الفقه وأصوله

فائدة من مجالس العلم: تصحيح وشرح لأبيات في بعض الأوزان والمقادير لشيخنا  حمود بن حميد الصوافي ([1])

إبراهيم بن عبدالله بن سالم آل ثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه من والاه، أما بعد:

ففي زيارة لشيخنا الجليل المربي حمود بن حميد الصوافي لولاية الحمراء يوم الخميس، 28 جمادى الأولى 1436هـ، الموافق له  19/3/2015م([2])، وفي إحدى الجلسات كنت أقرأ له من كتاب الموسوعة العمانية، المجلد الرابع، والموسوعة كما هو معلوم مرتبة ترتيبا معجميا أبتثيا في مواضيعها، فكانت القراءة في مواضيع الكلمات التي تبدأ بحرف الخاء، وكان الشيخ يتجاوز بعض المواضيع التي لا تعنيه، ثم مرت ترجمة الشيخ “خلف بن عبد الله العبري، (ق11-12هـ/ 17-18م)، فقيه وناظم وشاعر، ولد ونشأ في الرستاق، تعلم على يد والده، ولا تذكر المصادر له شيخا آخر، له مجموعة من القصائد والمنظومات العلمية، منها منظومة فيما يجب للزوجة والمطلقة من النفقة، مطلعها:

أتت تتثنى كالردينية السمر      وترفل في برد من السندس الخضر

تمايسُ في أترابها فكأنها     هلال تجلى بين أنجمه الزهر

وله قصيدة في معرفة الأوزان والمكاييل منها:

الرطل سبعون مثقالا وأربعة    واثنان أما منا نزوى فرطلان

ونصف مثقالنا المعروف درهمنا     وخمسة ما سرت إبل بركبان”([3]).

فلما بلغت القراءة هذا الموضع طلب الشيخ تكرار البيتين، ثم تأملها، وذكر ما فيهما من مسألة ضبط المقادير، فوجد فيهما خطأين، الأول: (سبعون) والصحيح (تسعون)، والثاني: (وخمسة) والصحيح (وخُمْسُهُ) ([4])، فأصبح الضبط الصحيح للبيتين هكذا:

الرطل تسعون مثقالا وأربعة     واثنان أما منا نزوى فرطلان

ونصف مثقالنا المعروف درهمنا    وخُمْسُهُ ما سرت إبل بركبان

ثم أمرني بتقييدهما وضبط كتابتهما على ما صححه.

وقبل أن أتمم الفائدة بذكر معناهما وشرح الشيخ لهما، ألفت النظر إلى بعض الفوائد المستفادة من هذا الموقف بإجمال:

  • ينبغي أن تكون قراءة القارئ قراءة تمعُّنٍ وفهم، لا قراءة مرور وتخلص، وهذا ما يظهر اليوم من قراءاتنا السريعة التي نعتني فيها بمقدار ما ننهيه من صفحات وكتب، والذي ينبغي أن يكون اعتناؤنا به هو الاستيعاب الحقيقي للمسائل وإدراك معانيها ولوازمها وشبكة تعلقاتها مع ما مر علينا من مسائل، وبهذا يقوى الفكر وتتبين الحقائق، أما ظاهرة جرد الكتب من غير تفهّم وهي القراءة التي تفشت اليوم فهي إلى صناعة الجهل المركب أقرب منها إلى تحصيل العلم لا سيما إن صحبها اعتداد بالنفس واغترار بالإنجاز الوهمي وتمسك بالخواطر من الأفكار الباطلة واستكبار عن قبول الحق.
  • وإذا التزم القارئ بتفهم ما يقرأه فإن هذا سيثمر له أن يستطيع تصحيح المقروء وإدراك ما فيه من أخطاء في الطباعة أو في أفكار الكاتب، أو الوقوف –على الأقل- على الإشكالات الموجودة في المكتوب.
  • على القارئ أن يقصد إلى قراءة ما يفيده ويعتني به مما هو بصدده، لا أن يقرأ كل ما يمر عليه وإن لم يفهمه أو لم تكن له به عناية وإنما يقرأه كي لا يكون نقص شيئا من الكتاب لم يمر عليه، وهذه الفكر راجعة إلى معيار القراءة لدى القارئ، والأصل أن يكون معياره فيما يقرأه الفائدة والثمرة، لا إكمال كتاب أو سلسلة كتب أو نحو ذلك.
  • ينبغي للقارئ أن يصطحب في قراءته أدوات ووسائل تعينه على ضبط المقروء وفهمه إن كانت غايته التعلم الحقيقي والفهم، ومن ذلك تقييد ما يحتاج إلى تقييده، وحفظ ما ينبغي حفظه من القواعد والأمثلة والنكت والتنبيهات بحسب ما يتطلبه الحال في تقديره.
  • ينبغي التثبت من دقة ضبط الكتب غير المحققة من كتب التراث، بل والمحققة منها أيضا([5])، وكذلك ما نقل منها لا سيما إن نقله غير متخصص في ذلك الفن.

وبعد هذه اللفتات نعود إلى أصل المسألة وهي معنى البيتين، وبعدهما بيتان آخران وجدتهما ضمن فوائد ذكرها شيخنا المربي في دروس الزكاة المفرغة ([6])، والأبيات الأربعة مذكورة أيضا في إتحاف الأعيان للشيخ البطاشي، ولا تخلو هي أيضا في المطبوع منه من أخطاء ([7])؛ والأبيات مصححة هي:

الرطل تسعون مثقالا وأربعة     واثنان أما منا نزوى فرطلان

ونصف مثقالنا المعروف درهمنا     وخُمْسُهُ ما سرت إبل بركبان

وسبعة من مثاقيل ثمانية   من الدراهم يا ذا اللب واثنان

أما الكياس فقد قالوا ثمانية    من المثاقيل فاصفح صاح تبياني

 ففيهما ضبط أربعة مقادير؛ وهي: الرطل، ومنا نزوى، والدرهم، والكياس؛ وضبط مقاديرها مستفادا من كلام شيخنا الصوافي كالآتي:

  • أولا: الرطل يساوي 96 مثقالا، وهو مجموع ما ذكره الشيخ العبري بقوله: (الرطل تسعون مثقالا وأربعة واثنان) أي ستة وتسعون مثقالا.
  • ثانيا: منا نزوى يساوي رطلين، والمنا بمعنى المنّ، وهي اللغة المشهورة بعمان، جاء في تهذيب اللغة للأزهري (ت 370هـ): “المَنّ، لُغَة فِي (المَنَا)، الَّذِي يُوزن بِهِ. وَجمعه: أَمْنان. وَمن قَالَ (مَنَا)، جمعَه: أَمْنَاء”([8]).
  • ثالثا: الدرهم يساوي سبعة أعشار المثقال، وهو معنى البيت الثاني:

ونصف مثقالنا المعروف درهمنا … وخُمْسُهُ ما سرت إبل بركبان

فـ(درهمنا) مبتدأ وخبره (نصف مثقالنا)، و(خُمْسُهُ) معطوف على الخبر، فترتيب البيت نثرا هكذا: ودرهمنا نصف مثقالنا المعروف وخمسه، ومجموع النصف والخمس سبعة أعشار، أي إن كل عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل، وهذا هو معنى البيت الثالث:

وسبعة من مثاقيل ثمانية   من الدراهم يا ذا اللب واثنان

فسبعة مثاقيل تساوي ثمانية من الدراهم واثنان منها أي عشرة من الدراهم.

  • رابعا: الكياس يساوي ثمانية مثاقيل، والمراد بالكياس هنا كياس منّ نزوى، ومنّ نزوى 24 كياسا، والكياس 8 مثاقيل، وفيه احتراز عن كياس منّ مسكد لأنه 40 مثقالا.

هذا بيان معنى الأبيات، وأختم بنصٍّ لشيخنا المربي –حفظه الله- فيه ضبط مقدار الرطل، والصاع، ومن نزوى، وغير ذلك، من دروسه في زكاة الثمار؛ قال:  “اختلف العلماء في وزن الرطل إلى أقوال متعددة كثيرة، لكننا نذكر منها المعتبر عند الأصحاب [وهو أن الرطل ستة وتسعون مثقالا، وأما الصاع]، فقد ضبطه الإمام أبو سعيد – رحمة الله عليه –  حيث قال : “إن الصاع ثلاثة أمنان إلا ثلث” اهـ. والمراد بالمن الذي يذكره هنا هو من نزوى الذي يساوي أربعة وعشرين كياسا، والكياس ثمانية مثاقيل  24 (كياس )× 8 (مثاقيل)= 192 مثقالا، والمثقال أربعة جرامات.

192(مثقال) ×4 (جرامات) = 768 جراما، إذاً مَنْ نزوى يساوي سبعمائة وثمانية وستين جراما.

وضبط المحقق الخليلي – رحمة الله عليه – الصاع بالقروش التي كانت تستعمل سابقا في عمان حيث قال:

من شاء تحرير الصواع وضبطه    بالقرش وزنا باعتبار فاشي

سبعون قرشا بعدهن ثلاثــة    منها ومثقال بحب الماش ([9])

والفرضَ زده من قروش تسعةً    أيضا ومثقالا بلا استيحاشِ

فتتم مثقالان مع قرشيـــن     مكملة ثمانين من الأقـراش

والله فاشكره على نشر الهدى    منه وكن لله ربك خاشــي

 إذا مقدار الصاع بالقروش يبلغ ثلاثة وسبعين قرشا، ومثقالا، والقرش سبعة مثاقيل، وعليه فيكون مقدار الصاع بالمثاقيل (73 قرشا×7مثاقيل) + مثقال =512 مثقالا، والمثقال أربعة جرامات، إذا مقدار الصاع بالجرام يساوي 512 مثقالا ×4 جرامات =2048 جراما.  فعلى ما قرره الإمامان أبو سعيد والخليلي -رحمة الله عليهما- يكون الصاع كيلوين وثمانية وأربعين جراما([10])، وقال الشيخ السالمي -رحمة الله عليه- بعد أن ذكر كلام المحقق الخليلي: “والمعتبر عندنا ما ضبطه المحقق الخليلي، وعليه فيكون الصاع إحدى عشرة رُبعة إلا سبعة عشر مثقالا بوِزان الشرقية، فإن الرُّبعة عندهم سبعة قروش إلا مثقالا والقرش سبعة مثاقيل، وهذا في تمر الساير([11]) وأما الفرض فإنه يزاد لكونه أثقل في الوزن فيكون اثنتي عشرة رُبعة إلا مثقالا، وجعل محمد بن عبد الله ابن مدَّاد مثل الفرض البلعق والصرفان” اهـ. قال شيخنا الخليلي أبقاه الله: “والرَّطل البغدادي هو نصف مَنٍّ مِن أمنان نزوى التي كانت متداولة أولا بعمان”.

فعلى ما ضبطه المحقق الخليلي وذكره الإمام أبو سعيد واعتبره الإمام نور الدين السالمي وأجاب به شيخنا الخليلي أبقاه الله يكون الصاع = كيلوين وثمانية وأربعين جراما. وعلى هذا يكون نصاب الثمار 300(صاع) ×2048(جرام) =614.400 ستمائة وأربعة عشر كيلو وأربعمائة جرام، وهذا في الساير أما الفرض وما شابهه فإنه أثقل ويكون نصابه 691.200 ستمائة وواحدا وتسعين كيلو ومئتي جرام”.

  • فائدة أخرى([12]):

قال الشيخ عامر بن خميس المالكي في ضبط الصاع:

وإن ترد تحرير صاع الشرع    بالقرش الِفرنسي بحسب الوسع

فهو ثلاثة وسبعون تعدّ    منها ومثقال إذا الوزن يحدّ

وهذه أوزانها منّان    وثلثا منّ مع الوزّان

وذاك عندنا بمنِّ نزوى   ويعرف اليوم بمنّ الحلوى

وفي هذه الأبيات ذكر الشيخ المالكي فائدة لم تذكر في أبيات المحقق الخليلي وهي أن 73 قرشا ومثقالا المساوية للصاع تساوي منين وثلثي مَنٍّ مِنْ أمنان نزوى، وفي أبيات المحقق فائدة لم تذكر فيه الأبيات وهي وزن نصاب تمر الفرض.

لتحميل المقال اضغط هنا


([1]) التعليقات في الهوامش أرقام (4، 8، 9، 10) تفضل بها الأخ الأزهر بن يوسف الراشدي جزاه الله خيرا.

([2]) ذكرني بتفاصيل هذه الزيارة وما كان فيها وقوفي على بعض مقاطعها المسجلة في اليوتيوب وهي منشورة في قناة الحمراء الثقافية، ومنها الجلسة التي كانت فيها قراءة هذه الأبيات، وضبطت التاريخ بحسب ما ذكر في التعريف بالمقطع.

 ([3]) الموسوعة العمانية، ، وزارة التراث والثقافة، مسقط، سلطنة عمان، ط1: 1434هـ/2013م، حرف الخاء، ص1297.

([4]) وسبب الخطأ –كما هو ظاهر- تشابه الحروف وغياب الشكل.

([5]) لما قرأت الجملة السابقة أضاف الشيخ حفظه الله هذا المعنى، وذكر أمثلة من الأخطاء العلمية في بعض الكتب المحققة.

([6]) دروس مفرغة في الزكاة، اعتنى بها غسان الحبسي، ص76.

([7]) إتحاف الأعيان في تاريخ بعض علماء عمان، للشيخ سيف بن حمود البطاشي، ج3 ص133، ط3: 1431هـ/2010م، مكتب المستشار الخاص.

([8]) تهذيب اللغة: محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور، باب النون والميم.

([9]) نوع من أنواع البقول يسمى عند العمانيين المنج.

([10]) وقد وافق هذا المقدار وهو 2048 جم ابن عاشور صاحب التحرير كما ورد في مجموع مقالاته ج2 ص945، وقد جرب ذلك بحب الشعير والمحقق جربه بحب الماش، فكلاهما جربا ضبط الصاع فاتفقا في النتيجة مع اختلاف مادة التجربة.

  • بعد أن قرأت على الشيخ هذه الفائدة –وقد اطلع عليها سابقا- أمرني بالبحث عنها في الكتاب، فقرأتها عليه من كتاب جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور ج2 ص945 من نسخة إلكترونية بصيغة pdf، فسعى الشيخ في الحصول على الكتاب وما هي إلا أيام قليلة والكتاب بين يديه يطالعه.

([11]) أي سائر التمور وليس نوعا من التمر اسمه السائر كما توهم بعض.

([12]) هذه الفائدة أخذتها من الشيخ وهو الذي اقترح إضافتها هنا.

يسعدنل تقييمك للمقال

تقييم المستخدمون: 3.69 ( 8 أصوات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى