا له، ومضوا كأن شيئا لم يكن!

ويزيد بعضهم في الطنبور نغمة، فيحمّل الفقهاء تخلّف الأمة عن ركب الحضارة، إذ لولا فتاويهم التي حرّمت على الناس كل جديد، والتي قيّدت حرّية الإبداع، لكان الحال غير الذي نراه.

وما ضرَّت كلمة لم يكن لها خواطب، ولا أُرهفت لها أسماع، ولكن هذه الدعوى شاعت بين كثير من الناس، فزادتهم حَنَقًا وبُغضًا لكل من كانت بينه وبين الفقه وشيجة، أو بينه وبين التديُّن سبب.

ولكن؛ قبل الجواب عن هذا الإشكال -وغيره بحول الله- ينبغي التقديم بتقدمة بين يدي الموضوع، يهتدي القارئ بنبراسها، ويَرُدُّ متشابه ما يَرِدُ عليه إلى محكمها، بل أرى أنها أهم من الاشتغال بالجواب عن السؤال الأصلي “لماذا يبيح الفقهاء ما كانوا يحرمون؟” فأقول:

  • اختلاف رأي العالم وتغيُّر اجتهاده ليس أمرًا مذمومًا في أصله، بل هو أمر محمود، وهو دليل على أن العالم يعيد نظره في المسائل، ولا يكتفي بنظره الأول، وهذا في سائر العلوم لا في الشريعة فحسب، ويحضرني هنا ما أوصى به عمر بن الخطاب رضوان الله عليه أبا موسى الأشعري إذ يقول “ولا يمنعنّك من قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه رأيك وهُديت لرشدك، أن تراجع الحق؛ فإن الحق قديم لا يُبطل الحقَّ شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل”[1] وللاجتهاد الشرعي ضوابط تحكمه، فالفقيه لا يجوز له أن يخرج من قول إلى قول بمجرّد التشهّي، ولكن القول في المسائل قد يتغيّر لإعادة نظر الفقيه في أدلة المسألة، أو لتغيُّر شيء من ملابساتها، مما قد يغير المناط الذي عُلِّق عليه الحكم السابق، فتغيُّر الحكم يكون لتغير في نظر المجتهد، أو تغير في النازلة نفسها، وسيأتي شيء من توضيح ذلك.
  • عامة أحكام الشريعة هي من قبيل الثوابت التي لا يؤثر فيها تغيُّر الزمان والمكان، ولا اختلاف عوائد الناس ومصالحهم؛ “لأن الشرع موضوع على أنه دائم أبدي”[2].

أما الأحكام التي تتغير وتتبدل فهي الأحكام المبنية على المصلحة أو القياس، أو العرف والعادة[3].

فالأعم الأغلب من المسائل هي من قبيل الثوابت التي يقلُّ فيها اختلاف رأي العالم، وليس الأمر كما يحلو لأصحاب الدعاوى تصويره، بتكثير المسائل التي تغير فيها رأي بعض أهل العلم، وجعلهم التغير في الفتوى هو الأصل في الأحكام.

وكلامي في أصل الأحكام، أما تحقيق المناط فيدخله التغيير بطبيعة الحال.

  • المتغيرات -لارتباطها بالمصالح والأعراف والعوائد- تنازع العلمانية سلطانها، فهي غالبًا متعلقة بالمعاملات لا العبادات، واعتراض طائفة كبيرة من المعترضين ليس لتغيُّر الرأي في الحقيقة، بل هم يعترضون أصلًا على وجود قول للشرع في هذه المسائل، ويرون في هذا استطالة من الشريعة على نواحي الحياة التي ينبغي ألّا يسوسها إلا النظام العلماني.
  • (الممانعة المجتمعية) -كما يسميها البعض- أمر طبيعي جدًّا فيما لم يألفه الإنسان، وهي ليست حكرًا على الفقهاء -كما يحلو للبعض تصويره- بل في كافة أطياف المجتمع من يتوجّس من بعض المستحدثات، وأضرب على ذلك مثالًا طريفًا بجهاز الهاتف النقال، وأنقل المثال عن رجل بينه وبين المتدينين ما صنع الحداد، وهو غازي القصيبي الذي خاض جولات في مواجهة (أهل الجمود والتعصب) من الملتزمين، يقول “يمثّل الموبايل في رأيي المتواضع بداية ثورة اجتماعية مرذولة.. أي والله مرذولة!”[4].

ولأن البعض قد يعترض على هذا المثال بأنه عربي قد يكون متأثرًا ببيئته، أنقل أمثلة عن الأستاذ أمير بُقطُر -وهو نصراني بالمناسبة-، والذي كتب مقالة نشرت قبل ما يزيد على تسعين عامًا، كان عنوانها (لكل جديد لذعة) ذكر فيها جملة من المستجدات التي وجدت ممانعة مجتمعية قوية في زمانها، ثم إنّ الأيام كانت كفيلة بتغيير النظرة وإذابة الجليد بين المجتمع والمنتج، منها على سبيل المثال:

  • السكة الحديدية: كتب أحد أعضاء البرلمان الإنجليزي في مارس سنة (1825) تعليقا على أول اقتراح في البرلمان لإنشاء أول خط حديدي في إنجلترا يقول:

“لقد اتضح لي في ختام الأمر أن صاحب الاقتراح ذاهب العقل لا مشاحة، فقد كان زبد الغيظ يفور من فمه كما تفور القدور، وهو يقترح إدخال تلك الآلة الجهنمية، ذلك الوحش الضاري، الذي يحمل ثمانين طنا من السلع، ويزعج عباد الله بدخانه الكثيف بين منشستر وليفربول.

والحمد لله، فقد خنق ذلك الشيطان الملعون في مهده، إذ جاءت أصوات الأغلبية الساحقة ضده، وانسحب انسحاب أصحاب الاقتراح غير مأسوف عليهم”

  • استعمال الشوكة والسكين في الأكل: حدث في القرن السابع عشر للميلاد أن رجلا دخل محلًّا حاملًا معه آلة شيطانية، وهي شوكة الأكل المعروفة، ولما أن علم الناس أنه يستعملها لإمساك قطع اللحم بدلا من أصابعه كان موضعًا للهزء والسخرية.

وعُدَّ عمله هذا مجونًا وإهانة للعناية الربانية، وقالوا “كيف يجرؤ امرؤٌ أن يخجل من لمس الطعام بإصبعه؟”

  • لبس النظارات: حينما ظهرت النظارات في إنجلترا تحت إشراف الجمعية الملكية، طعن بعض الغيورين في هذا اللبس الجديد، وقالوا: إنه مفسدة للأخلاق، وأن النظارة تعدم المساواة بين مَن يلبسها ومن لا يلبسها من الرجال، وأضافوا أن المرأة لا يمكنها أن تلبسها لأسباب تتعلق بالجمال والحكمة، وبهذا تعدم المساواة بين الرجل والمرأة.

وأذاع أحد القساوسة المشهورين بيانًا أعلن فيه أن في النظارات اعتداءً جريئا على الأخلاق، لأن فيها قلبًا للحقائق المرئية بالعين المجردة، ووضع الأشياء وضعًا غير طبيعي لما تُشعُّه عليها من الضوء الكاذب[5]

فالممانعة المجتمعية -كما ظهر- سلوك طبيعي شائع في سائر الشعوب والمجتمعات، لا يختص بها الفقهاء عن غيرهم، بل هي ظاهرة تدل على احترام المجتمع لهويته، واستعصائه على الذوبان، وتدل على استقلال المجتمع في حكمه على الجديد الوافد، فلا تقبله لقبول المجتمعات الأخرى، ولا ترفضه لرفضها، بل تترك الأيام لتكشف لها عن حاله فتقبله أو تردّه.

وقد أشار إلى قريب من هذا المعنى محمد كرد علي في سياق مدحه لإنجلترا إذ يقول “وقد اشتهرت إنكلترا بأنها بلد التقليد المستعصية حتى على التبديل اللازم… ولذا رأينا الشعب الإنكليزي قد جالد لأول وهلة ريثما أُدخلت عليه أساليب الارتقاء، حتى المادي منه، فلما دخله صار في لحمه وعظمه.

وهكذا شأن الأمة العظيمة، تتشدد في تقاليدها وتستنكف في الغالب عن قبول كل جديد إلا إذا ثبت لها ما ينقضه ثبوت الشمس والقمر”[6].

  • الظواهر (كظاهرة تخلف الأمة) لا تفسّر بسبب أُحادي، بل تجتمع فيها جملة من العوامل المؤدية إلى التخلف، وحصر التخلف في سبب (تحريم المشايخ) تسطيح ساذج، ومخالفة لأبسط معطيات الواقع، وهذا في كثير من الأحايين حيدة مقصودة عن الأسباب الحقيقية والظاهرة للتخلف، كالاستعمار، والاحتلال، والاستبداد السياسي وغيرها من الأسباب المؤثرة.
  • المجتهد القائل بالتحريم ومقلّده الذي اتبعه ديانة وابتغاء الوصول إلى حكم الله تعالى مأجوران بامتناعهما عمّا ظهر لهما حرمته، بل لا يجوز لهما مخالفته ما لم يظهر الدليل الذي يوجب العدول عن قول إلى قول آخر، و(الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد) كما يقول الفقهاء، والتندُّب والولولة بعد ذلك لفوات مكاسب دنيوية بسبب اتباعهما لهذا القول الذي ظهر بعد ذلك صواب غيره =ليس مشروعًا، بل يحتسب المؤمن الأجر في ذلك.

ولذا؛ يكون سؤال: ما الذي يضمن لنا ألا تتغير أقوال الفقهاء؟ سؤالًا في غير محله، إذ ليس مطلوبًا من العالم أن يبقى على اجتهاد واحد، ولا يؤثر اختلاف اجتهاده على عباداته ومعاملاته السابقة، فتلك لها حكم، وللوقائع والنوازل اللاحقة حكم آخر.

  • لا يؤاخذ الكل بقول البعض: فأصحاب هذه المقالة يصوّرون للناس أن جميع الفقهاء كانوا يقولون بتحريم المستجدات ثم صاروا يفتون بحلّها، والحقيقة أن المحرّمين بعض الفقهاء وليسوا كلهم، بل إن كثيرًا من الفقهاء كان متحرِّزا في فتواه فلم يمنع بإطلاق، بل إن غالب علمائنا في عمان كانوا بعيدين عن التسرُّع في إصدار فتاوى التحريم، ومثال ذلك فتوى سماحة الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري (ت1395هـ) في السينما، مع أن عامة ما يعرض في السينما يحتوي على محرمات مجمع على تحريمها، إلا أنه ضبط فتواه بمحتوى ما يُعرض فيها، فحرّم ما لم ينضبط بأحكام الشرع وجوّز ما عداه[7]، وليس كل من يقول بالتحريم عاد إلى الإباحة، فمنهم من بقي على قوله السابق، وكثير من المتحمسين لتحريم بعض المستجدات ليسوا من أهل الفتوى أصلًا، فأكثر الفتاوى التي تراجع عنها أصحابها في هذا الشأن ليست من جهات رسمية للفتوى ولا من فقهاء معتبرين، بل تجد كثيرًا من الفتاوى المتوسعة في منع بعض المستجدات لتوسُّع أصحابها في مفهوم البدعة -خصوصًا النجديين منهم- قد ردَّ عليهم كثير من أهل العلم من أصحاب المذاهب الأخرى، فلا معنى لتحميل الكل باجتهاد البعض.
  • يذمُّ أصحاب هذه الدعوى الفقهاء لتغيُّر رأيهم، وفي الجانب الآخر يذمون الجمود والتعصب للآراء، فهم يذمُّون الشيء وضدّه، ويكثر بعضهم من الاحتجاج لتغير أحكامه وقناعاته بأن الدنيا تغيرت، ثم إذا غيّر الفقيه قوله لدليل لاح له أو تغير المصالح والمفاسد المتوخاة وفق قواعد وضوابط شنُّوا عليه حملات التشنيع والاتهام، إذًا فالمسألة ليست في التغيُّر ولا في الثبات!
  • يجب ألا نغفل بواعث هذا القول ومراميه التي يرمي إليها: والتي ترجع في جملتها إلى:
  • التشكيك في مرجعية الفقهاء والطعن فيهم: فأصحاب هذه الدعوى يريدون أن يسقطوا المرجعية بالكلية، فهم يستدلون بتغير آراء الفقهاء في هذه المسائل -المحدودة المعدودة- على فساد منهج الاستنباط عندهم جملة وتفصيلًا، وأنه ينبغي تجاوز هذا المنهج إلى مناهج أخرى يختطُّ كل واحد منّا ما يروقه منها، ثم غيّر وبدّل كما تشاء ما دمت تستدل بهواك وإحساسك!
  • الدعوة إلى تعطيل الأحكام الشرعية جملة
  • الدعوة إلى تقبل كل جديد دون تمحيص
  • الندم والتحسر على ما سبق فعله من الطاعات بالامتناع عن المحرمات
  • الموقف السيء من التدين كله[8]

أما بعد هذه المقدمة -الطويلة نسبيًا- فأعود إلى السؤال الأساس، (لماذا يبيح الفقهاء ما كانوا يحرّمونه؟) ولن أجيب عن السؤال بصورته العامة، فالسؤال عام يراد به الخصوص، إذ المراد به إباحة ما كان الفقهاء يحرّمونه من المستحدثات الوافدة، أو غيرها من المستجدات والنوازل، فأقول:

منطلقات التحريم يمكن كسرُها على ستة أسباب[9] هي:

  • غلبة المحرّم على المنتج الجديد: فيكون تحريم هذا المنتج من قبيل سد الذرائع، كما حرّم بعض الفقهاء سابقًا (الدش) ونحوه، إذ كان أغلب ما يبثُّ في هذه المنتجات غير منضبط بالأحكام الشرعية، فلما تغيّر الوضع وفُتحت جملة من القنوات التي تبثُّ الخير، تغير الحكم بذلك، وأمثلة هذا عديدة، وهذا يعكس وجود عقلية مرنة غير جامدة عند المفتي، إذ إنه لم يربط الحكم بأصل الشيء، وإنما جعله مربوطًا بالمصلحة والمفسدة، فمتى غَلَبت المصلحة المفسدة أباح، ومتى كان العكس منع.
  • الممانعة لعدم وجود ما يضمن السلامة في التطبيق: وهذا ما حصل عند بعض المشايخ في مسألة تعليم البنات ونحوها، فهم لا يجدون مانعًا من أصل التعليم، بل قد يحضّ بعضهم عليه ويرى ضرورته، إلا أنه يعلم أنّ الإذن إن جاء فإن التطبيق لن يقف عند حدود ما أُذن به، لعدم أمانة القائم عليه أو نحوه من الأسباب، وهذا السبب (المضمر غالبًا) لا يصرّح به الفقيه في إجاباته، مما يجعل الناس يربطون الحكم بغير علّته، فيظنون التحريم لذات الشيء وليس الأمر كذلك[10].
  • التحريم للمعطيات العلمية: فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، والمفتي قد يفتي بجواز شيء أو حرمته بناء على كلام طبيب أو كلام فلكي أو كلام قانوني، ومثال ذلك الخلاف الذي جاء في بعض المشروبات الغازية التي أفتى بعض أهل العلم بحرمتها لما بلغهم ممن يثقون به من وجود مكونات غير مباحة فيها، وهذا يتغير بتطور المعطيات.
  • المنع لكونها من بلاد المستعمر: فبعض المستحدثات تكون حاملة صبغة أصحابها، ولا يكون النظر إليها من الجانب الاستعمالي البحت، فقد تكون أثرًا لانبهار بالمستعمر أو دلالة على الولاء له، وتحمل شيئا من معاني التبعية، وقد لا يظهر هذا المعنى لمن يعيش في زماننا هذا، فكثير من تلك الفتاوى يزيد عمرها على مائة عام، ولا بد للحكم عليها من النظر في سياقها، سيّما أنها كان تصدر في زمن يجثم فيه الاستعمار على قلب هذه الأمة، فالمنع متوجّه لهذا المعنى، أو لمعنى المقاطعة الاقتصادية، ولا شك أن بتر الصورة من السياق والنظر إليها بعد كل هذه السنوات بدون نظر في سباق ولا لحاق يؤدي إلى نظرة مشوهة وظلم للقائلين بالمنع.
  • التوسع في الحكم على المستحدثات بأنها بدع: وهذا مبني على توسّعهم في مفهوم البدعة، ولستُ هنا لأحرر التعريف الصحيح، ولا لأدافع عمّن وسّع أو ضيّق، وإنما القصد بيان سبب التحريم فحسب.
  • الممانعة المجتمعية: وقد سبق الحديث عنها، غير أنها -كما ظهر- هي أقل الأسباب حضورًا، ولا يعني ذكرها بحال الإقرار بأنها مسوّغ للحكم بحرمة شيء أو حلّه، فالتحسين والتقبيح بالعقل لا يفيد حكمًا، بله التحسين والتقبيح بالذوق أو الحس أو الانطباعات الأولية، وما كان من الفتاوى -على قِلَّتها- مستندًا إلى هذا السبب وحده فهو مرفوض لعدم جريانه على أسس الاجتهاد وقواعده.

ولا يعني ما سبق بيانه موافقة الفقهاء المحرّمين للمستجدات السابقة، فلست هنا لتقرير راجح الأقوال ومرجوحها، فذاك شأن الفقهاء، ولكن ما أردت بيانه أن التشنيع على الفقهاء الذين حرّموا شيئا من المستحدثات بغيٌ وظلم لهم، ودعوى لا سِناد لها ولا عِماد.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)

لتحمـيل البحـث اضغـط هنا

[1] رواه البيهقي (10/135)

[2] الشاطبي، الموافقات (2/491).

[3] د. محمد صدقي آل بورنو، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ص311.

وينظر: مقال (الظنيات بين الثوابت والمتغيرات) د. عمار بن إبراهيم العيسى، العدد الأول من مجلة (رواء)، جمادى الأولى 1441 هـ.

[4] غازي القصيبي، استراحة الخميس، ص140.

[5] ينظر مقال أمير بقطر في كتاب محمد طاهر الكردي المكي، التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم (3/105-113)

وقد اختصرت ما ذكره خشية الإطالة، وإلا فالأمثلة التي ذكرها كثيرة جدًا، كمعارضة استعمال التدفئة وأنابيب الماء وتشييد المنازل العالية، ومعارضة البنطلونات وأحواض الاغتسال، والمطابع، وأكل الملح والموز والبطاطس والطماطم، وقبول البنات في المدارس، واستعمال الكهرباء، واستعمال السيارات، والمظلات الشمسية والصابون، وبناء برج إيفيل بباريس، ولله في خلقه شؤون وأي شؤون!

[6] محمد كرد علي، غرائب الغرب، ص82، ط أضواء السلف، وهذه الأمثلة في الممانعة المجتمعية -وغيرها من الأفكار في ثنايا المقال- مستفادة من الأستاذ بدر الثوعي في كلام له بعنوان (نقض دعوى عداوة الإسلاميين للمخترعات الحديثة)

[7] الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري، موسوعة آثاره، مج 3 (ج5/124)

[8] عبد الله العجيري وفهد العجلان، زخرف القول، ص307-313 بتصرف واختصار.

[9] هذا حصر أولي يمكن التعديل عليه بالزيادة أو النقص.

[10] ولهذا أمثلة في المدونات الفقهية، كما يذكر أصحابنا حكم النظر إلى نساء تهامة، ويذكر بعض المشارقة حكم الصلاة في سطح مسجد البياضة، مما قد يوهم القارئ أن الحكم معلّق بذات الشيء لا لسبب عارض.

وينظر كذلك: مقال (تحريم المرقوق ورياضة البنات: المضمر في فتاوى التحريم) لعبد الله الوهيبي

يسعدنا تقيمك لهذا المقال

تقييم المستخدمون: 4.29 ( 13 أصوات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى