اللغة

تحريفات وتصحيفات في كتاب الإبانة للعوتبي (1)

رائد بن ناصر بن خلفان العامري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبـعـد:

فـقد كتبتُ من قبلُ ملاحظات على تحقيق كتاب الإبانة ثم تبين لي أن بعض ما كتبته خاص بالطبعة الثانية، وأن الطبعة الأولى – مع أغلاطها وتصحيفاتها وتحريفاتها – أصح من الطبعة الثانية!

وهذه أمثلة للأخطاء الطباعية الموجودة في الطبعة الثانية دون الأولى:

  • الإبانة ط2 (4/ 316)

“ويقال: امترى الرجل يمتري امتراء إذا شك، ومنه قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}”، والآية ليس هذا موضعها بل المراد {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِين} كما جاء في الطبعة الأولى.

  • الإبانة 4/570

” وقال ابن خالويه: كل ما في القرآن {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} فهو بمعنى: قد أتاك”، والصحيح كما في الطبعة الأولى: وقال ابن خالويه: كل ما في القرآن {هَلْ أَتَاكَ} فهو بمعنى قد أتاك.

  • الإبانة ط2 (1/415) “قال يحيى بن منصور الذهلي:

 لكالثور والجنيُّ يضرب وجهه         وما ذنبه إن كانت الجن ظالمه

وقال نهشل بن حري:

أتُتـــرك عارض وبـنو عــدي           وما ذنبه إن كانت الجن ظالمه

فكل ما تحته خط في النص السابق مقحم في الطبعة الثانية، ويتضح في النص شطران لبيتين مختلفين من بحرين مختلفين (الوافر والطويل) جُعِلا بيتا واحدا.

  • الإبانة ط2 (1/ 139) “وقال آخر

بين الأشجّ وبين قيس باذحٌ      بَخْبِخْ لوالده وللمولد

والصواب: وللمولود كما جاء في الطبعة الأولى.

  • الإبانة ط2،(3/210) سقطت جملة (وفي السقع السين أحسن) فاضطرب النص، وقد وردت الجملة تامة في الطبعة الأولى كالآتي “وللعرب في كل سين تجيء بعد القاف وكل صاد تجيء بعد القاف لغتان: منهم من يجعلها سينا، ومنهم من يجعلها صادا مثل السُّقْع والصُّقْع لا يبالون أمُتَّصلة كانت أم منفصلة بعد أن يكونا في كلمة واحدة، إلا أن الصاد في بعض أحسن، والسين ف بعض أحسن، وفي السُّقع السينُ أحسنُ، والصاد قبيح، وهي الناحية من الأرض”
  • وفي هذا النص خطأ في الطبعتين الأولى والثانية كلتيهما عند قوله: “وللعرب في كل سين تجيء بعد القاف وكل صاد تجيء بعد القاف”
    والصحيح: قبل القاف وليس بعد، ولعل هذا من الناسخ.

أكتفي بذكر هذه المواضع.

وتحقيق الإبانة نَقَدَه من قبلُ الدكتور سعيد الزبيدي مقتصرا على الجزء الأول سنة 1429هـ / 2008م في ورقة قدمها لندوة العوتبي الصحاري التي نظمتها وحدة الدراسات العمانية في جامعة آل البيت، ثم نشر الدكتور الزبيدي هذا النقد في كتابه روافد النص في اللغة والنقد.[1]

ودعا الباحث الأستاذ سلطان الشيباني في مقال كتبه في 1435هـ ثم نشره في كتابه أمالي التراث المطبوع في 1436هـ / 2015م إلى إعادة طبع كتاب الإبانة، ذاكرًا ملاحظاتٍ على الطبعة الأولى، ثم طُبِع الكتاب طبعة ثانية سنة 2016م ولم تُؤخذ ملاحظات الدكتور الزبيدي والأستاذ الشيباني، فـرُمَّت الطبعة الثانية على فساد الأولى.

وفي هذه المقالة أذكر تصحيفات وتحريفات مشتركة في الطبعتين معتمدا في النقل على الطبعة الأولى، وهي ليست مما ذكره الدكتور الزبيدي والأستاذ الشيباني، وأبدأ بذكر نص الإبانة كما جاء في المطبوع ثم أعلق عليه.

  • ط1 الإبانة 1/235. “وقال جرير:

يناشدني النظر الفرزدقُ بعدما      ألحَّت عليه من جرير صواقعُ”‏

الصحيح يناشدني النصر الفرزدق … وليس النظر، ونسب العوتبي البيت لجرير وليس له بل هو للصلتان العبدي ‏في التحكيم بين الفرزدق وجرير، ومن أبيات الصلتان في القصيدة الشاهد النحوي[2]:

أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله    جرير ولكن في كليب تواضع

وقد عاد المحققون إلى ديوان جرير بحثا عن بيت الصلتان فلم يجدوه!

