شعبـــانيــات

إبراهيم بن عبد الله بن سالم آل ثاني
شهر شعبان هو الشهر الثامن من الأشهر القمرية، وهو بين رجب ورمضان، وهذه المقالة تذكرنا ببعض مسائله الفقهية وغيرها أيضا، مما هو خاص به دون غيره.
- سبب تسميته:
“شَعْبانُ: اسمٌ للشَّهْرِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ
- لتَشَعُّبِهم فِيهِ أَي تَفَرُّقِهِم فِي طَلَبِ المِياهِ،
- وَقِيلَ فِي الغاراتِ.
- وَقَالَ ثَعْلَبٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ إِنما سُمِّيَ شَعبانُ شَعبانَ لأَنه شَعَبَ، أَي ظَهَرَ بَيْنَ شَهْرَيْ رمضانَ ورَجَبٍ”[1].
- جمع شعبان:
“وَالْجَمْعُ شَعْباناتٌ، وشَعابِينُ، كرمضانَ ورَمَاضِينَ”[2].
- فضله:
فضلُ هذا الشهر على غيره بما شُرِعَ فيه من استحباب الصوم فهو فيه آكد من غيره –كما سيأتي-، والأوقات تشرف على غيرها بما شُرع فيها من طاعات هي ظروف لها، ولمجاورته لرمضان سيد الشهور ولرجب من الأشهر الحرم، والجار يشرف بجواره، ووردت فيه وفي بعض ما فيه أحاديث كثيرة فيها كلام لأهل العلم، ومما جاء فيه عن أسامة بن زيد قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قال: “ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ”[3].
- مشروعية الصيام فيه:
يستحب الصيام في شعبان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أكثره، ومما ورد في ذلك قول عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُهُ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ”[4].
وقولها: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ”[5].
ويذهب ظاهر التعارض بين ما سبق برواية مسلم عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: “كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا “[6]، وفي صيام شعبان استعداد وتهيُّؤٌ لرمضان.
- قضاء مَن عليه صوم:
ينبغي للمسلم أن يسارع في قضاء ما عليه من حقوق لله، ومن بينها قضاء رمضان، وللمفطر أن يؤخر القضاء إلى ما قبل رمضان التالي، فمَن مرت عليه شهور السنة ولم يقض فإنه عليه أن يقضي في شعبان، وليس له أن يتأخر إلى ما بعد رمضان، وقد كانت أم المؤمنين عائشة تقضي ما عليها من صيام في شعبان، فعن أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، تَقُولُ: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ، الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»[7].
- عدم ثبوت النهي عن صيام ما بعد الخامس عشر منه:
“لم يثبت ما ورد من النهي عن صيام النصف الثاني من شعبان”[8]، ومن ذلك ما روي عن أبي هُريرة، أن رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: “إذا انتَصَفَ شعبانُ، فلا تَصُوموا”[9]. وفي رواية: «إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا»[10]، ومن أهل العلم من أخذ به وتأوَّله.
- الاستعداد لرمضان:
ينبغي للمسلم أن يستغل مواسم الطاعات أفضل استغلال، فيملؤها بأفضل الطاعات والقربات، ولا يستطيع بلوغ درجة رفيعة في ذلك إلا من استعد للموسم وارتاضت نفسه على العمل وبذل الجهد؛ قبل أن ينطلق المتنافسون في الميدان، وقدوتنا في هذا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد كان يصوم أكثر شعبان، فيحسن بالمسلم أن يشحذ همته لرمضان بزيادة العبادة في شعبان، من صيام وقيام وصلاة وقراءة قرآن وصدقات، ليصل رمضان وقد ارتاضت نفسه وقويت عزيمته، وقد كانوا يسمون شعبان شهر القراء، وكذلك ينبغي للحريص على أوقات رمضان أن يقضي مشاغله قبل رمضان، وأن يقدم ما يستطيع من مشاغل رمضان قبل دخوله، كالتسوق وغير ذلك مما يأخذ الوقت والجهد ويمكنه تقديمه؛ ليستغل أوقات رمضان في الطاعات والقربات.
- النهي عن صيام يوم الشك:
يوم الشك هو آخر يوم من شعبان، وقد ورد النهي عن صيامه فعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَهُوَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ وَيَوْمِ الفطر وَيَوْمِ الأَضْحَى، وَقَالَ: «مَنْ صَامَهُمَا فَقَدْ قَارَفَ إِثْمًا»[11].
- النهي عن صيام ما قبل رمضان بيوم أو يومين:
وورد النهي كذلك عن أن يتقدم أحد صيام رمضان بيوم أو يومين فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ»[12].
- عدم ثبوت تخصيص استحباب صوم اليوم الخامس عشر منه:
لم يثبت ما يدل على تخصيص استحباب صيام اليوم الخامس عشر من شعبان، بل هو ضمن شهر شعبان المستحب الصيام فيه من غير تخصيص أيام بعينها، يقول الشيخ الخليلي: “ما ورد في صوم اليوم الخامس عشر غير صحيح”[13].
ويقول الشيخ القنوبي: “وهكذا بالنسبة إلى اليوم الخامس عشر من شعبان لا مزية له على بقية الأيام، فما ورد من مشروعية صيامه فهو لا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وكذلك ما ورد من النهي عن صيامه لا يثبت عنه -صلوات الله وسلامه عليه- فهو كغيره من بقية الأيام”[14].
وذكر ابن الجوزي في الموضوعات رواية عن علي بن أبي طالب أنه قال: “رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ النِّصْف مِنْ شَعْبَانَ قَامَ فَصَلَّى أَرْبَعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عشرَة مرّة وَقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مرّة وَقل أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مرّة وَقل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مرّة وَآيَة الْكُرْسِيّ مرّة وَلَقَد جَاءَكُم رَسُول الآيَةَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ سَأَلْتُ عَمَّا رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِهِ فَقَالَ: مَنْ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتَ كَانَ لَهُ كَعِشْرِينَ حِجَّةً مَبْرُورَةً وَكَصِيَامِ عِشْرِينَ سَنَةً مَقْبُولَةً، فَإِنْ أَصْبَحَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ صَائِمًا كَانَ كَصِيَامِ سِتِّينَ سَنَةٍ مَاضِيَةٍ وَسَنَةٍ مُسْتَقَبَلَةٍ “. وقال-ابن الجوزي-: وَهَذَا مَوْضُوع أَيْضا وَإِسْنَاده مظلم وَكَانَ وَاضعه يكْتب من الْأَسْمَاء مَا وَقع لَهُ”[15].
- عدم ثبوت ما جاء في ليلة الخامس عشر من شعبان:
يقول الشيخ القنوبي: “وردت في ليلة الخامس عشر من شعبان أحاديث كثيرة تزيد على عشرة أحاديث، وكل تلك الأحاديث باطلة لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم”[16]، وعليه فلا ينبغي أن تخص بشيء دون سواها من الليالي، وإنما ينبغي للمسلم أن يحرص على القيام وغيره من النوافل باستمرار، وفيها كلام أكثر من هذا لأهل العلم.
- الأحكام التي شرعت فيه:
شرعت في شهر شعبان أحكام شرعية، منها فرض رمضان في السنة الثانية للهجرة، وزكاة الفطر، والأمر بالتوجه إلى الكعبة المشرفة([17]).
- أحداث من السيرة النبوية وقعت في شعبان:
- خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى بدر السنة الثانية([18]).
- غزوة بدر الآخرة سنة ثلاث([19]).
- غزوة بني المصطلق (غزوة المريسيع) سنة خمس([20]).
- سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل سنة ست([21]).
- غزوة علي بن أبي طالب إلى فدك في شعبان سنة ست([22])
- سرية عمر بن الخطاب إلى تربة في شعبان سنة سبع ([23])
- سرية أبي بكر في شعبان إلى نجد، سنة سبع([24]).
- سرية بشير بن سعد إلى فدك في شعبان سنة سبع([25]).
لتحميل المقال اضغط هنا
[1] – لسان العرب: ابن منظور، مادة شعب.
[2]– لسان العرب: ابن منظور، مادة شعب.
[3] – أحمد، رقم 2175.
[4] – مسند الإمام الربيع، رقم 313، البخاري، رقم 1969.
[5] – البخاري، رقم 1970.
[6] – مسلم، رقم 1156
[7] – مسلم، رقم 1146
[8] – المعتمد في فقه الصيام والزكاة: المعتصم المعولي، الطبعة الرمضانية، بيروت، 1431هـ/2010م، ص214.
[9] – أبو داود، رقم 2337.
[10] – الترمذي، رقم 738.
[11] – مسند الربيع بن حبيب، رقم 324.
[12] – البخاري، رقم 1914.
[13] – الفتاوى: الخليلي، الأجيال، ط3: 1423هـ/2003م، 1/332.
[14] – سؤال أهل الذكر، ليلة 3 رمضان 1426هـ.
[15] – الموضوعات: عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي: تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، ط1: 1386هـ/ 1966 م، 2/130. وتنظر المسألة في: المعتمد في الصيام والزكاة ص223.
[16] – سؤال أهل الذكر، ليلة 3 رمضان 1426هـ.
([17]) السيرة النبوية: عبد الملك بن هشام الحميري المعافري، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، 2/181.
([18]) دلائل النبوة: أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث، ط1: 1408 هـ – 1988 م، 3/370. 3/387.
([22])المغازي: محمد بن عمر الواقدي، تحقيق: مارسدن جونس، دار الأعلمي – بيروت، ط3: 1409/1989، 1/5.