اللغة

تحريفات وتصحيفات في كتاب الإبانة للعوتبي (2)

رائد بن ناصر بن خلفان العامري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة على رسول الله، وبعد،

فنواصل ما بدأنا به من تبيين مواضع التحريفات والتصحيفات في كتاب الإبانة للعلامة سلمة بن مسلم العوتبي، وأبدأ بنقْـل النص من مطبوع الإبانة ط1 ثم أُبيِّـنُ مواضع التحريف والتصحيف.

  • الإبانة، ط1، 2/403:

” … رجل مُحِلّ أي قد أحلَّ الحرامَ، كما قيل لابن الزبير: مُحِلّ لأنه قاتل بمكة. قال ابن أبي ربيعة:

ألا إنَّ قلبِيْ مُعنًّى غَزِلْ           يحب المحلة من أحب المُحِلّْ”.

قلتُ: هذا البيت مقولٌ في أخْتِ عبد الله بن الزبير، وابن الزبير يُسمى المُحِلَّ، فوُصفتْ أختُه بالمُحِلَّة كما وُصف أخوها عبد الله بن الزبير بالمُحِلّ، وفي الشطر الثاني من البيت تصحيفان وكلمة مقحمة، فالتصحيفان (يحب وأحب) والصواب (بُحبِّ وأخْت)، وشبه الجملة (بِحُبِّ) متعلق بـ (مُعنًّى) في الشطر الأول، و(من) مقحمة، وينكسر بها البيت، وصواب البيت:

ألا مَن لِقَلْبٍ معـنًّى غَزِل     بِحُـبِّ المُحِلَّة أُخْـتِ المُحِلّ

ورواه المبرد في الكامل[1]:

ألا مَن لِقَلْبٍ معنًّى غَزِل     بِذكْرِ المُحِلَّة أُخْتِ المُحِلّ

  • الإبانة، ط1، 1/268:

“وأصل يَلِدُ: يَوْلِد، فلما جاءت الواو بين ياء وكسرة، حولوها. فإن جاءت الواو بين ياء وفتحة، أو بين ياء وضمة لم تحذف”.

قلتُ: حولوها تحريف، والصواب خزلوها، وقد قال العوتبي قبل هذا الموضع بصفحتين (1/266): ” وأصل ترميْهم: ترميُهم، فاستثقلوا الضمة على الياء فخزلوها“.

ولعل العوتبي أخذ النص من ابن خالويه الذي قال: ” (لم يلد) جزم بلم، والأصل يَولِد، فلما حلت الواو بين ياء وكسرة خزلوها، فإن حلت الواو بين ياء وفتحة أو بين ياء وضمة لم تحذف”[2].

  • الإبانة ط1، ( 2/ 272):

“والأصلُ في تبَشْبَشَ: تبَشَّش فاستقلوا الجمع بين ثلاث شينات فأبدلوا من الثانية باء”.

قلتُ: فاستقلوا تحريف، والصواب: فاستثقلوا.

  • الإبانة، ط1، 3/213:

“قال:

أتطمعُ أن تسودَ ولا تغنّي     وكيف يسود والدعةُ البخيلُ

فإن سيادة الأقوام فاعلم      لها صعداءُ مسلكُها طويلُ”.

قلتُ: الصواب:

أتطْمَعُ أن تسُوْدَ ولا تعـنَّى    وكيف يسُوْدُ ذُو الدَّعَةِ البخيلُ

وتغنى بالغين في مطبوع الإبانة تصحيف.

وإن صحت رواية الإبانة:

وكيف يسود والدعة البخيل

فالواو واو المعية، والدعة مفعول معه منصوب تقدم على مصاحبه (البخيل) كما أجازه ابن جني[3] خلافا لرأي الجمهور[4]، على أن (الدعة) في مطبوع الإبانة مضمومة الآخِر.

والبيتان في البيان والتبيين للجاحظ وفي محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني، والرواية فيهما[5]: أترجو أن تسُودَ …

  • الإبانة، ط1، 4/305:

” وكلُّ شيءٍ دلَّـكَ على شيءٍ فهو مئنَّة؛ وفي الحديث: (طول الصلاة وقصر الخطبة من فقه الرجل) أي مخلقة لذلك ومجدرة ونحو ذلك”.

قلتُ: ترى أن العوتبي جاء بالحديث شاهدا، ولكنك لا تجد موضعا لذلك الشاهد! والشاهد في كلمة (مئنة) التي سقطت من الحديث في مطبوع الإبانة، أي مئنة من فقه الرجل.

  • الإبانة، ط1، 2/161:

“وإذا جمعتَ أمْسِ على أدنى العدد قُلتَ: ثلاثة أمؤُس مثل فرْخٍ وأفْرُخ وفَلْس وأفْلُس، ويجوزُ ثلاثة أماسٍ مثل فَرْخ وأفْراخِ وزبد وأزباد“.

قلتُ: جموع القلة هي أَفْعْـل وأَفْعال وأَفْعِلَة وفِعْلَة، وذكر العوتبي في هذا النص جمع أمس على أَفْعُل وأَفْعال مثل أفْرُخ وأفْراخ، وجمع أمس على أفعُل هو آمُس (بالمد) والأصل أأْمُس، وجمعها على أفْعال هو آماس (بالمد) والأصل أَأْماس، وليس كما جاء في المطبوع (أماس).

ويجمع على فُعُول فتقول أُمُوْس، وما جاء في مطبوع الإبانة “ثلاثة أمؤس مثل فرخ وأفرخ” لا يستقيم، فإذا أريد الجمع مثل أفْرُخ فهو أأْمُس فتصير (آمُس)، وإن أُريد الجمع مثل فُروخ فهو أُمُوْس بهمزة فميمٍ مضمومتين.

وزبد وأزباد تصحيف، والصواب: زَنْد وأَزْناد. قال أبو حيان الأندلسي: “وقالوا في جمعه أيضًا: آمُس وآماس كزَنْد وأزْناد وأزْنُد”[6]، وكان أبو حيان قد ذكر قبلُ جمع أمس على أُمُوْس.

  • الإبانة، ط1، 1/154-155:

“ومثله: ﴿لَاۤ ‌أَعۡبُدُ ‌مَا ‌تَعۡبُدُونَ﴾ تقديره: ما تعبدونه، فحذف الهاء، والعرب إذا طال عليها الاسم بالصفة حذفوا الهاء. قال الشاعر:

ذَرِيْنِيْ إنَّما خَطئي ولومِيْ    عليَّ وإنَّ ما أهلكْـتُ مالُ

أي: إن ما أهلكته هو مال”.

قلتُ: كلمة (الصفة) في (والعرب إذا طال عليها الاسم بالصفة …) تحريف والصواب الصلة، وقد جاءت الصلة في الآية وفي الشاهد الشعري بعد الاسم الموصول (ما)، فالصلة هي التي طالت وليس الصفة، وكثيرا ما يقترن الطول بالصلة في كلام النحويين. قال أبو علي الفارسي: “فإذا طالت الصلة كان الحذف أحْسَن”[7]، وقال الرضي: “وقد طالت الصلة بنصب المفعول”[8].

على أن العوتبي أخذ النص – حسب ما يظهر – من ابن خالويه الذي قال في إعراب (سورة الكافرون):” تعبدون: صلة ما. والواو الذي فيه ضمير الفاعلين. والهاء المضمرة تعود على الذي، والتقدير: ما تعبدونه … فلما طال الاسم بالصلة حذفوا الهاء… قال الشاعر:

ذريني إنما … “[9].

  • الإبانة، ط1، 3/342:

“وأنشدَ الفراء في تذكير المؤنث:

فلو كنتَ في يوم الرخاء سألْتَني    فِراقَكَ لم أبْخَلْ وأنتَ صديقُ”.

هكذا ضُبط البيت بالخطاب للمذكر، والصحيح أنه خطاب للأنثى، (سألتِني، كنتِ، فراقكِ، وأنتِ) بل هو خطاب رجل لأمرأته، ويروى طلاقكِ مكان فراقكِ، وبعد هذا البيت قوله[10]:

فما رُدَّ تزويجٌ عليه شهادةٌ     ولا رُدَّ مِنْ بعدِ الحَرارِ عتيقُ

قال البغدادي (1093هـ): “وزعم بعضهم أن الخطاب لمذكر وروى: فراقكَ بدل: طلاقك. وهذا كله ناشئ من عدم الاطلاع على البيت الثاني”[11]. على أن هذا الموضع من الإبانة لا يستقيم إلا بخطاب الأنثى لأن العوتبي يقول قبل إيراد البيت: “وأنشد الفراء في تذكير المؤنث“، فالشاهد أنه يجوز أن يقال: صديق للأنثى.

وهذا الشاهد الذي صرح العوتبي بأن الفراء أنشده وجدتُه في كتاب الفراء (معاني القرآن)، وأوله:

فلو أنْكِ في يوم الرخاء سأَلْتِنِي …

وهو شاهد نحوي على إعمال (أنْ) الخفيفة في غير ضمير الشأن، ولم أجده في غير الإبانة مبدوءا بـ( فلو كنت … ) وعلى ذلك قـد يكون البيت في الإبانة محرفا أولُه.

  • الإبانة، ط1، 1/282:

“مشائيم ليسوا مخلصين عشيرةً     ولا ناعِبٍ إلا بِبَــيْـنٍ غُرابُها”[12].

الصواب: مُصْلِحِينَ، وقد ورد البيت صحيحا في موضع آخر من الإبانة (4/407)، والغريب تعليق المحققين في الموضعين، إذ قالوا في الموضع الأول: “نسَبَه سيبويه للفرزدق (2/29)، وليس في ديوانه“، وقالوا في الموضع الثاني: “… وعُزي في الكتاب 3/29 (عبد السلام هارون) إلى الفرزدق، وهو في ديوانه 1/123 (الصاوي)”، فلعلَّ الذي بحث عن البيت في الموضع الثاني كان أكثر حرصا وصبرا من الذي بحث عنه في الموضع الأول، وما أشد حاجة المحقق إلى الصبر!

وفي الموضع الأول من تعليق المحققين خطأ يبدو طباعيا، وهو قولهم إن الشاهد في الجزء الثاني (2/92)، وهم يريدون الجزء الثالث (3/29) كما نصوا على ذلك في الموضع الثاني، على أن هذا الشاهد ورد في كتاب سيبويه في ثلاثة مواضع، وهي: (1/165) و(1/306) و(3/29).

  • الإبانة، ط1، 4/230:

“قال زهير:

ثلاثٌ كأقْواسِ السَّراءِ وناشِطٌ     قدِ اخْضَرَّ من لسِّ الضمير جَحافلُهْ

الضمير: نباتٌ أخضر قد غَمَرَهُ اليبسُ”.

قلتُ: الضمير خطأ، والصواب الغَمِير كما جاء في كتاب العين[13]، وكما جاء في الإبانة في موضع آخر (2/38)، وكما جاء في شرح ثعلب لشعر زهير[14].

  • الإبانة، ط1، 2/126:

“وقد يكون معنى إذ معنى إذا، وتكون إذ لما يُستقبل كما تكونُ إذا لما يُسْتَقْبَلُ، وهو في القرآن والأشعار كثير. قال الله – تعالى-: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ}. ومثله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ} كأنه قال: إذ وُقِفُوا، لأن هذا لم يقع بعد”.

قلتُ: المراد: كأنه قال: إذا وقفوا …

  • الإبانة، ط1، 4/280:

“واليهود يجعلون كل سين من الكلام شيئاً، يقولون في سلام شلوم، وفي إسرائيل إشرائيل، وفي إسماعيل إشمول، وما يشبه هذا”.

قلتُ: من البيِّن أن (شيئا) محرفة، والصحيح: شِيـنًا، ولعله خطأ طباعي.

  • الإبانة، ط1، 2/119:

” قال الشاعر:

أمَّا الرحيلُ يكون بعْدَ غدٍ      فمتى تقول الدار تجْمَعُنَا”.

قلتُ: يكون بعد غد تحريف، والصواب: فـدُوْنَ بعد غـد، والفاء في (فـدون) واقعة في جواب (أما)، وقوله: فدون بعـد غد أي قبل (بعد غد)، وأنت ترى أنه عبَّر “عن الغد بعبارة بعيدةٍ … أي: ففي اليوم الذي هو قبل بعـد غـد، وذلك اليوم هو الغد”[15].

وهذا البيت لعمر بن أبي ربيعة استشهد به سيبويه[16] وكثير من النحويين[17]، والقول في البيت معناه: الظن، فقوله: متى تقول الدار تجمعنا. أي متى تظن الدار تجمعنا، وقد ورد هذا الشاهد الشعري صحيحا في موضع آخر من الإبانة، ولكن التصحيف وقع في شرح البيت وتوجيه الشاهد! فقد جاء في الإبانة، ط1، 4/719: “آخر:

أما الرحيل فدون بعد غد     فمتى تقول: الدارُ تجمعنا

أي بَطْن الدار. قال الفراء: من العرب من يذهب بالقول مذهب الظن مع حروف الاستفهام، فتقول: أقلت زيداً قائماً؟ ومتى تقول بكراً منطلقاً؟ ولا يقولون مع غير الاستفهام”[18].

فالكلام هنا في القول بمعنى الظن، ووجه الاستشهاد أنَّ (تقول الدار) في البيت يعني (تظن الدار)، فقول الشاعر: متى تقول يعني: متى تظن، ولذلك فإن عبارة (أي بطن الدار) في الشرحِ تصحيف، والصواب: أي تظن الدار، أي أنَّ القول في البيت بمعنى الظن، وما نقله العوتبي بعد ذلك عن الفراء يبين ذلك، ومن الخطأ رفع كلمة (الدار) لأنها مفعول لـ(تقول)، ومن الخطأ أيضا وضع النقطتين الرأسيتين (:) بعد كلمة (تقول) لأن ما بعدها ليس كلاما مقولا.

  • الإبانة، ط1، 2/31:

“والعربُ تقولُ: مررتُ برجلٍ حسنِ العين قبيح الأنف، والمعنى حسنةٌ عينُه قبيحٌ أنفه”.

قلتُ: حسنِ العين (بالإضافة) تحريف، فليس هذا تركيبا إضافيا، والصواب: حسنةٍ العينُ، فتقول: مررتُ برجلٍ حسنةٍ العينُ قبيحٍ الأنفُ، وإنما يقال للأنف: قبيح، ولا يقال: قبيحة لأن الأنف مذكر.

والمراد في هذه المسألة أن الألف واللام في مقام الضمير، فيجوز أن تأتي بالضمير فتقول: مررتُ برجلٍ حسنةٍ عينُه، ويجوز أن تأتي بالألف واللام فتقول: حسنةٍ العينُ. والمسألة ذكَرَها الفراء في توجيه قوله تعالى: ﴿جَنَّٰتِ عَدۡنࣲ ‌مُّفَتَّحَةࣰ لَّهُمُ ٱلۡأَبۡوَٰبُ﴾ فقال: ” ترفع (الأبواب) لأن المعنى: مفتَّحةً لهم أبوابُها. والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة فيقولون: مررتُ على رجلٍ حسنةٍ العينُ قبيحٍ الأنفُ والمعنى: حسنةٍ عينُه قبيحٍ أنفُه”[19].

لتحميــل البحــث اضغــط هنا

[1] الكامل، 3/1193.

[2] إعراب ثلاثين سورة، ص230.

[3] الخصائص، 2/385.

[4] شرح الأشموني، 1/423.

[5] البيان والتبيين، 1/229. محاضرات الأدباء، 1/199.

[6] ارتشاف الضرَب، 3/1429.

[7] التعليقة على كتاب سيبويه، أبو علي الحسين بن أحمد الفارسي، تحقيق: عوض بن حمد القوزي، ط1، 1990م، 1/273.

[8] شرح الرضي على كافية ابن الحاجب، تحقيق: عبد العال سالم مكرم، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 1421هـ – 2000م، 4/404.

[9] إعراب ثلاثين سورة، ص213.

[10] خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب: عبد القادر بن عمر البغدادي، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط2، 1404هـ – 1984م، 5/427.

[11] المصدر السابق، 5/428.

[12] الإبانة 1/282.

[13] كتاب العين: الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2003م، مادة (س ر أ).

[14] شرح شعر زهير بن أبي سلمى: أبو العباس ثعلب، تحقيق: فخر الدين قباوة، ص106.

[15] المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية: بدر الدين محمود بن أحمد العيني، حققه علي محمد فاخر وآخرون، دار السلام، ط1، 2010م، ص893.

[16] كتاب سيبويه، 1/124.

[17] ينظر:

  • المقتضب المقتضب: أبو العباس محمد بن يزيد المبرد، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، لجنة إحياء التراث الإسلامي/ مصر، ط2، 1994م. 2/384.
  • المفصل في صنعة الإعراب: أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق: فخر صالح قدارة، دار عمار، عمَّان، ط1، 1425هـ – 2004م، ص261.

[18] الإبانة، 4/719.

[19] معاني القرآن، 2/408.

يسعدنا تقيمك لهذا المقال

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى