كل ما يدخل الجوف أو يخرج من الجسم على الغلبة لا يفسد الصيام([1])

عزان بن سعيد بن سيف الخوالدي
الدخول يختلف عن الإدخال, فالدخول هو كل عين وصلت من الظاهر إلى الباطن, كالذباب والدخان والتراب ونحو ذلك مما لا تسبب من الصائم في دخولها, أما ما يدخله الإنسان بنفسه عمدا أو خطأ أو نسيانا فهو يسمى إدخالا, وكذا الإخراج والخروج أيضا, فما يخرج بنفسه من غير تدخل ومعالجة سمي خروجا, وما يخرجه الإنسان بنفسه سمي إخراجا, فالإخراج لا يكون إلا عن تسبب والخروج يكون بلا تسبب, ففرق بيبهما, وفي هذا الضابط سيكون الحديث عما يدخل إلى الجوف أو يخرج من الجسم على سبيل الغلبة.
الأمر الأول: شرح الضابط:
المراد بهذا الضابط أن ما يدخل إلى الجوف على سبيل الغلبة كدخول الذباب ونحو ذلك مما لا يمكن دفعه فإنه لا يفسد الصيام([2]), لما سيأتي من أدلة على ذلك, وكذا الحال فيما يخرج من الجسم غلبة فإنه لا بأس على الصائم في صومه([3]).
الأمر الثاني: أدلة الضابط:
الأصل هو عدم النقض إلا بدليل, ولا يوجد دليل يدل على أن ما يدخل الجوف أو يخرج من الجسم على الغلبة يفسد الصيام.
كما يمكن أن يستدل له بالأدلة العامة في رفع الحرج والمشقة عن الإنسان, فالدين يسر والأدلة في ذلك متظافرة كقول الله تعالى: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ”(الحج:78), وقوله في آية الصوم: “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” (البقرة:185), والاحتراز عما لا يمكن دفعه شاق على الإنسان فمن هنا جاء التيسير([4]).
كما أن الغلبة أعذر من النسيان, فإذا كان النسيان معفوا عنه بنص الحديث كما تقدم, فالمغلوب على أمره أعذر من الناسي, فمن باب أولى أن يقال بعدم فساد صومه([5]).
أما القيء ففيه دليل خاص وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ ذَرَعَهُ القَيْءُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ”([6])فمن ذرعه القيء فلا فساد عليه بنص الحديث([7]).
الأمر الثالث: تطبيقات الضابط:
- الدخان أو التراب الداخل إلى الجوف على الغلبة لا يفسد الصوم؛ لأن ما يدخل على الغلبة لا بأس به فهو دخول لا إدخال, والنقض في الإدخال لا الدخول([8]).
- من يعالج دقيقا أو نحوه فدخل شيء منه إلى جوفه غلبة فلا بأس عليه؛ لأنه مغلوب وليس اختيارا منه, ويستحب له أن يتقنع, فإن لم يتقنع فلا بأس عليه إن دخل شيء([9]).
هكذا أورد هذا الفرع الإمام السالمي والجيطالي صاحب قواعد الإسلام, ويبدو أن الاستحباب لكونه قاصدا معالجة الدقيق ويتوقع دخول شيء منه إلى حلقه, فحاله ليس كحال من يدخل الذباب أو الدخان جوفه, فدخول مثل هذه الأشياء غير متوقع, أما دخول الدقيق فمتوقع؛ لذلك استحب له أن يتقنع, ولو قيل بوجوب التقنع لم يبعد إن كان التقنع لا حرج ولا مشقة فيه, لاسيما إن كان المعالج يعرف بأن الدقيق داخل لا محالة إلى الجوف بسبب هذه العملية, فالقول بالوجوب أحوط للمعالج ليحافظ على صومه.
بل يقرب هذا الأمر من الإدخال أي كأنه يدخله بنفسه, لأنه أقدم على معالجة الدقيق بنفسه مع توقعه دخول شيء منه إلى الجوف بنسبة كبيرة فهذا يقرب من الإدخال.
- من صُبَّ في حلقه ماء وهو نائم فلا بأس عليه؛ لأنه غير مختار في ذلك, فهو إدخال من غيره, أما بالنسبة إليه فهو دخول على الغلبة وليس إدخالا([10]).
- من غلب عليه المني في اليقظة، فاندفع بغير تسبب من لمس أو نظر أو تشه فإنه لا فساد عليه أيضا؛ لأنما الفساد في إخراجه لا في خروجه، والإخراج لا يكون إلا عن تسبب، والخروج يكون بلا تسبب([11]).
لكن على هذا المغلوب أن يسارع إلى الغسل فورا؛ لأن الطهارة من الجنابة شرط لصحة الصوم كما تقرر سابقا في ضابط “لا صوم لمحدث حدثا أكبر“.
- من احتلم في النهار وهو صائم فإنه لا فساد عليه بذلك, فخروج المني من غير تسبب منه([12]).
- من عبثت بذكره زوجته نهارا وهو نائم حتى أمنى فليس عليه إلا الغسل, فهو بمنزلة من أجنب وهو نائم, فبالنسبة له خروج لا إخراج([13]).
لتحميل المقال اضغط هنا
([1]) هذا هو الضابط الثامن من ضوابط الصيام عند الإمام السالمي من كتاب معارج الآمال.
([2]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص271, والجيطالي, قواعد الإسلام, مرجع سابق, ج2, ص89.
([3]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص277.
([4]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص45.
([5]) انظر: المرجع السابق, ج8, ص271.
([6]) الترمذي, سنن الترمذي, مرجع سابق, رقم الحديث: 720, ج3, ص89.
([7]) انظر: الجيطالي, قواعد الإسلام, مرجع سابق, ج2, ص86.
([8]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص371.
([9]) انظر: المرجع السابق, ج8, ص271, والجيطالي, قواعد الإسلام, مرجع سابق, ج2, ص89.
([10]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص272.
([11]) انظر: المرجع السابق, ج8, ص277.
([12]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص277.
([13]) انظر: المرجع السابق, ج8, ص273.