غيــــــاث الأقصـــــى

عبدالرحمن بن كهلان بن نبهان الخروصي
النصر للإسلام، ولن تزال رايتُه مرفوعةً وإنْ خالها أعداءُ الله تسقط، فما هو إلا انتقالُها من جيل إلى جيل، ومن سلف مجاهد لخلف مجاهد؛ فإن كانت للباطل جولة فإن للحق الصَّولةَ والدولةَ، وإنَّ نصر الله في الأرض المباركة آتٍ حقًا وقريبٌ حقًا ومبينٌ حقًا {أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ}، وإنَّ {يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ} مقبلٌ حتى لَكَأني براية الإسلام على مُتُون خيل الله تعدُوْ للأقصى عَدْوًا توشك أن تفتحه.
نُغِيث الأقصى فنُغَاث به
إغاثة الأقصى حتمٌ علينا، وهي في حقيقتها غَوْثٌ لنا وإنقاذ لأنفسنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة {إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ}، هي غَوْثٌ من تداعي الأَكَلَة وأن نكون مَدَاس الأمم في الدنيا ومن مطارق الزبَانية في الآخرة، وإلا فإن الله ورسوله ودينه وأقصاه وحرماته أغنياء عنا ونحن الفقراء: {وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم}، ولكن الله ينصر دينه بعباده المؤمنين: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ}.
عزّة الأمة أكبر
كرامة الأمة ليست أبخسَ ثمنًا من حاجاتها المعيشية، ودفاعُها عن مقدساتها أجدرُ وأحقُّ من دفاعها عن مصالحها السياسية والاقتصادية، بل أينَ أينَ عزةُ الإسلام من استجداء مَعيشة مُذِلَّة واقتصاد هَشٍّ ومعاهدات واهية نرتجيها ممن يعربد وهو ينتهك حُرُماتنا! فالاشتغالُ بخطط التنمية القُطْرية وتقديمَ التنازلات السياسية عن العدوان على المسلمين والأقصى طمعًا في الأمان الفردي هو استبدال {ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ}، ثم إنه لا يورث إلا أمانا خادعا وتنميةً كاذبة لبلدان المسلمين وسيعود بالفوضى والخراب والفشل القريب والبعيد معا، فمَن اجترأ من أعداء الله على مقدسات الأمة لن تردعه خطط التنمية والنهوض الاقتصادي، ومن لم يرقُب في المسلمين حُرمةً فلن يرقُب في المصالح المشتركة عَهدا ولن يبرَح يفتِلُ حبالَ الإفساد والتخريب في بلاد المسلمين: {لَا يَرۡقُبُونَ فِي مُؤۡمِنٍ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ}.
الأقصى لا يقاس بموازين السياسة، ولئن كان الغربيون لا يساومون أحدًا على ثَمَنٍ بما يسمونه (الأمن القومي) فإن أقصانا ومقدساتنا أعظم عندنا من الأمن القومي هذا. ولئن كانت معايش الناس خطٌا أحمرَ فكرامةُ الأمة خطوطٌ حُمْر فاقعةٌ، وكما ضجّتْ وسائل التواصل بمطالبات جماهير المسلمين بمعيشتهم المستحَقة وحياتهم الكريمة وحمِيَتْ عند انتهاكها فعليها أن تضجّ بقضايا الأمة الإسلامية وتحمَى لنُصرتها.
التخويف بالحكومات والمساومة على المعيشة
الاحتلال الصهيوني ومَن وازرَه من الدول الغاشمة يسعون لكفِّ الشعوب المسلمة بتسليط حكامها عليهم، فيخوّفون الحكومات المسلمة بالفوضى والتخلف والفقر والعقوبات الاقتصادية والسياسية، ويُطمِعونها إن هي طبَّعَتْ في بقاء السلطة والأمان والرفاه الاقتصادي والازدهار العُمراني.
وسواء طبَّعتْ الحكومات راغبةً أو مكرهةً فإنه ليس للشعوب المسلمة أن ترضى بذلك، بل عليها أن تشير إلى أعين حكامها وحكوماتها بالخزي والعار، وترفض أي مساومة لبيع الأقصى بما يجب على الحكومات أن توفره لها من ماء وغذاء ودواء وعلاج وكهرباء واتصالات وسائر المعايش، وعليها أن تُفهِم الحكومات أن بقاءها في السلطة واستقرار أمنها ونجاح خططها في التنمية وقبولها اجتماعيا وسياسيا رهينٌ بوقوفها مع قضايا الأمة ونصرتها لمقدساتها وعدم التنازل عنها، وعلى الشعوب أن توقظ الحكومات إلى أن الضغط الشعبي أكبر من الضغط الخارجي، وأن المكاسبَ الداخلية أكبر من الوعود الخارجية. وإن الأمة لقادرة على ذلك لو عزمتْ أمرها.
شرعية المقاومة لا غير
المقاومة المسلحة هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، فلا شرعية لغير السلاح في الحروب، والأمةُ -أعني كلَّ الأمة حكوماتٍ وأفرادًا- عليها أن تنصر المقاومة المسلحة بما استطاعت من مال وسلاح وسياسة وإعلام، فلا تستقلَّ حصاةً في الدفاع عن الأقصى، وأن تنصر الشعب الفلسطيني جميعَه؛ لأن كل محتل يعلم أنه دخيل وأن بقاءه مؤقت وأنه إلى زوال ثم تعود الأرض لأهلها؛ لذلك يسعى الصهاينة إلى إجلاء الفلسطينيين واحتكار السلطة والقوة والمقدسات والمزارع والثروات والبيوت دونهم -وسلِّمْ على حَلِّ الدولتين-، وإلا كان الفلسطينيون بركانا خامدا يمكن أن ينفجر في أي لحظة إذا واتته الظروف، فالشعب الفلسطيني مُكَوِّنٌ أصيل وحاسم في الصراع.
ومن أوثق الأسباب في نصرة فلسطين اتخاذُ المدافعين والمحامين عنها الذين استلّوا سيف القدس ممثلا شرعيا وحيدًا عن الفلسطينيين، وبذل الصدقات والدعوات لهم ما بقوا على نهج الجهاد في سبيل الله شاهرين سيف الحق، لا أن يُتخَذ العميلُ للاحتلال المنسِّقُ معه الخائنُ لأرضه وشعبه ممثلا شرعيًّا، فأيُّ تواصلٍ مع أحذية الاحتلال هو تواصل مع الاحتلال، وأي شرعية تُمنَح لأحذية الاحتلال هي شرعية ممنوحةٌ للاحتلال نفسه، ولا يكون الاستنصار بالأمم المتحدة ولا بمن جاء بالاحتلال، فلن يعاوننا أرباب الاحتلال على وَأْد وليدِهم، ومَن ظن غير ذلك فالشمسُ أدنى إلى شحمة أذنه.
سداد الثمن المستمر
من أبطَلِ الباطلِ حُسبانُ أن الثمن دُفع كاملا يوم الـ48 أو الـ67 أو بعد ذلك، فكل يوم يمر دون جهادٍ ولا نضال ولا مقاومة هو ثمن جديد ندفعه واستمرار في ديون العار؛ قتلًا وتشريدًا وهدمًا وهتكًا للحُرُمات والمقدسات، ومن باع الأقصى آخرا كمن باعها أولا، ولن يخلِّص الأمة من هذا الدَّيْن المعلَّق على رقبتها إلا تحرير المسجد الأقصى وسائر الأرض المباركة حوله.
وأقصرُ الطُرُق -وإنْ بدا أوعرَها وأصعبها- إلى حفظ الذِّمار وتحرير الأرض المقدسة وتطهيرها من رجس المحتلين المعتدين هو طريق الجهاد في سبيل الله، بكل ما في الجهاد من معنى؛ جهاد النفس، وجهاد المال، وجهاد الكلمة والصوت والصورة والإعلام، وجهاد المقاطعة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ولو كنا نستنصر عليهم بأنفسنا لوُكِلنا إليها ولكان حقًا أن نقيس عتادنا إلى عتادهم وتقنياتنا إلى تقنياتهم وانفرادنا بالأمر إلى تَمَالُئِ مجلس الأمن معهم، ولكنا نستنصر بالله الذي أعزَّ جُنده وهزم الأحزاب وحدَه: {وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ}، ومَن استنصر الله انتصر.
لتحميل المقال اضغط هنا