  • ط1 الإبانة 1/ 263.

“والعرب تقول: رأى ورآي بالمد.

قال كثير:

وكل حميم رآني فهو قائل:       من أجلك هذا هالك اليوم أو غد

ويروى: هذا هامة”

قلت: الذي يريده العوتبي أن العرب تقول رأى وتقول (راء)، والشاهد قول كثير: وكل خليل راءني … وليس رآني بل ينكسر البيت بـ (رآني).

والهمزة في (من اجلك) لا تقطع بل توصل، وتلقى حركتها على النون في (من) ليستقيم الوزن! (منَ اجلك)

والرواية في الديوان وكتاب سيبويه: وكل خليل وليس وكل حميم.

جاء في كتاب سيبويه: “ومثل ذلك قد راءه يريد قد رآه. قال الشاعر، وهو كثير عزة:

وكل خليل راءني فهْو قائل      منَ اجلك هذا هامة اليوم أو غد”[3]

  • ط1، الإبانة 3/62.

“والخراجُ والخَرْجُ واحدٌ، وهو شيء يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدر معلوم. والخرج أخص من الخراج، وهو الإداوة

قلتُ: المراد: الإتاوة، ويبدو أن المحققين أنفسهم غير راضين عن الكلمة فقالوا في الحاشية: “كذا في الأصل، والإداوة وعاء صغير من جلد”

  • ط1، الإبانة 1/265.

“وأصل تطلع: تطيلع؛ فتاء الافتعال، إذا أنثت بعد صاد أو ضاد أو طاء أو ظاء، تحولت طاء، ثم أدغموا الطاء في الطاء، فالتشديد من خلل ذلك”

الصواب: تطتلع لا تطيلع، والصواب: أتت لا أنثت، وصواب الجملة الأخيرة هو: فالتشديد من جلل ذلك، وليس من خلل ذلك، وجلل تعني أجْل. قال جميل:

رسمِ دارٍ وقفت في طَلَلِهْ                          كِدْتُ أقضي الغداة من جلَلِهْ
أي من أجله

ويجوز أن يكون (من خلل ذلك) تحريف صوابه: من أجل ذلك.

  • ط1، الإبانة 1/ 265.

ومظلَّم، من الظُّلم، مفتعل، أصله: مظتلم، فأبدلوا من التاء طاء، ومن الظاء الطاء، فأدغموها في الطاء التي بعدها. ومنهم من يغلب الظاء فيقول: مظَّلِم

قال زهير:

هو الجواد الذي يعطيك نائله    عفواً ويظلم أحياناً فيظّلم”

قلت: الصواب في أول كلمة من النص السابق: مطّلم بالطاء المهملة، وما بعد الكلمة شرح لذلك، ثم قال العوتبي: “ومنهم من يغلب الظاء فيقول: مظلم” فمنهم من يقول مطَّلم بالطاء المهملة ومنهم من يقول مظّلم بالظاء (المعجمة).

وبيت زهير في الإبانة يبدو أنه شاهد على تغليب الظاء أي (مظَّلم) بالظاء وعدم قلب الظاء طاءً، ولا يبعد أنه أراده شاهدا على (مطّلم) بالطاء المهملة أي قلب الظاء طاء، وهو في كتاب سيبويه شاهد على قلب الظاء طاء مهملة (مطَّلم)، قال سيبويه: “وإن شئت قلت مطعنٍ ومطَّلِم كما قال زهير:

 هذا الجواد الذي يعطيك نائلهُ       عـفوا ويُظـلم أحياناً فَيَـطَّلِـمُ “[4]

قال عبد السلام هارون: ” … والشاهد فيه قلب الظاء من يظلم طاء مهملة”[5]

  • ط1، الإبانة 1/265.
  • “وأصل رَضِي: رضيو، فقلبوا من الواو ياء لانكسار ما قبلها”

قلت: الصواب: وأصل رضِيَ رضِوَ.

  • ط1، الإبانة 3/99.

“والطائية يزيدون (ذو) في كلامهم. يقولون للذكر: هذا ذو، وقال ذاك. أنشد:

وإن الماء ماء أبي وجدي       وبئري ذو حفرت وذو طويت”

 قلت: صوابه: هذا ذو قال ذاك، أي هذا الذي قال ذاك، فانظر كيف أُفسِد في الإبانة!

  • ط1، الإبانة، 3/310.

 “شددنا شدة الليث       غـدا والليث غضبان

وطعـن كـفم الزقِّ        غـدا والـــزقُّ مـلآن

ويروى: عدا”

قلتُ: أما البيت الثاني فصوابه: غـذا بالذال، وغـدا (بالدال المهملة) تصحيف قديم! قال ابن مكي الصقلي بعد أن أورد البيت: ” ينشدونه غدا بالدال غير معجمة، وذلك تصحيف”[6]

وقال المرزوقي في شرح الحماسة: “أي وبطعن في اتساعه وخروج الدم منه كفم الزق إذا سال بما فيه وهو مملوء. وغَـذا يغذوا غُذُوَّا إذا سال”[7]

وأما قول العوتبي: ويروى عـدا، فالمقصود البيت الأول، فيروى غـدا ويروى عدا.

  • ط1، الإبانة 3/ 362.

“فـلو أن لــيلى الأخيـلـية سَلَّمَـتْ       عـليَّ وفــوقـي جَـنْــدَلٌ وصــفـائحُ

لسَلَّمْتُ تسليم البشـاشة من زقا        إليها صدىً من جانب القَبْر صائحُ”

قلت: الصواب: أو زقا، و(زقا) فعل، زقا يزقو إذا صاح.

  • ط1، الإبانة 2/ 396.

“واكفيه ما بحتي وأعطيه سؤله    وألحقه بالقوم حتاه لاحق”

الصواب: وأكفيه ما يخشى…

ولعل سبب تصحيف (يخشى) إلى (بحتى)  هو أن الحديث في الإبانة عن (حتى) والشاهد في شرح الرضي على الكافية.[8]

ويروى[9]:

وأعطيه ما يرجو وأوليه سؤله    وألحقه …

  • ط1، الإبانة 2/179.

“وأصلُ الذي لَذْ على وزن عد ثم دخلت الألف واللام للتعريف، فالشديد من حال ذلك

قلتُ: الصواب وأصل الذي لذٍ على وزن عمٍ، فهذا رأي لنحويين قالوا إنه على وزن عمٍ وشجٍ. قال ابن يعيش: ” … أصلها لذٍ مثل عمٍ وشجٍ”[10]

(فالشديد من حال ذلك) خطأ وصوابه: فالتشديد من أجل ذلك، وعبارة الإبانة في كتاب (إعراب ثلاثين سورة) قال ابن خالويه: “والأصل لذ مثل عم، ثم دخلت الألف واللام للتعريف، فالتشديد من أجل ذلك”[11]

 

  • ط1، الإبانة 4/27.

“قدني من نصر الحسين قدني

وصوابه: قدني من نصر الخُبَيْبَيْن قدي، والخبيبين مثنى خبيب، ويجوز أن يكون الخُبَيْبِيْن بكسر الباء على أنه جمع، وهذا الرجز من الشهرة بحيث لا يمكن أن يفوت المحققين جميعا، ولعله خطأ طباعي.

  • ط1، الإبانة، 1/473.

“وقال الأصمعي: البعير يكون مذكراً ومؤنثاً، وهو بمنزلة الإنسان، تقول: هذا بعير، إذا عنيت جملاً، وهذه بعيرة، إذا عنيت ناقة. قال: وسمعت أعرابياً يقول: صرعتني بعير لي”

قلت: (وهذه بعيرة) تحريف والصحيح: وهذه بعير، فيقال للمذكر: هذا بعير وللمؤنث هذه بعير باستعمال اسم الإشارة (هذه)، وقول الأصمعي هذا رواه ابن السكيت قبل العوتبي فقال (إصلاح المنطق ص326): “وقال الأصمعي: البعير بمنزلة الإنسان، يكون للمذكر والمؤنث يقال للرجل: هذا إنسان، وللمرأة: هذه إنسانة، وكذلك تقول للجمل: هذا بعير، وللناقة: هذه بعير، وحكي عن بعض العرب: صرعتني بعير لي، أي ناقة، وتقول: شربت من لبن بعيري أي من لبن ناقتي”[12]

فأنت ترى أنه قد حُكي عن العرب قولهم: صرعتني بعير ولم يقولوا صرعتني بعيرة، وحكي عنهم شربت من لبن بعيري ولم يقولوا من لبن بعيرتي. قال أبو العلاء المعري: “والبعير يقع على الذكر والأنثى، وشبهوه بقولهم: إنسان تقع على الرجل والمرأة؛ إلا أنهم قد قالوا: إنسانة ولم يقولوا: بعيرة للأنثى[13]

  • ط1، الإبانة، 1/241.

“قال ذو الرمة:

ترى خلفها نصفا قناة قويمة      ونصفا نقا يرتج أو يتمرمر

رواية سفلى مضر: نصفٌ قناةٌ، على المبتدأ والمبني. ورواية عليا مضر: نصفاً قويمةً، على البدل”

قلت: الصحيح (… نصفا قناةً أو نصفا قناة قويمة لا نصفا قويمة)

ولعل في قوله: “على المبتدأ والمبني” سقطا وتمامها والمبني عليه، وهو من مصطلحات سيبويه.

الرواية في كتاب سيبويه وغيره ترى خلقها (بالقاف) وليس خلفها، ورواية (خلفها) بالفاء صححها ابن الشجري لكنها في كتاب الإبانة غير مرادة بل هي تصحيف، لأن العوتبي ذكر أن (نصفا) في البيت بدل، ولا يستقيم هذا الإعراب إن كانت الرواية خلفها لأن إعراب (نصفا) عندئذ مفعول لـ (ترى)، و(خلفها) ظرف، أما في رواية (خلقها) فإن (نصفا) بدل من خلقها.

  • ط1، الإبانة، 1/346

“وأما مخاطبة الغائب ثم تركه إلى مخاطبة الشاهد

فكقوله، عز وجل: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً، إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} … وقال آخر:

وعنترة الفلحاء جاء ملأّماً       كأنه فـندٌ من عـماية أسحـم”

قلت: ليس في هذا البيت شاهد على مخاطبة الغائب ثم تركه إلى مخاطبة الشاهد بل الشاهد على ذلك قوله:

وعنترة الفلحاء جاء ملأماً   كـأنك فندٌ من عماية أسحم

ففيه يخاطب الشاعرُ عنترةَ غائبا ثم يخاطبه مخاطبة الشاهد الحاضر فيقول: كأنك فند …

وهكذا ورد البيت في أكثر المراجع التي وقفت عليها، ولا تشبع الضمة في رواية (كأنه) ليستقيم الوزن.

قال العوتبي بعد ذلك: “فكل هذا مخاطبة غائب ثم رجوع عنه إلى مخاطبة شاهد”

وقد نبَّه المحققون علي أن الرواية الأشهر للبيت مختومة بـ(أسود) لا (أسحم).

  • ط1، الإبانة، 1/411.

“فقال الأول:

فقأت لها عين الفحيل تعيُّفاً    وفيهن رعلاء المسامح والحامي

الرعلاء: التي تشق أذنها وتترك مدلاة …”

قلت: رعلاء المسامح خطأ والصواب رعلاء المسامع، أي رعلاء الأذن، وما ذكره العوتبي بعدُ في تفسير الرعلاء يفصح عن ذلك، فالمسامع جمع مسمع وهو الأذن. قال الفرزدق:

غلام أتاه اللؤم من شطر عمّه      له مِسمعٌ وافٍ خر أجدعُ

  • ط1، الإبانة، 2/39.

“والعربُ تقول: ليس ما تزويج ولا مهر، فيجعلون ما وحدها اسماً بغير صلة”

قلت: الصواب: بئسما تزويج ولا مهر، وهي عبارة قالتها العرب ثم استشهد بها النحويون. قال الفراء: “وسمعت العرب تقول فِي (نعم) المكتفية بـ(ما): بئسما تزويج ولا مهر، فيرفعون التزويج بـ(َبئسما)”[14]

  • ط1، الإبانة، 2/306.

“وقال:

تُولي الضجيع إذا مشتاقها حصر    عذب المذاق إذا متابع القُبلُ

في البيت أخطاء بعضها فوق بعض! إذا بحثت عن موضع الشاهد لم تكد تراه، وكيف تراه وموضع الشاهد محرَّف، وهو قوله (اتَّابع) بألف الوصل وإدغام التاء الأولى في الثانية، وقد بيّن العوتبي ذلك تبيينا إذ قال بعد أن أورد البيت: “أراد: إذا ما تتابع القُبَلُ، فأدغـم التاء الأولى في الثانية فسُكنت فلم يصح الابتداء بساكن فأدخل ألفاً يقع بها الابتداء

و(مشتاقها) في البيت تحريف (ما اشْتاقها) الذي هو تصحيف من (ما استافها)، فالبيت صحيحا كالآتي:

تولي الضجيع إذا ما استافها خصِرا     عذب المذاق إذا ما اتَّابع القبل

وهكذا ورد البيت في معاني القرآن للفراء وتفسير الطبري. قال محمود شاكر في تحقيقه تفسير الطبري (2/224): “… وفي المطبوعة هنا اشتاقها وهو خطأ، والصحيح ما أثبتُّه من هناك. وساف الشيء يسوفه سوفا واستافه: دنا منه وشمه”

فانظر كم خطأ في مطبوع الإبانة!

وكأن ناسخ الإبانة يكتب ما يُملى عليه إذ كتب (مشتاقها ومتَّابع) كما تنطقان!

وهذا مثل مَن كتب خطأ (بلقاءةً في الخيل)[15] من قول الراجز:

كأن في ريِّقه لمّا ابتـــسم       بلقاء تنفي الخيل عن طفل مُتِم

  • ط1، الإبانة، 3/198.

“وقال:

وتركت حد السيف من أن يضيمه     إذا لم يجد عن شفرة السيف مزحل”

قلت: الصواب: ويَرْكَب، تضيمه، يكن، وهاك البيت مع البيت الذي يسبقه لتتبين وجه الصواب:

إذا أنت لم تُـنصــف أخـاك وجـدتَهُ       على طرف الهجران إن كان يعـقـلُ

ويركَب حدَّ السيف من أن تضيمه       إذا لم يكن عن شفرةِ السيفِ مزحلُ

ولم ينسب المحققون البيت ولم يُخرِّجوه، وهو لـمعن بن أوس في لاميته الحماسية، ومطلعها:

لعمرك ما أدري وإني لأوجل     على أينا تعدو المنية أول

   وهذا المطلع بيت مشهور، ويُستشهد به في غير مسألة نحوية، والعوتبي نفسه استشهد به في الإبانة في ثلاثة مواضع نحوية ولغوية، ونسبه المحققون إلى صاحبه، وهم في الموضع الأول أحالوا على ديوان الشاعر ومصادر أخرى، وفي الموضعين الثاني والثالث أحالوا على مصادر ومراجع ليس الديوان منها.

والبيت: ويركب حد السيف … على طرف الثمام، فهو موجود في كثير من مصادر المحققين ومراجعهم، ولو نظر أحدهم تحت قدميه لوجده، ولو لم يكن للمحققين مرجع سوى ديوان الحماسة لكفى، فكيف ومن مراجعهم شرح الحماسة للأعلم الشنتمري الذي رتب شرحه على القوافي، فكيف ومن مراجعهم شرح المرزوقي والتبريزي؟!

وإن عذرت المحققين في هذا البيت فما أنت فاعل في الأبيات الحماسية الأخرى؟

(فلو كان بيتا واحدا لعذرتهم         ولـكــنه بيـــت وثـانٍ وثالثُ)

 

لتحميل المقال اضغط هنا

  • صورة المقال منقولة.

[1] روافد النص في اللغة والنقد: سعيد جاسم الزبيدي، دار كنوز المعرفة، عمّان، ط1، 1430 – 2009م، ص71 فما بعدها.

[2] شعر الصلتان العبدي، جمعه وحققه: شريف علاونه، ط1، 1428هـ – 2007م، ص68، وفيه فيا شاعرا …

[3] الكتاب: سيبويه، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1408هـ – 1988م، 3/467.

[4] الكتاب: سيبويه، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1408هـ – 1988م، 4/468.

[5] المصدر السابق، الحاشية ، 4/468

[6] تثقيف اللسان وتلقيح الجنان: أبو حفص عمر بن خلف بن مكي الصقلي، قدم له وضبطه: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1410هـ – 1990م، ص37.

[7] شرح ديوان الحماسة: أبو علي المرزوقي، علق عليه: غريد الشيخ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 2015م، 1/31.

[8] شرح الرضي على كافية ابن الحاجب، تحقيق: عبد العال سالم مكرم، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 1421هـ – 2000م، 6/20.

[9] ارتشاف الضرب: أبو حيان الأندلسي، تحقيق: رجب عثمان محمد، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1418هـ – 1998م، 5/2411.

[10] شرح المفصل: ابن يعيش، تحقيق إبراهيم محمد عبد الله، دار سعد الدين، دمشق، ط1، 2013م، 3/262.

[11] إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم: ابن خالويه، دار ومكتبة الهلال، بيروت، لبنان، د.ط، 1985م، ص31.

[12] إصلاح المنطق: ابن السكيت، ص326.

[13] اللامع العزيزي: أبو العلاء المعري، تحقيق: محمد سعيد الملوي، ص1376.

[14] معاني القرآن: أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء، عالم الكتب، بيروت، ط3، 1983م، 1/58.

[15] تحقيق النصوص ونشرها: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط7، 1998م، ص67.

يسعدنا تقييمك للمقال

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى