أكبــر مـن حجــاب!

عبدالرحمن بن كهلان بن نبهان الخروصي
ليتها كانت شُعيرات ظهرنَ فقط! (الحجاب) في اصطلاحنا العُرفي أو (الخِمار) كما جاء في نص الوحي جزء من منظومة القيم الإسلامية، على أن بعضًا من الشباب والفتيات الذين يناقشون المحامين بشدة عن الحجاب يَرجعون تمسك هؤلاء القوي إلى ضيق العَطَن والأفق لديهم، وأنه تشبّثٌ بتقاليدَ ناءت المدنية بحِمْلها، أو هو في أحسن الأحوال فريضة نعم، لكنها أُعطيت فوق قدرها بكثير! ويتجاوزون ذلك إلى القذف بعداوة المدنية، وسبب التخلف الحضاري، والسيطرة على المرأة المظلومة، والكبت الجنسي الذي يجعل الرجل المؤمن يسيح إذا بدت أمامه شُعيرات امرأة. نعم، الطُّهر كبتٌ -زعموا-، وأربابهم هم الذين خنقونا بقصص الحب الغثيث الرخيص في كل مناسبة وغير مناسبة في إعلامهم، فتولي عنهم واضعًا يديك على رأسك عجبًا كيف يرمون الأعِفة بعدها باستغلال المرأة وحصرها في جسدها!
وهذه التسطيحات النقاشية -المدعومة بالأفلام والمسلسلات والأغاني ومشاهير الغرب وما شئت من بعد- بدأت تروج بين الشباب والفتيات في محادثات التواصل الاجتماعي وتستشري بينهم، وأحببت هنا التنبيه أن النقاش حول أهمية الحجاب دينيا وحضاريا أعمق من تلك القوالب الجاهزة وأنه يتناول أبعادًا عدة، وكل نقطة من النقاط التالية يسعها نقاش مطوّل للتدليل والبرهنة، وحسبي في هذا المقال أن أضيء زوايا مظلمة لدى بعض الشباب والفتيات علّها تنير بالنقاشات المحترمة مع إخوانهم ومدرّسيهم.
- النظرة للدين من أصله: سواء كان تخلي الفتاة عن حجابها أو التساهل في لبسه بكمال الستر ناتجا عن تخليط في تفهّم الدين ومراد الشرع من هذه الفريضة أو لغلبة شهوة النفس وأزيز جليسات السوء فإنه -مع تألّه الهوى في عصرنا- يعود باختلال النظر للدين وفهم معنى العبودية لله والاحتكام لشرعه في سائر شؤون الحياة. وتحكيمُ شرع الله تعالى هو الأساس المتين والقاعدة التي إذا ضُربت في النفوس انقشع ما بعدها وفُتحت بوّابة العدمية، فلا ترجُ وقارًا لأهل ولا مجتمع ولا حضارة ولا ملح ولا زبيب، فالتشوّهات المعرفية والسلوكية وألوان العصيان والفجور التي ستمطرنا لا تُحَدّ؛ لأن مرجع القيم أزيح من الحياة، فسلّم على الفِطَر فإن الانتكاسات الإنسانية وحياة البهيمية على الأبواب، إن تخلي المؤمنات عن الحجاب الشرعي وتضعضع حاجز الممانعة الدينية في نفوسهن قُبالةَ الهجوم الضاري من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ليس بينه وبين غزو الشذوذ وجرائم الاغتصاب والتحرّش إلا الزمن، ولا عاصمَ إلا من عصمه الله.
- الميوعة الثقافية: لا تجد سواقطُ الأفكار والانحرافاتُ الثقافية متنفّسًا في البيئة التي تحتكم إلى شرعة الله تعالى، وبلادنا الطاهرة التي دخلت في دين الله طواعية قد امتزجت بالإسلام امتزاج اللحم والعصب والدم، فصبغ الإسلامُ هوّيتنا وشكّل حياتنا وصاغ وَعْينا الثقافي والاجتماعي والحضاري، فإذا ما تساهلت المؤمنات في خِمارهن الشرعي -ولو لغلبة الهوى وحب إظهار الجمال فإنا في عصر قُدّس فيه الهوى وصار شرعة يُساق إليها من غلبته ذنوبه- كان ذلك إيذانا بانطماس هويتنا، ودخلنا في ميوعة ثقافية لا تَعرف معروفا ولا تنكر منكرا ودخلت علينا الفِتَن “الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ” [متفق عليه] عياذا بالله تعالى.
- علاقة المرأة بالرجال: لئن كنتَ كلما رأيت بائعا في مطعم أو محل ورود آسيويًا أو إفريقيًا يصبغ شعره ويضع الحِلق والوشوم ويتأنّث في كلامه يضاحك فتاة مسلمة من بني جلدتك ثارت ثائرتك وغلى دمك، فما برحتَ تثور ويغلي دمك. إن خلع الحجاب يعيد تركيب صورة العلاقة بين المرأة والرجل، فلم تعد المرأةُ المرأةَ ولا الرجلُ الرجلَ فكلٌ منهما يأخذ من الآخر طباعه، ولقد تسرّبت مظاهر رجولية للفتيات لم تُعهَد من قبل؛ فصرت ترى المرأة تسوق السيارة الرياضية وتفتح نوافذها وتشغّل الموسيقى الصاخبة، وترى الفتيات يخرجن وحدهن في رحلة مغامرة أو تسكّع مع تعالي ضحكاتهن على الملأ بلا حياء كما كان الشباب يفعلون، وضاقت المسافة المادية والمعنوية بين بعضٍ ممن خلعن الحجاب -أو كِدْنَ- والشباب، وليس ببعيد أن يُطبّع في مجتمعنا العشق والحب قبل الزواج ثم يطبّع الزواج قبل الزواج! فالتهاون في الحجاب بداية رسم علاقة جديدة بين المرأة والرجل.
- علاقة المرأة بالمجتمع: طالما تعالت اللجاجة لإخراج المرأة لعمومات المناصب دون اعتبار مركزها في الحياة وطبيعتها الجسدية والنفسية والاجتماعية، وأول دفع للمرأة للملأ هو تحريضهم إياها ألا تستحي من جسدها كما يقولون فتنزع عنها ثوب الحياء وتبدي زينتها للناس، ولا يزال يُدفع بها في المعتركات العامة حتى يتسلسل الأمر إلى أن تكون جُندية في الجيش تقاتل في الصفوف الأولى مع الرجال وتختلط بهم في ميادين الفحولة، وبدلا من أن تقاتل جيوشُنا لحماية أعراضنا سنرمي بأعراضنا في أُتُون المعارك المادية والمعنوية، فتكونُ الرئيسة امرأةً ومرؤوسُها رجلًا أو العكس، ولا اعتبار لجنس الموظف -رجلا أو امرأة- في تهيئة مكان العمل وطبيعته. وما أبعد هذا عن المنظومة الإسلامية في كسب الرزق الحلال ونوال الحقوق المشروعة.
- شكل الأسرة الجديد: عدم الالتزام بالحجاب كما شرعه الله ينبئنا عن شكل جديد للأسرة يعاد فيه النظر لوظائف الأب والأم والأبناء ومَن سواهم من العائلة الواسعة، مما يعني مزيدًا من الخلافات الداخلية الناشئة عن غَيرة الرجل وانفتاح المرأة، وضياعا للأولاد وعدم تربيتهم على الفضائل ومعالي الأمور -فما شاعت الرذائل في قومٍ إلا أَسَفّوا وتمرغوا في أوحال السفاهة ودنو الهمة-، ويفضي الأمر إلى بدائل أخرى أقل كلفةً من أتعاب الأسرة؛ كالعزوف عن الزواج ثم البحث عن متنفس غير شرعي للغريزة والعاطفة.
الحجاب منظومة قيمية، فالمتحجِّبة كما أمر الله تعالى التي تستر شعرها وجسدها إنما ترتدي قيَمًا خُلُقيّة راقية زكّاها بها الله تعالى من طُهر وعفاف وحياء وصيانة للزوج والأولاد وحفظ للغيب [فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ].
ومن واجبات المؤمنين والمؤمنات جميعا مدافعة أهل الباطل بما أوتوا، بل إن حفظ حجاب المرأة المسلمة -بالنظر المادي البحت- من وظائف الدولة بمؤسساتها ومسؤوليها، فإن من أهم وظائف الدول أن تحفظ كِيانها وهُويّات مواطنيها من التسرّبات الثقافية التي تعرّض هذه الهوية الوطنية للضياع. وليس الأمر مقصورًا على المعالجات الفردية فإنها محدودة الأثر ما لم تكن هناك مقاومة من المؤسسات العامة للتصدي لمن يريد العبث بشعائر دين الله تعالى.
نسأل الله أن يحفظنا من الزيغ ويبصّرنا بالحق ويقينا السوء والفتن [وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ يَهۡدِي ٱلسَّبِيلَ] .
لتحميل المقال اضغط هنا