الفقه وأصوله

عدد ركعات قيام رمضان

محمد بن أفلح بن أحمد الخليلي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والأبرار، سيدنا محمد من تفطرت قدماه من صلاة الليل والنهار، وعلى آله الأخيار وصحابته الأطهار، القائمين في الأسحار.

وبعد:

فإن من المعلوم أن الله تعالى فضّل أوقاتا بكثرة الأجور، وجعلها ميدانا يتنافس فيه المتنافسون، وإن من أهمها شهر رمضان المبارك؛ ففيه من البركات والخيرات الإيمانية ما يتسابق فيه المشمرون، وإن من أهم هذه الروضات قيام رمضان، ولأهميته كتب فيه العلماء، ووضحوا فضله، وفصلوا أحكامه، وقد اختلفوا في عدد ركعاته بسبب اختلاف الروايات الواردة في ذلك، ولذا جاءت الفكرة لكتابة مقال يلخص الموضوع؛ فكان هذا المقال، ومن الله أستمد التوفيق والتسديد.

في البداية من المهم أن ندرك أن قيام رمضان أجزاء هذا بيانها:

صلاة التراويح: من بعد فريضة العشاء وسنته إلى منتصف الليل.

صلاة التهجد: من منتصف الليل حتى الثلث الأخير.

صلاة السحر: من الثلث الأخير إلى طلوع الفجر.

فكل ذلك من قيام رمضان[1].

ومما يجدر التنبيه عليه أن قيام رمضان في عهده صلى الله عليه وسلم لم يكن يسمى بصلاة التراويح؛ فهذا الاسم حادث، وقد كان كل قيام رمضان صلاة واحدة فلا فصل بين هذه الأجزاء، ومهما يكن من أمر فدونك الروايات في قيام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان:

أولا: ما جاء في أن قيامه صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات، فمن ذلك ما روي عن جابر بن عبد الله قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر[2]. صححه ابن حبان.

ثانيا: ما جاء في أن قيامه صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة، فمن ذلك ما روي عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، يُصَلِّى أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّى أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّى ثَلاَثًا[3]. صححه البخاري وغيره. والروايتان متفقتان في تحديد عدد الركعات وكونها ثمان.

ثالثا: ما جاء في أن قيامه صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة، فمن ذلك عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: كَمْ يُصَلِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ عَنْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً[4]. قال عنه البغوي: هذا حديث متفق على صحته[5].

“ولا تعارض بين رواية إحدى عشرة ورواية ثلاث عشرة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح قيام الليل بركعتين خفيفتين، ثم يصلي إحدى عشرة ركعة، فمن عد الركعتين اعتبر قيامه صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة، ومن لم يعدها اعتبر قيامه صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة”[6].

رابعا: ما جاء في أن قيامه صلى الله عليه وسلم عشرون ركعة، فمن ذلك ما روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ[7]. وهو ضعيف فلا يحتج به[8].

وكذلك اختلف عدد ركعات قيام رمضان عند الصحابة، هاك التفصيل:

أولا: ما جاء أن عمر أمر أن تقام الصلاة بإحدى عشرة ركعة، فمن ذلك ما روي عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر[9]. وهذا موافق لما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم.

ثانيا: ما جاء أن الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بعشرين ركعة، فمن ذلك ما روي عن السائب بن يزيد قال: كنا نقوم في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعشرين ركعة والوتر[10]. صححه الإمام النووي[11].

وهو -وإن ثبت- فإنه لا يدل على أن ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أولى، ويجمع بينه وبين فعل النبي صلى الله عليه وسلم أن الزيادة في صلاة التراويح جائزة.

ثالثا: ما جاء أن الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، فمن ذلك ما جاء عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ قَال: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً[12]. ودلالة الرواية كسابقتها في أن الصلاة عشرين ركعة؛ “فإن الثلاث للوتر”[13].

رابعا: ما جاء أن الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، فمن ذلك ما جاء عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يُصَلُّونَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ[14].

ولو ثبت فإنه معارض لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يعارضه فليس بحجة لأن فعل أهل المدينة لا يعد حجة على المعتمد.

ولتعدد الروايات اختلف العلماء في عدد ركعات التراويح، وهذه أشهر الأقوال:

القول الأول: ثمان ركعات، وهو قول الإمام الخليلي[15]، والشيخين الخليلي والقنوبي[16]، وقد استدلوا بما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

القول الثاني: عشرون ركعة، وهو مشهور عند الإباضية[17]، وهو رأي الحنفية[18]، والشافعية[19]، والحنابلة[20]، وقد استدلوا بصلاة الصحابة رضي الله عنهم عشرين ركعة في عهد عمر رضي الله عليه.

القول الثالث: ست وثلاثون ركعة غير الوتر، ونسب للإمام مالك[21]، ولعله استدل بعمل أهل المدينة في عهد عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان.

القول الرابع: لا حد لها[22].

وبعد هذا التطواف بين الأحاديث والأقوال يتضح أن الأدلة تعضد القول بأن عدد ركعات قيام رمضان ثمان ركعات، وهذا لا يمنع الزيادة عليها؛ بدليل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاها بهذا العدد.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لتحميل المقال اضغط هنا


[1] الخليلي، أحمد بن حمد، برنامج: “سؤال أهل الذكر” – تلفيزيون سلطنة عمان، تاريخ الحلقة: ٢٤ رمضان ١٤٢٣ يوافقه 30/11/٢٠٠٢م.

[2] ابن حبان، محمد بن حبان، صحيح ابن حبان، باب الوتر، رقم الحديث: (2409)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ – 1993م، ج6، ص169.

[3] البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، باب قيام النبي صلى الله عليه و سلم بالليل في رمضان وغيره، رقم الحديث: (1096)، دار ابن كثير، اليمامة – بيروت، تحقيق: مصطفى ديب البغا، ط3، 1407هـ – 1987م، ج1، ص385.

[4] الربيع، ابن حبيب الفراهيدي، مسند الربيع، باب الإمامة في النوافل، رقم الحديث: (205) عن عائشة رضي الله عنها، تحقيق: محمد إدريس وعاشور بن يوسف، دار الحكمة – مكتبة الاستقامة، بيروت، 1415هـ، ص90

[5] البغوى، الحسين بن مسعود، شرح السنة، المكتب الإسلامي، دمشق ـ بيروت، تحقيق: شعيب الأرناؤوط – محمد زهير الشاويش، ط2، 1403هـ – 1983م، ج4، ص5.

[6] المعولي، المعتصم بن سعيد، المعتمد في فقه الصلاة، مكتبة الأنفال، مسقط، ط1، 1430هـ – 2009م، ص410. (الحاشية)

[7] ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد، الكتاب المصنف في الحديث والآثار، في كم يصلي في رمضان من ركعة، رقم الحديث: (7692)، عن ابن عباس رضي الله عنه، ت: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1409هـ، ج2، ص164.

[8] المعولي، المعتمد في فقه الصلاة، ص410. (الحاشية)

وانظر تفصيل تضعيفه في: السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، المصابيح في صلاة التراويح، دار القبس – دار عمار، عمّان، ط١، ١٤٠٦هـ – ١٩٨٦م، ص١٥-٢١.

[9] مالك، ابن أنس الأصبحي، الموطأ رواية يحيى الليثي، باب ما جاء في قيام رمضان، رقم الحديث: (251)، عن السائب بن يزيد، دار إحياء التراث العربي، مصر، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ج1، ص115.

[10] البيهقي، أحمد بن الحسين، السنن الصغرى، باب قيام شهر رمضان، رقم الحديث: (852)، عن السائب بن يزيد، مكتبة الدار، المدينة المنورة، تحقيق: محمد الأعظمي،1410هـ – 1989م، ص485.

[11] النووي، يحيى بن شرف، المجموع شرح المهذب، دار الفكر، ج4، ص32.

[12] مالك، الموطأ رواية يحيى الليثي، باب ما جاء في قيام رمضان، رقم الحديث: (252)، عن يزيد بن رومان، ج1، ص115.

[13] ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحقيق: مصطفى العلوى ومحمد البكري، مؤسسة قرطبة، ج4، ص114.

[14] ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد، الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، كم يصلي في رمضان من ركعة، رقم الحديث: (7689)، ت: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1409هـ، ج2، ص163.

[15] الخليلي، محمد بن عبد الله، الفتح الجليل من أجوبة الإمام أبي خليل، ضبط نصه: أحمد الخروصي، مكتبة ذاكرة عمان – مكتبة خزائن الآثار، سلطنة عمان، ط1، 1437هـ – 2016م، ص145.

[16] المعولي، المعتمد، ص410.

[17] البسيوي، أبو الحسن علي بن محمد، مختصر البسيوي، تحقيق: سيف الهادي، موقع بصيرة الإلكتروني، ط1، 1436هـ – 2015م، ص178. العوتبي، سلمة بن مسلم، كتاب الضياء، تحقيق، سليمان بابزيز وداود بابزيز، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان، ط1، 1436هـ – 2015م ج7، ص98. السالمي، عبد الله بن حميد، معارج الآمال على مدارج الكمال بنظم مختصر الخصال، تحقيق: سليمان بابزيز وآخرين، مكتبة الإمام السالمي، ولاية بدية – سلطنة عمان، ط1، 2008م ج5، ص908.

[18] انظر مثلا: السرخسي، محمد بن أبي سهل، المبسوط، دار الفكر، بيروت – لبنان، تحقيق: خليل محي الدين الميس، ط1، 1421هـ – 2000م، ج2، ص256.

[19] انظر مثلا: النووي، المجموع شرح المهذب، ج4، ص32.

[20] انظر مثلا: ابن مفلح، محمد بن مفلح، الفروع، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي مؤسسة الرسالة، ط1، 1424 هـ – 2003م، ج2، ص372.

[21] ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، الكافي في فقه أهل المدينة، تحقيق: محمد الموريتاني، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض – المملكة العربية السعودية، ط2، 1400هـ – 1980م، ج1، ص256.

[22] السيوطي، المصابيح، ص44.

يسعدنا تقييمك للمقال

تقييم المستخدمون: 3.85 ( 1 أصوات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى