الحديث وعلومه

الطعون المؤثرة في عدالة الراوي وضبطه

      

عبدالرحمن بن علي بن مسعود السديري

يقسم علماء الجرح والتعديل الطعونَ المؤثرة في الراوي إلى قسمين أساسيين هما([1]):

1-      الطعون المؤثرة في عدالة الراوي.

2-      الطعون المؤثرة في ضبط الراوي.

أما الطعون المؤثرة في عدالته فهي:

  • الكفر: وهو أشد ما يطعن في عدالة الراوي.

جاء في أصول الحديث([2]): “فلا تقبل رواية الكافر: وذلك بالإجماع سواء أعلم من دينه الاحتراز عن الكذب أم لم يعلم”. وهذا الشرط_ أي أن يكون الراوي مسلماً _ هو شرط أداء لا شرط تحمل، إذ يصح أن يكون تَحَمَّلَ ما رواه وهو كافر([3])، وهو قول الجمهور([4])، يقول ابن الصلاح : “يصح التحمل قبل وجود الأهلية، فتقبل رواية من تحمَّل قبل الإسلام وبعده”([5]).

ويقول الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي – حفظه الله تعالى -:”فالكافر لا تقبل روايته سواء أعلم تحرزه عن الكذب أو لم يعلم، وسواء كان يعتقد حرمته أم إباحته، لأنه ليس بعد الكفر ذنب ولأنه لا يؤمن كيده للإسلام، فلا وثوق به إطلاقاً إلا إذا أسلم وكان قد سمع أثناء كفره، ثم أداه بعد إسلامه فإنه يقبل منه عند الجمهور”([6]).

  • الفسق.

 وقد استُدل على عدم قبول رواية الفاسق بقوله تعالى:” يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ” (الحجرات:6).

 أورد الخطيب البغدادي في الكفاية([7]) عن المغيرةعن إبراهيم قال: “كانوا إذا أرادوا أن يأخذوا عن رجل نظروا إلى صلاته وإلى سمته وإلى هيئته”.

  • خوارم المروءة.

 المروءة([8]) حالة تحمل الإنسان على الاتصاف بالكمالات الإنسانية وعلى تجنب الأحوال الردية([9]) يقول الإمام السالمي في شمس الأصول([10]) عن شروط الراوي:

وكان ذا مروءة تصونه            عن فعل ما يرديه أو يشينه

 والمروءة خاضعة للعرف، وهذا ما جاء في تعريف بعضهم للمروءة حيث قال: هي التخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه([11]).

  • التدليس: إن قصد الراوي إخفاء ضعيف، كما يقع في تدليس التسوية أو نحو ذلك.
  • الكذب في حديث الناس: لأنه لا يؤمن من كذبه في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

 والكذب من الكبائر، وهو من صور الفسق([12]) فالكاذب يعتبر فاسقاً ولذا فإن حُكْمَه حُكْمُ الفاسق في عدم قبول حديثه، وفي طعنه. قد يقول قائل: فما حكم من تاب من الكذب في حديث الناس؟ والجواب: أن توبته مقبولة، ولا جرح عليه بعد ذلك.

  • الوضع.

          يرى جمهور العلماء أن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصل إلى حد الكفر([13])، قال في “شرح النيل”: “والحق أنه فاحشة عظيمة أو موبقة كبيرة، ولكن لا يكفر بها إلا إن استحله“([14]) ويقول الإمام السالمي : “وعندنا أنه لا يشرك بل يكفر كفر نعمة”([15]).

  • البدعة: إذا كان الراوي المبتدع يجيز الكذب.
  • الجهالة: بأقسامها الثلاثة:
  • القسم الأول: جهالة العين.

 عرّفه الخطيب البغدادي فقال: “كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه ولا عرفه العلماء به ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد”([16]).

  • القسم الثاني: جهالة الحال.

وهو من جهلت عدالته الظاهرة والباطنة مع كونه معروف العين برواية عدلين عنه([17]).

  • النوع الثالث: المستور.

من يكون عدلاً في الظاهر ولا تعرف عدالته الباطنة([18]).

يقول الإمام الصنعاني: والعدالة الباطنة .. هي ما يرجع إلى تزكية المزكين([19]) .

  • الدخول على الأمراء: يعد التزلف للأمراء من الأسباب الحاملة على الوضع.

اختلف فيمن أخذ الأجرة على التحديث هل يطعن في عدالته أم لا؟ أو بلفظ آخر من كان يأخذ أجراً على التحديث هل تقبل روايته؟ وفي هذه المسألة أقوال:

  1. لا تقبل روايته: وهو قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم وأبي حاتم ([20])، وقالوا: لأن فيه خرماً للمروءة ([21]).
  2. تقبل روايته: وهو قول أبي نعيم الفضل بن دُكَين وعلي بن عبدالعزيز المكي البغوي([22]).
  3. تقبل روايته إذا امتنع عليه الكسب بسبب التحديث: وهو قول أبي لإسحاق الشيرازي ([23]).

ومعنى قوله هذا: أنه إذا حبس نفسه على الرواية والتحديث، وكان لا يمكنه الوصول إلى الكسب والرزق فهنا لا بأس أن تقبل روايته.

  • الإكثار من الرواية: وذلك إذا كان بلا تفقه، على خلاف بين العلماء في ذلك.
  • الرواية عن أهل الكتاب: إذا قصد الراوي عنهم الإساءة إلى هذا الدين.
  • أخذ الأجر على التحديث: إذا لم تلجئه الحاجة إلى ذلك.

أما الطعون المؤثرة في ضبط الراوي فهي:

  • الاختلاط: ويكون الاختلاط عن طريق الخرف([24]) وغيره، فيفقد المحدث ضبطه للحديث بل قد يفقد عقله.
  • التفرد: حسب الحالات التالية:
  • إذا تأخرت طبقة الراوي المتفرد.
  • تفرد المقل أو من خف ضبطه عن إمام مشهور يجمع حديثه.
  • تفرد بسلوك الجادة المشهورة.
  • أن تكون مرويات الراوي التي سمعها من شيخه معروفةً مضبوطة، فيتفرد عنه راوٍ فيروي عنه غيرها.
  • التفرد بما فيه ركاكة لفظ أو ركاكة معنى.
  • التفرد بما فيه مخالفة ما هو ثابت من الشرع دون إمكان الجمع بينهما.
  • الجنون.
  • الصغر في السن: إذا ثبت أن السن لم يكن سن ضبط، والراوي حدَّث بالشيء مما لم يضبطه.
  • الغفلة: أن يكون في كتابه غلط فيقال له في ذلك ([25]) فيترك ما في كتابه ويحدث بما قالوا ([26]) أو يغيره في كتابه على حسب تصحيحهم أو يصحف ذلك تصحيفا فاحشا يقلب المعنى([27]).
  • التساهل في السماع: وتشمل:
  • من لا يبالي بالنوم في مجلس السماع.
  • من يحدث من أصل غير مقابل على نسخة صحيحة.
  • من كان يكتب أو ينسخ أثناء تحديث الشيخ.
  • الوهم.
  • العمى: إذا كان يحفظ من كتابه.
  • رجوع المروي عنه ونفيه.
  • سوء الحفظ.
  • مخالفة الثقات: إذا كانت المخالفة كبيرة لا يسيرة.

لتحميل المقال اضغط هنا


[1]) تيسير مصطلح الحديث، محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، د ط، (1425هـ ـ 2004م)، ص110، بتصرف.

[2]) أصول الحديث، محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت، د ط، 1409هـ-1989، صـ230، وانظر: توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الصنعاني، ت: صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ط1، 1417هـ/1997م، جـ2/صـ84 . الحاشية، ونقل الإجماع كذلك: الإمام الغزالي في “المستصفى من علم الأصول “، دار الأرقم، د ط، ج1/صـ463، وكذلك: الإمام الرازي في ” المحصول في علم الأصول“، الرسالة، ط1، 1429ه-2008م، ج2/صـ161، والإمام السالمي في “طلعة الشمس “، عبدالله بن حميد السالمي (الإمام السالمي)، ت: عمر حسن القيام، مكتبة الإمام السالمي، بديّة، عُمان، د ط، (2010م)، ج2/50، والإمام أبو يعقوب الوارجلاني في “العدل والإنصاف“، وزارة التراث، عُمان، ب ط، (1404ه – 1908م)، ج2/151.

[3]) توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، مرجع سابق، ج2/صـ84-85.

[4]) رسالة في مصطلح الحديث، سعيد بن مبروك القنوبي، ((نقلاً عن: الرسالة الرضية في مسائل صلاة الإباضية، راشد بن سالم بن راشد البوصافي، بدون دار النشر، ج1/صـ116، حاشية)).

[5]علوم الحديث، عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (ابن الصلاح)، علوم الحديث، ت: نور الدين عتر، دار الفكر، ­­­دمشق، د ط (1406ه-1986م)، صـ128.

[6]) رسالة في مصطلح الحديث، سعيد بن مبروك القنوبي، ((نقلاً عن: الرسالة الرضية، ج1/صـ116، حاشية، مصدر سابق)).

[7]) الكفاية في علم الرواية، أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي، ت: د أحمد عمر هاشم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 (1405هـ-1985م)، صـ188.

[8]) يقال المروءة – بالهمزة- والمروّة– بتشديد الواو وحذف الهمزة-، انظر: منحة المغيث شرح ألفية العراقي في الحديث، لمحمد إدريس الكاندهلوي، ت: ساجد عبدالرحمن الصديقي، دار البشائر، ط1 (1430ه-2009م )، ص336.

 ([9]طلعة الشمس شرح شمس الأصول، مصدر سابق،ج2/52.

  ([10]شمس الأصول، عبدالله بن حميد السالمي، مكتبة الضامري، عمان، ط1 (1423ه-2002م)، ص34.

[11]) فتح الباقي بشرح ألفية العراقي، زكريا بن محمد الأنصاري، ت: د عبد اللطيف الهميم و ماهر ياسين الفحل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 (1422ه-2002م)، 1/306.

[12]) تحرير علوم الحديث، عبد الله بن يوسف الجديع، مؤسسة الريان، بيروت، ط3 (1428ه-2007م)، ج1/صـ381.

[13]) الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، محمد بن محمد أبو شهبة، عالم المعرفة، جدة، ط1، ص323-324.

[14]) شرح النيل وشفاء العليل، محمد بن يوسف إطفيش، مكتبة الإرشاد، جدة، ط3 (1405ه-1985م)، ج17/صـ599.

[15]) شرح الجامع الصحيح، عبد الله بن حميد السالمي، مكتبة الإمام نور الدين السالمي، السيب، عمان، ط10، 3/571.

[16]) الكفاية في علم الرواية، مصدر سابق، صـ111.

[17]) التأصيل الشرعي لـ “قواعد المحدثين “، عبد الله شعبان، دار السلام، القاهرة، ط1 (1426ه-2005م)، صـ214.

[18]) علوم الحديث، مصدر سابق، صـ112.

[19]) توضيح الأفكار، مصدر سابق، 2/121.

[20]) علوم الحديث، مرجع سابق، صـ118، و “، تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ت: أبي يعقوب نشأت بن كمال المصري، دار العقيدة، مصر، ط1 (1429ه-2008م )، صـ244 .

[21]) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، أحمد محمد شاكر، دار الغد الجديد، القاهرة، ط1 (1427ه-2006م) صـ145.

[22]) علوم الحديث، مرجع سابق، صـ119، تدريب الراوي، مرجع سابق، صـ244.

[23]علوم الحديث، مرجع سابق، صـ119، و ” تدريب الراوي“، مرجع سابق، صـ244.

[24]) تقريب النووي مطبوع مع شرحه المسمى تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للإمام السيوطي، يحيى بن شرف النووي، ت: محمد أيمن بن عبدالله الشبراوي، دار الحديث القاهرة د ط، (1423ه- 2002م)، صـ628.

[25]) أي فيقال له إن في كتابك خطأً.

[26]) أي بما قالوا من تصحيحهم الخطأ له.

[27]) الكفاية في علم الرواية، مصدر سابق، صـ179.

يسعدنا تقييمك للمقال

تقييم المستخدمون: 4.5 ( 1 أصوات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى