الضــوابط الفقهيــة

عزان بن سعيد بن سيف الخوالدي
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير المرسلين, محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد:
فإن الضوابط الفقهية مهمة للفقيه, فهي تساعده في معرفة مدارك الفقه وحقائقه, وتعليلاته الخفية وجوامعه, فينمي الملكة الفقهية والنفس الفقهي السليم المنضبط.
كما أنها تجنب الفقيه التناقض في الفروع الفقهية, والخلط بين المتشابه, فهي تضبط له الفقه على نسق واحد, وتميز بين فروعه ومسائله.
التعريف بالضابط لغة واصطلاحا:
الضابط اسم فاعل من الضبط, والضبط في اللغة يأتي بمعنى لزوم الشيء وعدم مفارقته, فقد جاء في كتاب العين: “الضَّبْطُ: لُزُوْمُ شَيْءٍ ]لا يفارقه[ فِيْ كُلِّ شَيْءٍ”([1]), ويأتي بمعنى حفظ الشيء بحزم كما في القاموس المحيط: “ضَبَطَهُ ضَبْطًا وَضَبَاطَةً حَفِظَهُ بِالْحَزْم”([2]), ويقال: ضَبَطَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ يَضْبِطُهُ ضَبْطًا إِذَا أَخَذَهُ أَخْذًا شَدِيْدًا, وَمِنْهُ سُمِّيَ الأَسَدُ الأَضْبَطَ وَالضَابِطَ؛ لأَنَّهُ يَأْخُذُ الفَرِيْسَةَ أَخْذًا شَدِيْدًا وَيَضْبِطُهَا, فَلَا تَكَادُ تَفْلتُ مِنْه([3]).
وفي تعريف الضابط اصطلاحا توجهان مبنيان على التفريق بين القاعدة والضابط وعدم التفريق بينهما.
فالذين يفرقون بينهما جعلوا الضابط مختصا بباب واحد وقصد به نظم صور متشابهة([4]).
أما الذين لا يفرقون بينهما فقد جعلوه كالقاعدة من حيث شمولها على أبواب شتى وعدم الاختصاص بباب واحد, فعرفوهما بأنهما أمر كلي منطبق على جميع جزئياته([5]).
وقد أطلق مصطلح الضابط على معان أخرى خارجة عن المعنى الاصطلاحي للضابط, كإطلاقه على تعريف الشيء([6]), أو إطلاقه على المقياس الذي يكون ضابطا على تحقق معنى من المعاني, كقولهم: ضابط المشقة المؤثرة في التخفيف هو…([7]).
التعريف اللقبي للضابط الفقهي:
اختلفت المسالك في تعريف الضابط كما تقدم, فمنهم من يفرق بين القاعدة والضابط, ومنهم من لا يفرق:
أولا: التعريف اللقبي للضابط الفقهي عند من لا يفرق بينه وبين القاعدة الفقهية:
تعريف الضابط الفقهي عند هؤلاء لا يختلف عن تعريف القاعدة الفقهية, فهي: “قضية كلية شرعية عملية جزئياتها قضايا كلية شرعية عملية”([8]), أو “حكم شرعي في قضية أغلبية يتعرف منها أحكام ما دخل تحتها”([9]).
ثانيا: التعريف اللقبي للضابط الفقهي عند من يفرق بينه وبين القاعدة الفقهية:
الضابط الفقهي عند هؤلاء هو: “قضية كلية فقهية منطبقة على فروع من باب”([10]), أو “حكم كلي فقهي يتعرف منه أحكام جزئيات كثيرة من باب واحد مباشرة”([11]).
وقد سرت في البحث على التفريق بين القاعدة والضابط لدقته؛ ولأن الإمام السالمي فرق بينهما فكان من المناسب اختيار هذا المذهب حتى يسير البحث على نهج الإمام, واخترت التعريف الأول الذي هو: “قضية كلية فقهية منطبقة على فروع من باب“؛ لأنه جامع لما تحته من أفراد, ومانع من دخول غيره فيه, ثم إن التفريق بين الضابط والقاعدة أصبح أمرا شائعا متداولا بين الفقهاء والباحثين في الفقه الإسلامي في العصور المتأخرة([12]), وسأشرح التعريف المختار باختصار:
أولا: قضية: وهي عبارة المناطقة, ويراد بها الجملة الخبرية عند غيرهم كالنحويين, وهي المركب من مسند ومسند إليه عند البلاغيين, ومن مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل وما في معناهما عند النحويين, ومن الموضوع والمحمول عند المناطقة([13]), وهي مأخوذة لغة من القضاء الذي هو الحكم والفصل([14]).
ثانيا: كلية: وهي الحكم على كل فرد فرد بحيث لا يبقى فرد, كقولنا: كل رجل يشبعه رغيفان غالبا([15]).
ثالثا: فقهية: نسبة إلى الفقه, وقد تقدم بيانه.
رابعا: منطبقة: والانطباق في اللغة يأتي بمعنى الموافقة والمساواة والمناسبة([16]), ويراد به في التعريف انطباق الضابط على الفروع ومناسبته لها.
خامسا: على فروع: أي الفروع الفقهية المتشابهة التي يمكن جمعها في ضابط واحد, وفيه بيان لمجال الضابط.
سادسا: من باب: الباب اسم لطائفة من المسائل مشتركة في حكم, وقد يعبر عنه بالكتاب أو بالفصل([17]).
وفي هذه السلسة بإذن الله سأختار لك أيها القارئ الكريم مجموعة من الضوابط الفقهية المتعلقة بالصيام من كتاب معارج الآمال للإمام السالمي رحمه الله.
لتحميل المقال اضغـط هنــا
([1]) الفراهيدي, الخليل بن أحمد بن عمرو, كتاب العين, تحقيق: د.مهدي المخزومي ود.إبراهيم السامرائي, د.ط, (بيروت: دار ومكتبة الهلال, د.ت), ج7, ص23, مادة “ضبط”.
([2]) الفيروزآبادي, أبو طاهر محمد بن يعقوب, القاموس المحيط, تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف محمد نعيم العرقسوسي, ط8, (بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع, 2005), ص 675, مادة “ضبط”.
([3]) الزبيدي, محمد مرتضى الحسيني, تاج العروس من جواهر القاموس, د.ط, (الكويت: وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت, من 1965م إلى 2001م), ج19, ص441, مادة “ضبط”.
([4]) ممن فرق بينهما السبكي في الأشباه والنظائر, انظر: السبكي, تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي, الأشباه والنظائر, ط1, (بيروت: دار الكتب العلمية, 1991م), ج1, ص11, والإمام السالمي في طلعة الشمس, فقد نص على ذلك بقوله: ” القاعدة تجمع فروعا من أبواب شتى، والضابط يجمع فروعا من باب واحد”, السالمي, عبد الله بن حميد, طلعة الشمس , تحقيق: عمر حسن القيام, د.ط, (سلطنة عمان: مكتبة الإمام السالمي, 2010م), ج1, ص74.
([5]) ممن لم يفرق بينهما ابن الهمام في التحرير في أصول الفقه, انظر: ابن الهمام, محمد بن عبد الواحد السيواسي, التحرير في أصول الفقه, د.ط, (القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي, 1351ه), ص5, والفيومي في المصباح المنير, فقد نص على ذلك بقوله: “القاعدة في الاصطلاح بمعنى الضابط, وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته”, الفيومي, أحمد بن محمد بن علي, المصباح المنير في غريب الشرح الكبير, د.ط, (بيروت: المكتبة العلمية, د.ت), ج2, ص510.
([6]) انظر: السبكي, الأشباه والنظائر, مرجع سابق, ج2, ص304.
([7]) انظر: القرافي, شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن, أنوار البروق في أنواء الفروق, د.ط, (القاهرة: عالم الكتب, د.ت), ج1, ص132.
([8]) الباحسين, د.يعقوب بن عبد الوهاب, القواعد الفقهية, ط5, (الرياض: مكتبة الرشد ناشرون, 2007م), ص54.
([9]) الندوي, علي أحمد, القواعد الفقهية, ط4, (دمشق: دار القلم, 1998م), ص43.
([10]) الصواط, محمد بن عبد الله بن عابد, القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية في فقه الأسرة, ط1, (الطائف: دار البيان الحديثة, 2001م), ج1, ص97.
([11])آل شوية, ياسر بن علي بن مسعود القحطاني, “القواعد والضوابط الفقهية عند الإمام ابن دقيق العيد من خلال كتابه: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام“, رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الفقه بجامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية, إشراف: أ.د.عبد الله بن حمد بن ناصر الغطيمل,1429ه, ص116.
([12]) انظر: الندوي, القواعد الفقهية, مرجع سابق, ص52.
([13]) الجرجاني, علي بن محمد بن علي, كتاب التعريفات, ط1, (بيروت: دار الكتب العلمية, 1983م), ص176.
([14]) الفيروزآبادي, القاموس المحيط, مرجع سابق, ص1325, مادة “قضي”.
([15]) انظر: القرافي, أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن, شرح تنقيح الفصول, تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد, ط1, (القاهرة: شركة الطباعة الفنية المتحدة, 1973م), ص28.
([16]) الفيروزآبادي, القاموس المحيط, مرجع سابق, ص902, مادة “طبق”.
([17]) انظر: الحطاب, محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني, مواهب الجليل في شرح مختصر خليل, ط3, (دمشق: دار الفكر, 1992م), ج1, ص43.