الكتب والتراجم

قبسات في منهج طلب العلم: (مختارات من كلام الخليل بن أحمد ومواقفه)

إبراهيم بن عبدالله بن سالم آل ثاني

للخليل مواقف عظيمة وعبارات شريفة في الأخلاق والآداب والحكم، غير ما نذكره هنا، تدل على كرم معدنه، وشرف منزلته، وعلو قدره، في الديانة والأخلاق والعلم، ولا تجتمع هذه الثلاثة إلا فيمن وفقهم الله لهذه المكانة الرفيعة وميزهم على خلقه بهذه المنن العظيمة، وشملتهم عنايته وألطافه، وحفهم بكرمه ورعايته، وحسبك أن قيل فيه: “كان الخليل أعلم الناس وأذكاهم، وأفضل الناس وأتقاهم، وكانوا يقولون: لم يكن بعد الصّحابة أذكى من الخليل، ولا أجمع لعلم العرب”([1]).

  • اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عَملي * ينفعك عِلْمي، ولا يضررْك تَقْصيري([2]).
  • “زَلَّة العالِم مَضْروبٌ بها الطَّبْل”([3]).
  • “إذا نسخ الكتاب ثلاث مرار تحول بالفارسية”، قال أبو يعقوب يعنى يكثر سقطه ([4]). “إذا نسخ الكتاب ثلاث مرات، ولم يقابل انقلب بالفارسية”([5]).
  • قال الخليل: وجدت في بعض كتب العلماء: من أظهر حياء في التماس العلم، وقعد عنه؛ لَبِس الجهل، وتقنَّع قناع السَّفَه، ومن امتدت له أيامه في غُلَواء جهله حُشِر يوم القيامة أعمى ([6]).
  • وقال: “إني أدركتُ بعضَ ما أنا فيه من العلم باطِّراح الحِشْمة بيني وبين المعلمين، وبإلقائي الستر بيني وبين الذين كنت ألتمس ما عندهم”([7]).
  • “ومَن رَقَّ وجهُه عن طلب العلم؛ رقَّ علْمه. ووجدت الرقة في التماس العلم سفَها يدعو إلى سفاهٍ، وكلٌّ يدعو إلى ضلال”([8]).
  • “تربَّع الجهلُ بين الحياء والكِبْر في العلم”([9]).
  • “نوازع العلم بدائع، وبدائع العلم مسارح العقل، ومَن استغنى بما عنده جَهِل، ومَن ضمَّ إلى علمه علمَ غيره كان من الموصوفين بنعت الرَّبَّانيِّين”([10]).
  • “إذا أردت أن تعلم العلم لنفسك فاجمع من كلّ شيء شيئا، وإذا أردت أن تكون رأسا في العلم فعليك بطريق واحد”([11]).
  • “اجعل ما في كتبك رأس مالك، وما في صدرك للنفقة”([12]).
  • “كنت أخرج من منزلي فألقى رجلا من أربعة: رجلا أعلم مني فهو يؤم فائدتي، ورجلا مثلي فهو يؤم مذاكرتي، ورجلا متعلما مني فهو يؤمّ ثوابي، ورجلا دوني في الحقيقة، وهو يرى أنه فوقي ويحاول أن يتعلم مني وكأنه يعلمني فذاك الذي لا أكلمه ولا أنظر إليه”([13]).
  • “الرجال أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عالم فاتبعوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذاك غافل فنبهوه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذاك جاهل فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك مائق فاحذروه”([14]).
  • وقال الأصمعىّ: قال الخليل بن أحمد: العلوم أربعة؛ فعلم له أصل وفرع، [وعلم له أصل ولا فرع له، وعلم له فرع] ولا أصل له، وعلم لا أصل له ولا فرع. فأما الذى له أصل وفرع فالحساب؛ ليس بين أحد من المخلوقين فيه خلاف، وأما الذى له أصل ولا فرع له فالنجوم؛ ليس لها حقيقة يبلغ تأثيرها فى العالم- يعنى الأحكام والقضايا على الحقيقة- وأما الذى له فرع ولا أصل له فالطبّ؛ أهله منه على التجارب إلى يوم القيامة، والعلم الذى لا أصل له ولا فرع فالجدل. قال أبو بكر الصّولى: يعنى الجدل بالباطل([15]).
  • “لاَ يَعرِفُ الرَّجُلُ خَطَأَ مُعَلِّمِهِ حَتَّى يُجَالِسَ غَيْرَه”([16]).
  • وقال المبرّد: جلس رجل إلى الخليل بن أحمد فقال: أحسبني قد ضيَّقْتُ عليك. فقال له: لا تقل ذلك؛ فإن شِبرًا من الأرض لا يَضيق على المتحابَّين، والأرض برُحْبِها لا تَسَعُ متباغضيْن([17]).
  • كان عبد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة يأتي جارا له يقول بالنجوم، فدخل قلبه شيء، فجاء الخليل فسأله، فقال له الخليل: أخبرني عن الحاء من أين مخرجها؟ قال: من الحلق. قال: فأخبرني عن الباء من أين مخرجها؟ قال: من طرف اللسان. قال: أفتقدر أن تخرج هذه من مخرج تلك؟ قال: لا. قال: قم فإنك مائق، ثم أنشأ يقول

أبلغا عني المنجم أني … كافر بالذي قضته الكواكب

عالم أن ما يكون وما كا … ن فحتم من المهيمن واجب([18])

  • وكان الخليل يحب أن يرى عبد الله بن المقفع، وكان عبد الله يحب ذلك، فجمعهما عبّاد بن عبّاد المهلبي فتحادثا ثلاثة أيام ولياليهن، ثم افترقا. فقيل للخليل: كيف رأيت ابن المقفع؟ فقال: ما رأيت مثله قط، وعلمه أكثر من عقله. وقيل لابن المقفع: كيف رأيت الخليل؟ فقال: ما رأيت قط مثله، وعقله أكثر من علمه ([19]).
  • “إني لأغلق عليّ بابي فما يجاوزه همي”([20]).
  • عن النضر بن شميل أنه قال: كنا نميّل بين ابن عون والخليل بن أحمد أيهما نقدّم في الزهد والعبادة فلا ندري أيهما نقدم. وكان يقول: ما رأيت رجلا أعلم بالسنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد. وكان يقول: أكلت الدنيا بعلم الخليل بن أحمد وكتبه، وهو في خصّ لا يشعر به ([21]). وكان يحجّ سنة ويغزو سنة ([22])، وكان من الزهاد المنقطعين إلى الله تعالى([23]).
  • وكان يقول: إن لم تكن هذه الطائفة [يعني أهل العلم] أولياء الله تعالى فليس لله وليّ ([24]).
  • وضع عيسى بن عمر كتابين في النحو سمّى أحدهما «الجامع» والآخر «المكمل» فقال الخليل بن أحمد:

بطل النحو جميعا كله … غير ما أحدث عيسى بن عمر

ذاك إكمال وهذا جامع … فهما للناس شمس وقمر ([25]).

  • قَالَ أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ: كَانَ الخَلِيْلُ إِذَا أَفَادَ إِنْسَاناً شَيْئاً، لَمْ يُرِهِ بِأَنَّهُ أَفَادَه، وَإِنِ اسْتفَادَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، أَرَاهُ بِأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْهُ([26]).
  • وقيل إنه دعا بمكة أن يرزق علما لم يسبقه إليه أحد، ولا يؤخذ إلا عنه، فرجع من حجّه، ففتح عليه بالعروض ([27]).
  • وقال تلميذه النضر بن شميل: أقام الخليل في خص من أخصاص البصرة لا يقدر على فلسين، وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال([28]).
  • وكان يقول: أكمل ما يكون الإنسان عقلاً وذهناً إذا بلغ أربعين سنة، وهي السن التي بعث الله تعالى فيها محمداً صلى الله عليه وسلم، ثم يتغير وينقص إذا بلغ ثلاثاً وستين سنة، وهي السن التي قبض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصفى ما يكون ذهن الإنسان في وقت السحر([29]).
  • حدث النضر بن شميل قال: كان أصحاب الشعر يمرون بالخليل فيتكلمون في النحو، فقال الخليل: لا بدّ لهم من أصل، فوضع العروض. وخلا في بيت، ووضع بين يديه طستا أو ما أشبه الطست، فجعل يقرعه بعود ويقول: فاعلن مستفعلن فعولن، قال: فسمعه أخوه، فخرج إلى المسجد، فقال إن أخي قد أصابه جنون، فأدخلهم عليه وهو يضرب الطست، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، ما لك؟ أصابك شيء؟ أتحب أن نعالجك؟ فقال: وما ذاك؟ قالوا: أخوك زعم أنك قد خولطت، فأنشأ يقول:

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني … أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا

لكن جهلت مقالتي فعذلتني … وعلمت أنك جاهل فعذرتكا ([30])

ورويت القصة أيضا عن ولد له، كما في نزهة الألباء ووفيات الأعيان؛ جاء في الأخير: ويقال إن الخليل كان له ولد مختلف، فدخل على أبيه يوماً فوجده يقطع بيت شعر بأوزان العروض، فخرج إلى الناس وقال: إن أبي قد جن، فدخلوا عليه وأخبروه بما قال ابنه، فقال مخاطباً له:

لو كنت تعلم ما أقول … إلخ ([31])

  • ويحكى أنه [أي الأصمعي] أراد أن يقرأ عليه العروض وشرع في تعلمه فتعذر ذلك عليه، فيئس الخليل منه، فسأله عن معصوب الوافر، فقال له: يا أبا سعيد، كيف تقطع قول الشاعر:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه … وجاوزه إلى ما تستطيع

فعلم الأصمعي أن الخليل قد تأذى ببعده عن علم العروض، فلم يعاوده فيه([32]).

  • وكان سبب موته أنه قال: أريد أن أقرّب نوعا من الحساب تمضى به الجارية إلى البقّال، فلا يمكنه ظلمها، ودخل المسجد، وهو معمل فكره في ذلك، فصدمته سارية، وهو غافل عنها بفكره؛ فانقلب على ظهره، فكانت سبب موته. وقيل: بل كان يقطّع بحرا من العروض. والله أعلم أيّ الأمرين كان ([33]).

لتحميل المقال اضغط هنا


([1]) معجم الأدباء: الحموي، 3/1263.

([2]) طبقات النحويين واللغويين: محمد بن الحسن بن الزبيدي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، ط2، ص47. معجم الأدباء: الحموي،  3/1267.

([3]) طبقات النحويين واللغويين: الزبيدي، ص48.

([4]) المنتخب من ذيل المذيل: محمد بن جرير بن يزيد ، أبو جعفر الطبري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان ص151.

([5]) معجم الأدباء: الحموي، 3/1286.

 ([6]) طبقات النحويين واللغويين: الزبيدي، ص48.

([7]) طبقات النحويين واللغويين: الزبيدي، ص48.

([8]) طبقات النحويين واللغويين: الزبيدي، ص48.

([9]) طبقات النحويين واللغويين: الزبيدي، ص49.

([10]) طبقات النحويين واللغويين: الزبيدي، ص49.

([11])معجم الأدباء: ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1:  1414هـ/1993 م، 1/20.

([12]) معجم الأدباء: الحموي، 2/886.

([13])معجم الأدباء: الحموي،  3/1264.

([14])معجم الأدباء: الحموي،  3/1264.

([15]) إنباه الرواة: القفطي، 1/377. سير أعلام النبلاء: الذهبي، 7/421.

([16]) سير أعلام النبلاء: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، مجموعة من المحققين بإشراف شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط3: 1405 هـ / 1985 م، 7/431. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان البرمكي، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر – بيروت، 2/245.

([17]) طبقات النحويين واللغويين: الزبيدي، ص48. والقصة أيضا بلفظ قريب في معجم الأدباء للحموي، 3/1269، وفي إنباه الرواة 4/33 ووفيات الأعيان 6/184.

([18]) معجم الأدباء: الحموي،  3/1265. والبيتان ذكرهما عنه أيضا الزبيدي في طبقات النحويين ص47.

([19]) معجم الأدباء: الحموي،  3/1268. وذكر القصة قبله مختصرة الزبيدي في طبقات النحويين ص49. وهي أيضا في إنباه الرواة للقفطي 1/380، وفي سير أعلام النبلاء للذهبي 6/209.

([20]) معجم الأدباء: الحموي،  3/1269. معجم الأدباء: الحموي،  3/1269. إنباه الرواة: القفطي، 1/380. وفيات الأعيان: ابن خلكان، 2/245.

([21]) نزهة الألباء للقفطي، ص47.

([22]) كذا، وهو بعيد!

([23]) معجم الأدباء: الحموي،  3/1271.

([24]) أخبار النحويين البصريين: السيرافي، ص31. معجم الأدباء: الحموي،  3/1271. إنباه الرواة: القفطي، 1/379.

([25]) طبقات النحويين واللغويين: الزبيدي، أخبار النحويين البصريين: الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي.تحقيق: طه محمد الزيني، ومحمد عبد المنعم خفاجي، مصطفى البابي الحلبيط: 1373 هـ – 1966 م، ص26. معجم الأدباء: الحموي، 5/2141. إنباه الرواة للقفطي، 2/375. وذكرهما أبو طاهر البزار في أخبار النحويين من غير أن ينسبهما إلى الخليل، أخبار النحويين: أبو طاهر، عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبى هاشم البزار، مجدي فتحي السيد، دار الصحابة للتراث – طنطا، ط1: 1410 هـ، ص20.

([26]) سير أعلام النبلاء: الذهبي 7/431. قال الذهبي: “قلت: صار طوائف في زماننا بالعكس”.

([27]) إنباه الرواة: القفطي، 1/377.

([28]) إنباه الرواة: القفطي، 1/380. وفيات الأعيان: ابن خلكان، 2/245. وهو في معجم الأدباء للحموي من غير ذكر النضر بن شميل 3/1269.

([29]) وفيات الأعيان: ابن خلكان، 2/245.

([30]) معجم الأدباء: الحموي،  3/1269.

([31]) وفيات الأعيان: ابن خلكان، 2/248. والبيتان ذكرهما له أيضا السيرافي في أخبار النحويين البصريين ص32. والقصة أيضا مع ولد له في نزهة الألباء ص45.

([32]) نزهة الألباء: الأنباري، ص92. وذكر القصة ابن خلكان في وفيات الأعيان، عن رجل ولم يذكر أنه الأصمعي، 2/248. وكذلك ابن كثير في البداية والنهاية، 10/161.

([33]) إنباه الرواة على أنباه النحاة: أبو الحسن علي بن يوسف القفطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي – القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية – بيروت، ط1: 1406 هـ – 1982م، 1/377. وفيات الأعيان: ابن خلكان، 2/248.

يسعدنا تقييمك للمقال

تقييم المستخدمون: 3.75 ( 4 أصوات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى