الفقه وأصوله

المعاصي مفسدات للصيام([1])

عزان بن سعيد بن سيف الخوالدي

الأمر الأول: شرح الضابط:

المراد بهذا الضابط أن المعاصي([2]) مفسدة للصيام, فقد رجح الإمام السالمي القول بنقض الصوم بها, كالغيبة والنميمة ونحوها, وستأتي الأدلة التي اعتمد عليها ووجه الدلالة منها, فمن قارف شيئا من المعاصي في نهار رمضان فقد أفسد صومه([3]), فإن استغفر من حينه وتاب من خطيئته فلا بدل عليه, قال الإمام: “ويستلزم ذلك القول بالنقض عند الإصرار فقط”([4]).

الأمر الثاني: أدلة الضابط:

الدليل على أن المعاصي مفسدة للصيام:

أولا: النص على نقض الصوم بالغيبة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “الْغِيبَةُ تُفَطِّرُ الصَّائِمَ وَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ”([5]), وهو نص في النقض لا يقبل التأويل([6]).

ثانيا: حديث: “وَلاَ صَوْمَ إِلاَّ بِالْكَفِّ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ”([7]), ووجه الدلالة منه العموم الوارد فيه فهو يشمل الغيبة وغيرها([8]), قال في شرح الجامع: “أي لا يصح الصوم إلا بترك ما حرم الله فعله على الصائم ففيه دليل على ما قاله أصحابنا رحمهم الله تعالى أن المعاصي تنقض الصوم”([9]).

ثالثا: حديث: “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشرابه”([10]), وفي الحديث دلالة قوية على النقض؛ لأن قول الزور والعمل به مما علم النهي عنه مطلقا, والصوم مأمور به مطلقا, فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة فيه معنى نفهمه. على أنه ليس المقصود من شرعية الصوم الجوع نفسه والعطش, بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة, فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر قبول([11]).

والقول بالنقض هو الذي عليه الفتوى في المذهب الإباضي كما نص على ذلك الإمام السالمي([12]), وإليه ذهب الأوزاعي([13])كما في المجموع([14]), وابن حزم([15]) في كتابه المحلى بالآثار([16]).

وقيل بأن المعاصي لا تنقض الصوم, ونسبه الإمام إلى الجمهور([17]), وأولوا حديث: “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشرابه”([18]), وحديث: “وَلاَ صَوْمَ إِلاَّ بِالْكَفِّ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ”([19]) بأن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه, أما البطلان فلا([20]).

أما الروايات الواردة في الغيبة والنميمة والكذب كرواية: “خَمْسٌ يُفَطِّرْنَ الصَّائِمَ: الغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالكَذِبُ وَالقُبْلَةُ وَاليَمِينُ الفَاجِرَةُ”([21]), فردها بعض([22]), وأولها آخرون بأن المراد بطلان الثواب لا نفس الصوم([23]).

وقد تمسك الإمام السالمي برواية: “الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ وَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ”([24]) لورودها من طريق صحيح ثابت عند الربيع([25]).

وأجاب على التأويل بأن رواية الربيع نص في النقض لا يقبل التأويل([26]).

الأمر الثالث: تطبيقات الضابط:

  • من تعمد الكذب في شهر رمضان فسد يومه وعليه بدله؛ لأن الكذب من كبائر المعاصي, وكبائر المعاصي مفسدة للصوم كما تقرر([27]).
  • من تعمد النظر إلى فرج حرام وهو صائم في شهر رمضان فسد يومه وعليه بدله؛ لأن النظر إلى الفروج عمدا من كبائر المعاصي([28]).

لتحميل المقال اضغط هنا


([1]) هذا هو الضابط السابع من ضوابط الصيام عند الإمام السالمي من كتاب معارج الآمال.

([2]) نص الإمام على أن المفطرات أربعة: “إدخال داخل, وإخراج خارج, والجماع, وكبائر المعاصي”, فجعل النقض بالكبائر, إلا أنه عند تفصيل المسألة وأدلتها لم يفرق بين الكبائر وغيرها وإنما أطلق لفظ المعاصي في كل موضع حتى في عنوان المسألة حيث قال: “تنبيه: في نقض الصوم بالمعاصي”, السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص314, ويؤيد الإطلاق أيضا الدليل الذي ذكره من ضمن الأدلة التي اعتمدها وهو قوله عليه الصلاة والسلام: “وَلاَ صَوْمَ إِلاَّ بِالْكَفِّ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ”, فتدخل فيه كل المعاصي, وقد نص الأمام على هذا العموم أيضا بقوله: “وهذا يتناول جميع المعاصي”, السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص315, ولذا جاءت صياغة الضابط: “المعاصي مفسدات للصيام“, والخلاف حاصل في التفريق بين الكبار والصغائر في النقض وعدم التفريق, فمن قائل بأن المعاصي جميعا ناقضة للصيام, ومنهم من يجعل النقض في الكبائر دون الصغائر, انظر الخلاف: السالمي, جوابات الإمام السالمي, مرجع سابق, ج2, ص341, والسالمي, عبد الله بن حميد, جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام, ط2, (سلطنة عمان: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية, 2018م), ج1, ص187, ولم أتطرق إلى تفصيل الخلاف في التفريق بين الكبائر والصغائر وإنما اكتفيت بذكر القولين؛ النقض بالمعاصي, وعدم النقض بها مع ذكر أدلة الفريقين.

([3]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص315, والجيطالي, قواعد الإسلام, مرجع سابق, ج2, ص83.

([4]) السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص314.

([5]) الربيع, الجامع الصحيح, مرجع سابق, رقم الحديث: 105, ج1, ص33.

([6]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص316.

([7]) الربيع, الجامع الصحيح, مرجع سابق, رقم الحديث: 91, ج1, ص30.

([8]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص315.

([9]) السالمي, شرح الجامع الصحيح, مرجع سابق, ج1, ص177.

([10]) البخاري, صحيح البخاري, مرجع سابق, رقم الحديث: 1804, ج2, ص173.

([11]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص316.

([12]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص314, وابن بركة, الجامع, مرجع سابق, ج2, ص1057-1059.

([13]) عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، والأوزاع بطن من همدان، ولد سنة 88هـ، كان كثير الحديث والعلم والفقه حجة، وكان يسكن بيروت، وبها مات سنة 157هـ في آخر خلافة أبى جعفر وهو ابن سبعين سنة, انظر: ابن سعد, محمد بن سعد بن منيع الزهري, الطبقات الكبير, تحقيق: د.علي محمد عمر, ط1, (القاهرة: مكتبة الخانجي, 2001م), ج9, ص488.

([14]) انظر: النووي, محيي الدين بن شرف, المجموع شرح المهذب, د.ط, (القاهرة: مطبعة التضامن الأخوي, 1347هـ), ج6, ص356.

([15]) علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، مولى يزيد بن أبي سفيان, ولد بقرطبة سنة 384هـ, وكان حافظا عالما بعلوم الحديث وفقهه, توفي سنة 456هـ, من مصنفاته: الإحكام لأصول الأحكام, والمحلى بالآثار, وغيرها, انظر: ابن خلكان, وفيات الأعيان, مرجع سابق, ج3, 325.

([16]) انظر: ابن حزم, علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي, المحلى بالآثار, تحقيق: عبد الغفار البنداري, د.ط, (بيروت: دار الفكر, د.ت), ج4, ص304.

([17]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص314, ونسبه النووي أيضا إلى الجمهور في المجموع, انظر: النووي, المجموع, مرجع سابق, ج6, ص356, بل نقل ابن قدامة الإجماع على عدم النقض بقوله: “الغيبة لا تفطر الصائم إجماعا”, انظر: ابن قدامة, المغني, مرجع سابق, ج4, ص352. ويعكر عليه وجود القول بالنقض عند الإباضية وغيرهم كالأوزاعي وابن حزم.

([18]) سبق تخريجه.

([19]) سبق تخريجه.

([20]) انظر: النووي, المجموع, مرجع سابق, ج6, ص356, وابن حجر, أحمد بن علي بن حجر العسقلاني, فتح الباري بشرح صحيح البخاري, د.ط, (بيروت: دار المعرفة, 1379هـ), ج4, ص117.

([21]) ابن الجوزي, عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي, الموضوعات, تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان, ط1, (المدينة المنورة: المكتبة السلفية, 1966م), ج2, ص195.

([22]) ممن ردها النووي في المجموع حيث قال: “حديث باطل لا يحتج به”, النووي, المجموع, مرجع سابق, ج6, ص356, وقال الزيلعي في نصب الراية: ” رواه ابن الجوزي في “الموضوعات” من حديث عنبسة…وقال: هذا حديث موضوع، وقال ابن معين: سعيد كذاب، ومن سعيد إلى أنس كلهم مطعون فيهم، انتهى. وقال ابن أبي حاتم في “كتاب العلل”: سألت أبي عن حديث رواه بقية عن محمد بن الحجاج عن ميسرة بن عبد ربه عن جابان عن أنس أن النبي عليه السلام، قال: “خمس يفطرن الصائم”، فذكره، فقال أبي: إن هذا كذب، وميسرة كان يفتعل الحديث”, الزيلعي, عبد الله بن يوسف بن محمد, نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي, ط1, (بيروت: مؤسسة الريان للطباعة والنشر, 1997م), ج2, ص483.

([23]) النووي, المجموع, مرجع سابق, ج6, ص356.

([24]) سبق تخريجه.

([25]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص315.

([26]) انظر: المرجع السابق, ج8, ص316.

([27]) انظر: السالمي, معارج الآمال, مرجع سابق, ج8, ص317.

([28]) انظر: المرجع السابق, ج8, ص317.

يسعدنا تقييمك للمقال

تقييم المستخدمون: 4.4 ( 1 أصوات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى