اللحن في بعض كلمات الأذان: اللحن في الهمزة المحققة (تحليل صوتي)

سعيد بن سالم بن سعيد آل ثاني
الأذان شعار الإسلام، ورمز علوه وهيمنته، ومن أجل ذلك لا بد من إتقان أدائه وضبطه، وعدم الإخلال به، وفي السطور الآتية أتناول بإذن الله شيئا مما يتعلق بذلك، مختارا تحليل بعض ما ذكره الإمام نور الدين السالمي في كتابه معارج الآمال من اللحون التي يلحنها بعض المؤذنين، فقد ذكر الإمام السالمي -رحمه الله تعالى- في الجزء الثالث من المعارج أنه يجب على المؤذن أن يحترز من أشياء وذكر منها:
- مد همزة لفظ الجلالة (الله) فإنها تصير بالمد استفهاما، فيخرج المعنى عن الجزم بالتكبير.
- ومد همزة (أكبر) فإنها تصير استفهاما أيضا.
- ومد همزة (أشهد) فإنها تصير بالمد استفهاما.
وهنا أبين تفصيل المسألة من ناحية صوتية، وأبدأ بمقدمة في تعريف الأذان، وحكمه، وفضله كما ذكره الإمام السالمي، فالأذان لغة: الإعلام، وهو في الشرع: التعريف بالصلاة بألفاظ شرعية في أوقات مخصوصة.
ومن حكمة الأذان إظهار شعار الإسلام، وكلمة التوحيد، والإعلان بدخول الوقت، والدعاء إلى الجماعة. وفي فضل الأذان روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أذَّن سبع سنين محتسبا كُتِبَ له براءة من النار”، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة”.
ثم أبين هنا تفصيل المسألة من ناحية صوتية:
فاللحن الذي قد يقع فيه المؤذن في هذه الكلمات (الله، أكبر، أشهد) كما ذكره الإمام السالمي هو في نطق الهمزة؛ فتصبح همزة ممدودة، والصحيح النطق بها محققة بدون مد؛ ولتجنب هذا اللحن نذكر مخرج الهمزة وصفاتها التي تتصف بها؛ فمخرج الهمزة من الحنجرة (حرف حنجري) أو كما ينسبه البعض إلى أقصى الحلق، ومخرج حروف المد من أقصى الحلق عند من قال بعدم وجود مخرج الجوف؛ فجعل الألف من أقصى الحلق كالهمزة، والياء المدية من وسط اللسان، والواو المدية من الشفتين.
ولا بد عند إنتاج أي صوت لغوي من وجود عاملين أساسين؛ وهما: النفس، وهو الذي يأتي من هواء الزفير، والعارض، وهو الذي يحدث في أي جزء من أجزاء آلة النطق وينقطع النفس عنده ويعرف بالمخرج؛ فالمخرج هو النقطة التي تعترض فيها آلة النطق تيار النفس المندفع من الرئتين[1].
والعضو الذي يعطي الصوت اللغوي الصفة المميزة له من جهر أو همس هو الوتران الصوتيان؛ وطريقة اعتراض آلة النطق للنفس في المخرج ودرجة الاعتراض ومقداره تعطي الصوت اللغوي صفاته المميزة له من شدة أو توسط، أو رخاوة، ووضع اللسان عند نطق الصوت اللغوي تعطي الصوت اللغوي صفاته الخاصة أو المميزة له من استعلاء أو استفال أو إطباق أو انفتاح.
فنلاحظ أن عملية إنتاج أي صوت لغوي عملية مركبة يتطلب لها اجتماع عدد من العناصر لإنتاجه؛ وأن أي خلل بسيط في عنصر من عناصر إنتاج الصوت اللغوي يبدل الصوت إلى صوت آخر غير مطلوب في نطق الكلمة المرادة، وربما غير معناها إلى معنى آخر، أو يغير لفظ الكلمة من أسلوب إلى أسلوب آخر مثل تغير صوت همزة القطع المحققة نطقا إلى همزة ممدودة للاستفهام.
ولنعد إلى صوت الهمزة من الكلمات (الله، وأكبر، وأشهد) فاللحن في هذه الكلمات كثيرا ما يقع في صوت الهمزة، فيمد المؤذن الهمزة؛ فتصبح همزة ممدودة – مع العلم بأن صوت الهمزة المحققة لا يمكن مده؛ لأن مخرجه محقق فلا يقبل الزيادة، ولكن المؤذن يحوله إلى همزة ممدودة؛ فيختل المعنى المراد إلى معنى غير مراد، وقد يكون غير مقصود من المؤذن.
فهمزة لفظ الجلالة (الله) تصير بالمد استفهاما، فيخرج المعنى عن الجزم بالتكبير إلى الاستفهام عن الكبير، وهمزة (أكبر) أيضا تصير بالمد استفهاما، وكذلك جعل الهمزة ممدودة من كلمة (أشهد) فإنها تصير بالمد استفهاما، وليس جزما بالأمر.
فالموضع في آلة النطق الذي يحدث فيه اعتراض للنفس عند نطق الهمزة هو الحنجرة، وهي تجويف غضروفي صغير مكوَّن من عدد من الغضاريف التي تضم في داخلها الوترين الصوتيين، والوتران الصوتيان هما أهم أجزاء الحنجرة في عملية التصويت، ويمكن أن يتخذا أشكالا متعددة، وتنتج الصفات المميِّزة للصوت من همس أو جهر تبعا لذلك؛ فتسمى الأصوات التي تنطق ويكون الوتران الصوتيان بينهما تباعد بالأصوات المهموسة، وتسمى الأصوات التي تنطق ويكون الوتران الصوتيان بينهما تضام -بحيث يتمكن النفس من فتحهما ثم يعودان إلى التضام بالأصوات المجهورة، -ومن الأصوات المجهورة حروف المد- ، وأما الصوت الذي ينطق ويكون الوتران الصوتيان بينهما انطباق تام فهو الهمزة، بحيث لا يسمحان للهواء الخارج من الرئتين بفتحهما أو غلقهما فينضغط الهواء لحظة في الحنجرة وعندما ينفتح الوتران الصوتيان يسمع صوت انفجار نتيجة لاندفاع الهواء الذي كان مضغوطا فيحدث حينئذ صوت الهمزة[2].
فالآن عرفنا مخرج الهمزة، وذلك عندما يحدث اعتراض للنفس في الحنجرة، وعرفنا حال الوترين الصوتيين بأن يقفل الوتران مجرى النفس لحظة ثم يطلقاه. بقي أن نعرف مقدار هذا الاعتراض فقد يكون اعتراض أعضاء آلة النطق للنفس في مخرج الصوت اعتراضا كاملا بحيث يؤدي التقاء عضوي النطق إلى قفل مجرى النفس فينحصر الهواء لحظة ثم ينفتح العضوان فجأة؛ فيُحدث الهواء المحبوس خلف العضوين صوتا شديدا يشبه صوت الانفجار، ويسمى الصوت الناتج صوتا شديدا أو صوتا انفجاريا، وهذا الذي يحدث عند نطق صوت الهمزة، فالهمزة صوت حنجري انفجاري، وقد يكون هذا الاعتراض في مخرج الصوت غير كامل بحيث يبقى بين العضوين منفذ بسيط يتسرب منه الهواء فيُحدث الصوت احتكاك الهواء في ذلك المنفذ في أثناء تسربه للخارج، وتسمى هذه الأصوات بالأصوات الرخوة، أو الاحتكاكية، وقد يكون الاعتراض في مكان من آلة النطق كاملا لكن يجد الهواء الخارج منفذا آخر يخرج منه وتسمى الأصوات حينئذ بالأصوات المتوسطة، وهناك أصوات لا يحدث في أثناء نطقها إلا اعتراض محدود لمجرى النفس فيمر الهواء حرا طليقا خلال الحلق والفم ولا يصاحبه إلا أدنى تضييق ويحدث هذا في نطق الأصوات الذائبة (الممدودة)، وهي أصوات كلها مجهورة، ولولا الجهر الذي فيها لصارت أقرب إلى النفس غير المسموع[3].
ومن خلال هذا العرض الموجز نلاحظ أن صوت الهمزة يحدث في أثناء نطقها غلق لمجرى النفس ولا تهتز الأوتار الصوتية عند النطق بها، – لذلك عدها بعض علماء الصوت المحدثين غير مهموسة ولا مجهورة- وأصوات المد أو الأصوات الذائبة لا يحدث في انتاجها إلا اعتراض محدود لمجرى النفس مع اهتزاز الوترين الصوتيين، فيمر الهواء حرا طليقا من غير أن يحدث احتكاكا مسموعا، فالفرق بين الهمزة وحرف المد هو أن الهمزة ثنائية التصويت، فإذا فقدت المخرج بقي عمل الوترين الصوتيين– هذا عند من عد الهمزة صوت مجهور، وبه قال معظم علماء اللغة العربية والتجويد-، وهو مخرج حروف المد عند من قال بأن الألف تخرج من مخرج الهمزة؛ فبذلك تتحول الهمزة إلى صوت ممدود، أما حروف المد فهي أحادية التصويت أي أنها تحدث باهتزاز الوترين الصوتيين، فإذا لم تهتز الأوتار الصوتية عند النطق بها تحولت إلى نفس غير مسموع، وصفة الجهر التي فيها هي التي تجعلها واضحة السمع[4].
بقي شيء بسيط ينبغي ذكره هنا بما أن الكلمات (الله، أكبر، أشهد) مفتوحة الهمزة فمن المناسب ذكر العلاقة بين الحركات والحروف المدية، يقول سيبويه[5]: فالفتحة من الألف، والكسرة من الياء، والضمة من الواو، فنلاحظ بأنهما من طبيعة واحدة وهذا ما أكده ابن جني بقوله[6]: اعلم أن الحركات أبعاض حروف المد واللين، فكما أن هذه الحروف ثلاثة فكذلك الحركات ثلاث؛ وهي: الفتحة والكسرة والضمة، فالفتحة بعض الألف، والكسرة بعض الياء، والضمة بعض الواو[7].
فالمؤذن قد يكون وقع في زيادة زمن صوت الفتحة التي تنطق بعد الهمزة مباشرة؛ فإذا أشبع المتكلم الفتحة تولد منها ألف، وكذلك إذا أشبع الضمة يتولد منها واو، وإذا أشبع الكسرة تولد منها ياء.
وهنا ندرك العلاقة بين الفتحة والألف؛ فالفتحة بعض الألف فإذا أطال المؤذن صوت الفتحة تحولت إلى ألف، وإذا أطال الألف تحولت إلى حرف مد، يقول ابن جني: ويدلك على أن الحركات أبعاض لهذه الحروف –أي حرف المد- أنك متى أشبعت واحدة منهن حدث بعدها الحرف الذي هي بعضه، ومثَّل على ذلك بقول: وذلك نحو فتحة عيم عَمر فإنك إذا أشبعتها حدث بعدها ألف فقلت عامر[8]…
لذك ينبغي على المؤذن تحقيق نطق الهمزة في هذه الكلمات، وعدم مدها، لئلا تكون همزة ممدودة؛ وذلك بإخراجها من مخرجها وإعطاءها الصفات التي تميزها عن غيرها، وعدم زيادة زمن الحركة المحركة بها والتي تنطق بعدها مباشرة.
لتحميل المقال اضغط هنا
[1] – الدراسات الصوتية عند علماء التجويد، غانم قدوري الحمد، دار عمار، 1430هـ- 2009م.
[2] – ينظر: الأصوات اللغوية، إبراهيم أنيس،مكتبة نهضة مصر، نظرة متعمقة في علم الأصوات، هلا السعيد، مكتبة الأنجلو المصرية،2015، الدراسات الصوتية عند علماء التجويد، غانم قدوري الحمد،دار عمار،1430هـ- 2009م.
[3] – ينظر:الدراسات الصوتية عند علماء التجويد، غانم قدوري الحمد،دار عمار،1430هـ- 2009م، مقدمة في علم الأصوات اللغوية، عصام الدين عبدالسلام أبو زلال، الطبعة الأولى،2006
[4] – المدخل إلى علم أصوات العربية، غانم قدوري الحمد، دار عمار، الطبعة الثانية،1436هـ- 2015م
[5] – الكتاب، سيبويه (أبو بشر عمرو بن عثمان)، تحقيق عبدالسلام محمد هارون، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1968م.
[6]– سر صناعة الإعراب، ابن جني، تحقيق مصطفى السقا وآخرون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر،1954م
[7] – نقلا من كتاب: المدخل إلى علم أصوات العربية، غانم قدوري الحمد، دار عمار، الطبعة الثانية،1436هـ- 2015م
[8]– سر صناعة الإعراب، ابن جني، تحقيق مصطفى السقا وآخرون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر،1954م